من التقوى، وزاهد يؤمن بالمعاد ويخشى ربه، ممن يعمل ويثبت على قوله قبل أن يقول.
أنهى الشهيد الثاني تأليف هذا الكتاب في يوم الخميس العشرين من شهر ربيع الأول عام 954، أي في حدود إحدى عشرة سنة قبل شهادته، وهذا بعد أن رأى كثيرا من الحوزات العلمية يومئذ واشتغل في كثير منها بالتعلم أو التعليم. إن الشهيد الثاني بالإضافة إلى تتلمذه لدى علماء الشيعة في جبل عامل وغيرها، كان قد تتلمذ لدى كبراء علماء العامة في دمشق ومصر وغيرهما وتعرف على كثير من طرقهم وأساليبهم. وبعد المطالعة والتحقيق الواسع في مختلف الكتب، وبعد النضج والتجارب الكثيرة والممارسات الطويلة كتب «منية المريد» لهداية العلماء والطلاب. وفرق بين من لا يلمس الواقع بيده ومن جرب مختلف حوادث الأيام وكان في صميمها.
وإن أسلوب تنظيم وتحرير «المنية» حسن جدا، فهو مشحون بالآيات والروايات وأقوال العلماء والأبيات المناسبة لكل باب، وقد ذكر فيها الآداب والقواعد لطلب العلم بصورة طبيعية تحكي عن النظر الدقيق والفكر المنظم والمنطقي للمؤلف: فقد دون الكليات كفضيلة العلم ومحاسنه ومحاسن العالم والمتعلم في المقدمة، وما يتعلق بالمعلم والمتعلم في باب مستقل، وما يرتبط بآداب المفتي والمستفتي وأدب الكاتب وآداب المناظرة في فصول وأبواب مستقلة أيضا وبكيفية منتظمة، وجاء بالفقرات في ذيل هذه الأبواب مرقمة بالأعداد، وهذا الترتيب ينتقش في ذهن القارئ أسرع، وكذلك يجد المراجع ما يحتاج إليه فيه بدون إتلاف للوقت والجهد. والخلاصة فهو كما قال بعض أهل الفضل:
«هو من أحسن كتب الإمامية في كيفية البلوغ إلى أقصى الغاية، والترقي إلى المقامات العالية الإنسانية، وبيان فضل العلم وأهله وآداب تعليمه وتعلمه، وشرائط الفتوى والمفتي وآدابهما وشرائط المستفتي، وغير ذلك مما يتعلق بالعلم والعمل وتهذيب الأخلاق الإنسانية، والوصول إلى الدرجات الملكية، واللحوق بالنفوس الكاملة القدسية» (1).
إن عناية كبار العلماء بهذا الكتاب تدل على أهميته وعظمته، وإليكم الآن نماذج
Page 54