وصدر وعجز، وسلامة ودخل، واقباس اقتباس؛ فمن جملة ذلك وحومته أن قيل: هل تصح الأحكام أم لا تصح؟ فكان من محصول الجواب أن قال قائل: الأحكام لا تصح بأسرها، ولا تبطل من أصلها. وتلك ليست بالهوينا، إذا أنعم النظر، ونشط للإصغاء، وصمد نحو الفائدة، بغير متابعة الهوى، وإيثار التعصب، لأن الأمور الموجودة على ضربين: ضرب له الوجود الحق، فالأمور الموجودة بالحق قد أعطت البقية نسبة من جهة الوجود، وارتجعت منها حقيقة ذلك؛ فالحاكم بالاعتبار، الفاحص عن هذه الأسرار، إن أصاب فبنسبة الوجود الذي لهذا العالم السفلي من ذلك العالم العلوي، وإن أخطأ فيما فات هذا العالم السفلي من ذلك العالم العلوي. والإصابة في هذه الأمور السيالة المتبدلة عرض، والإصابة في أمور الفلك جوهر. وقد يكون هناك ما هو كالخطأ، ولكن بالعرض لا بالذات. فلهذا صح بعض الأحكام، وبطل بعض الأحكام.
ومما يكون إبادًا لهذا الفصل وشاهدًا قويًا: أن هذا العالم السفلي مع تبدله في كل حال، واستحالته في كل طرف ولمح، متقبل لذلك العالم العلوي، شوقًا إلى كماله، وعشقًا لجماله، وطلبًا للتشبه به، وتحقيقًا بك ما أمكن من شكله، فهو بحق التقبل يعطي هذا العالم السفلي ما يكون مشابهًا للعالم العلوي.
ومن هذا الباب تقبل الإنسان الكامل من البشر، من الملك، وتقبل الملك من الباري، وكذلك تقبل الطبيعة للنفس، والنفس للعقل؛ والعقل للباري.
قال آخر: وإنما وجب هذا التقبل والتشبه، لأن وجود هذا العالم وجود متهافت مستحيل، لا صورة له ثابتة، ولا شكل دائم، ولا هيئة معروفة.
1 / 126