Le Sauveur : une lecture pour le cœur de Platon (avec le texte complet de la Septième Lettre)
المنقذ: قراءة لقلب أفلاطون (مع النص الكامل للرسالة السابعة)
Genres
2
ليس من الصعب أن نتعرض باختصار شديد لنظرية أفلاطون السياسية كما بينها في كبرى محاوراته (وهي الجمهورية التي اعتمد عليها هذا الكتاب)، وفي محاورتيه «السياسي والقوانين».
لا شك أنها نظرية تسلطية وشمولية لا مكان فيها - كما سبق القول - للحرية الفردية ولا للديمقراطية. ومع ذلك فعلينا أن نبسطها بإيجاز قبل أن نلقي عليها أضواء النقد أو سهامه ونرى معا ما لأفلاطون وما عليه ... فهو ينطلق من الفرض القائل بأن الذين يعرفون الخير هم وحدهم الذين يصلحون للحكم، ثم يصف لنا المراحل الدقيقة للتربية والتدريب العقلي التي ستؤدي في رأيه إلى تلك المعرفة. وهذه المعرفة - كما يوضح رمز «الكهف» الذي وقف عنده هذا الكتاب وقفة طويلة - ستتخلص من القيود والأغلال التي تجعل معظم البشر يعيشون سجناء في «كهف سفلي» ويقاومون كل دعوة للخروج منه والصعود إلى العالم «الحقيقي» الذي يقع خارجه، وهو عالم المثل أو الأشكال والنماذج الثابتة للمعرفة والوجود التي تدرك بالعقل لا بالحواس. ويشترط أفلاطون الدراسة المتعمقة للرياضيات التي ستشد انتباه الخارج من الكهف إلى المثل؛ لأن الرياضيات معرفة قبلية لا تهتم بالمحسوس إلا بقدر ما تنطلق منه للمفاهيم غير المحسوسة، ثم يشترط دراسة الجدل الفلسفي (الديالكتيك) الذي هو سبيل المعرفة العقلية الخالصة للنماذج الخالدة. والذين يجتازون بنجاح هذه المراحل التربوية نحو التفلسف الصحيح ويتوصلون لمعرفة ماهية الخير، هم الذين سيكونون النخبة الحاكمة والحكيمة من جملة الحراس. سوف يطالبون - من حين لآخر - بالانصراف عن مباهجهم الفلسفية والنزول إلى زملائهم القدامى في الكهف «لإنقاذهم» أي تبصيرهم بالمعرفة والوجود الحقيقي وحكمهم الحكم الخير العادل الذي يضاعف سعادة المدينة بأكملها. والقارئ يعرف الشروط القاسية التي يضعها أفلاطون لتحقيق هذه الغاية فهو يفرض رقابة صارمة لاستبعاد الأفكار الخاطئة - إلى حد استبعاد الشعر ومصادرة أي تجديد في الفن والتعليم، أي مصادرة حرية الفكر نفسها! - وضمان قيام كل طبقة وكل شخص من سكان المدينة بعمله الذي هيأته له الخبرة والطبيعة التي مزج تركيبها بمعدن معين! وعدم إقحام نفسه فيما لا يحسنه بفطرته ولا بتعليمه وخبرته، وهذا هو لب مفهوم العدالة عنده. (وقد عاد فأكد في إحدى محاوراته المتأخرة - وهي السياسي - أن الحكم مهمة الخبراء، وأن الخبير لا ينبغي أن يقيده القانون ولا رغبات الناس ...)
