ومنهنَّ غلٌّ مقملٌ لا يفكُّهُ ... من القومِ إلاّ الشَّحشانُ الصَّرنقحُ
عمدتُ لعودٍ فالتحيتُ جرانهُ ... وللكيسُ أمضى في الأمورِ وأنجحُ
وصلتُ به منْ خشيةٍ أن تدكَّلا ... يميني سراعًا كرَّهًا حينَ تمرحُ
خذا حذرًا يا خلَّتيَّ فإنَّني ... رأيتُ جرانَ العودِ قد كانَ يصلحُ
وقال جران العود وقرأتها على ابن الخشاب:
ذكرتُ الصِّبا فانهلَّتِ العينُ تذرفُ ... وراجعكَ الشَّوقُ الذي كنتَ تعرفُ
وكانَ فؤادي قد صحا ثمَّ هاجني ... حمائمُ ورقٍ بالمدينةِ تهتفُ
كأنَّ الهديلَ الظَّالعَ الرِّجلِ فوقها ... من البغيِ شرِّيبٌ يغرِّدُ مترفُ
تذكِّرنا أيامنا بسويقةٍ ... وهضبَى قُساسٍ والتَّذكُّرُ يشغفُ
وبيضًا يُصلصلنَ الحجولَ كأنَّها ... ربائبُ أبكارِ المهى المتألِّفُ
فبتُّ كأنَّ العينَ أفنانُ سدرةٍ ... عليها سقيطٌ من ندى الطّلِّ ينطفُ
أُراقبُ لوحًا من سهيلٍ كأنَّه ... إذا ما بدا من آخرِ الليلِ يطرفُ
يُعارضُ عن مجرى النُّجومِ وينتحي ... كما عارضَ الشَّولُ البعيرُ المؤلَّفُ
بدا لجرانِ العودِ والبحرُ دونهُ ... وذو حدبٍ من سروِ حميرَ مشرفُ
ولا وجدَ إلاّ مثلَ يومٍ تلاحقتْ ... بنا العيسُ والحادي يشلُّ ويعنفُ
لحقْنا وقد كانَ اللُّغامُ كأنَّهُ ... بألحي المهارى والخراطيمِ كرسفُ
وما ألحقتْنا العيسُ حتَّى تناضلتْ ... بنا وتلاها الآخرُ المتخلِّفُ
وكانَ الهجانُ الأرحبيُّ كأنَّه ... تراكبَهُ جونٌ من الجهدِ أكلفُ
وفي الحيِّ ميلاءُ الخمارِ كأنَّها ... مهاةٌ بهجلٍ من أديمٍ تعطَّفُ
شموسُ الصِّبا والأُنسِ محفوظة الحشا ... قتولُ الهوى لو كانتِ الدَّارُ تسعفُ
كأنَّ ثناياها العذابَ وريقَها ... ونشوةَ فيها خالطتهنَّ قرقفُ
تهيمُ جليدَ القومِ حتَّى كأنَّهُ ... دوًى يئستْ منه العوائدُ مدنفُ
وليستْ بأدنى من صبيرِ غمامةٍ ... بنجدٍ عليها لامعٌ يتكشَّفُ
يشبِّهها الرَّائي المشبِّهُ بيضةً ... غدا في النَّدى عنها الظَّليمُ الهجنَّفُ
بوعساءَ من ذاتِ السَّلاسلِ يلتقي ... عليها من العلقى نباتٌ مؤنّفُ
وقالتْ لنا والعيسُ صعرٌ من البرى ... وأخفافُها بالجندلِ الصُّمِّ تقذفُ
وهنَّ جنوحٌ مصغياتٌ كأنَّما ... براهنَّ من جذبِ الأزمَّةِ علَّفُ
حُمدتَ لنا حتَّى تمنَّاكَ بعضُنا ... وأنتَ امرؤٌ يعروك حمدٌ وتعرفُ
رفيعُ العلى في كلِّ شرقٍ ومغربٍ ... وقولكَ ذاكَ الآبدُ المتلقِّفُ
وفيكَ إذا لاقيتَنا عجرفيَّةٌ ... مرارًا وما نسْتيعُ من يتعجرفُ
تميلُ بكَ الدُّنيا ويغلبكَ الهوى ... كما مالَ خوَّارُ النَّقا المتقصِّفُ
ونُلقى كأنَّا مغنمٌ قد حويتهُ ... وترغبُ عن جزلِ العطاءِ وتسرفُ
فموعدكَ الشَّطّ الذي بينَ أهلنا ... وأهلكَ حتَّى تسمعَ الدِّيكَ يهتفُ
ويكفيكَ آثارٌ لنا حينَ تلتقي ... ذيولٌ نعفِّيها بهنَّ ومطرفُ
ومسحبُ ربطٍ فوقَ ذاكَ ويمنةٍ ... تسوقُ الحصى منها حواشٍ ورفرفُ
فنصبحُ لم يشعرْ بنا غيرَ أنَّنا ... على كلِّ حالٍ يحلفونَ ونحلفُ
وقالتْ لهم أمُّ التي أدلجتْ بنا ... لهنَّ على الإدلاجِ أنأى وأضعفُ
فقد جعلتْ آمالُ بعضٍ بناتنا ... من الظُّلمِ إلاّ ما وقى اللهُ تكشفُ
وما لجرانِ العودِ ذنبٌ ولا لنا ... ولكن جرانُ العودِ ممَّا نكلِّفُ
ولو شهدتْنا أُمُّها ليلةَ النّقا ... وليلةَ رمحٍ أزحفتْ حينَ تُزحفُ
ذهبنَ بمسواكي وقدْ قلتُ قولةً ... سيوجدُ هذا عندكنَّ ويُعرفُ
فلمَّا علانا الليلُ أقبلتْ خيفةً ... لموعدِها أعلو الإكامَ وأظلفُ
إذا الجانبُ الوحشيُّ خفنا من الردَى ... وجانبيَ الأدنى من الخوفِ أحنفُ
فأقبلنَ يمشينَ الهوينا تهاديًا ... قصارَ الخطى منهنَّ دابٍ ومُزحفُ
كأنَّ النُّميريّ الذي يتبعنهُ ... بدارةِ رمحٍ ظالعِ الرِّجلِ أحنفُ
1 / 41