لا شك أن أفلاطون هو الذي قدم أول «يوتوبيا» شاملة ومفصلة رجع إليها كل من كتب اليوتوبيا من بعده، كما أثرت بصورة أو بأخرى على جميع أشكالها الأدبية والسياسية والعلمية والفكرية التالية. فبعد محاولات إغريقية عديدة لرسم صورة الحياة اليوتوبية السعيدة، كحياة الاستغناء التام عند أتباع ديوجينيس الكلبي الذين سووا بين البشر والكلاب أو الخنازير، وكحياة البحث عن اللذة بكل وسيلة ممكنة وإشاعتها بين الجميع بصورة «ديمقراطية» عامة كما عند أرستيبوس ومدرسته، وهجمات صغار السفسطائيين على القانون الوضعي والنظم المترتبة عليه ودعوتهم للأخوة البشرية العالمية، جاء أفلاطون والتقط الدافع اليوتوبي ثم قيد حرياته وعكس اتجاهه تماما ... لم يعد في «يوتوبياه» مكان للأحلام الغامضة والأماني الوهمية، ولم يعد أحد يشتاق للماضي الذهبي أو يثني عليه. وبدلا من الحرية الضائعة - ريفية كانت أو حضرية - يظهر النظام غير المسبوق، ويثبت الحلم ويغدو بيده الأمر والنهي ... لم يغب النموذج التجريبي والعيني لهذا الحلم عن وعي أفلاطون، بل كان قريبا منه وماثلا في إسبرطة التي أذلت مدينته، وكان حب إسبرطة الأرستقراطية - بعد انتهاء الحرب البيلوبينيزية وتقليد المهزوم للمنتصر كما بين ابن خلدون بحق! - شيئا على هوى الطبقات الأثينية الحاكمة التي كانت تكره الديمقراطية وتعمل على هدم أركانها. وما دامت الدولة - كما رآها وعاصرها أفلاطون - قد انقسمت إلى دولة للفقراء وأخرى للأغنياء وسادت الكراهية المتبادلة بينهما، فلا بد في هذه الحالة من تأكيد سلطة الدولة «البوليسية» المنظمة. هكذا أصبحت يوتوبيا أفلاطون صورة مثالية من إسبرطة؛ إذ كانت - وهذه هي المفارقة - هي يوتوبيا الطبقة ذات السيادة. وساعد الصراع الطبقي في أثينا على وضع صورة إسبرطة داخل إطار الدولة الإغريقية المنظمة، وعلى الاعتقاد بأن السلطة الحازمة هي العلاج الوحيد. ألم تسبق إسبرطة ... إلى ترسيخ الطبقات الثلاث التي تقوم عليها الجمهورية: الطبقة التي تقوم بإطعام الكل (الهيلوتيون) والطبقة التي تتولى الدفاع عن الكل (الإسبرطيون) ثم النخبة الحكيمة التي تدير دفة الحكم (مجلس الكبار - أو الجيروزيا الذي أوصى به مشرعهم ليكورجوس)؟ ...
هكذا بنى أفلاطون عالما عقليا شديد الإحكام، الناس فيه يتصفون بالصلابة «الدورية»، والتنظيم الشديد فيه نسخة من نظام الأرستقراطية الإسبرطية، حتى مجتمع النساء في الطبقة العليا (طبقة الحراس الذين يختار منهم الحكام الحكماء) يوحي بالتشابه القوي مع الفوضى الكلبية والتطرف في اللذات، ويكاد أن يكون نقلا حرفيا عن طريقة الحياة الشاذة التي كانت مألوفة في معسكرات الجيش الإسبرطي. كذلك كان امتلاك الذهب والفضة الذي حرمه أفلاطون على نخبته الحارسة والحكيمة، محرمين على الطبقة المحاربة في إسبرطة.
وأخيرا فإن مجلس الكبار الإسبرطي قد استفاد منه أفلاطون في وضع الإطار اللازم لأعلى الطبقات في دولته، وهي طبقة الحكام الفلاسفة. ومع ذلك يمكن القول بأن أفلاطون قد خرج عن مضمون ذلك الإطار الإسبرطي المعادي للعقل بتشديده على التربية الفلسفية لحكام المستقبل، ومطالبته بالحاكم الحكيم أو الملك الفيلسوف، وتأكيده أن الدولة لن يصلح حالها وتصبح دولة خيرة حتى يحكم الفلاسفة أو يتفلسف الحكام ... (والشيء الغريب حقا أن طبقة الفلاسفة قد تفككت في المحاورة الأخيرة التي عدلت نموذج الجمهورية في مواضع غير قليلة إلى حد الاستغناء عن التربية الفلسفية الأرستقراطية. لقد أصبحت الدولة المثالية في «القوانين» دولة بوليسية كاملة، ولا يقلل من ذلك أنها رجعت للاعتراف بالحق في الملكية الخاصة وفي الزواج، بل إنها لتطبق قوانين العقاب الجنائي على أي تجديد سياسي أو ثقافي بحيث يتساءل المرء إن كان قد بقي في نظام هذه الدولة شيء يمكن وصفه بالمثالية أو الحرية بعد ما بلغت هذا الحد من الرجعية!)
يبدو أن فكرة المعمار المتدرج هي التي وجهت أفلاطون في تصوره لبناء دولته المثالية، سواء في الجمهورية أو في القوانين، ويبدو أيضا أن هذا البناء يقوم في تقديره على أساس الفطرة أو الطبيعة البشرية نفسها. ففي الإنسان ثلاث قوى أو ثلاثة أجزاء تنقسم إليها نفسه وتتدرج في القيمة من أعلى إلى أسفل: الشهوة، فالشجاعة، فالعقل. وهي تتوزع بالترتيب من الجزء الأسفل من الجسم إلى الصدر إلى الرأس، بل إنها لتتوزع على الشعوب وطباعها فيكون أهل الجنوب انفعاليين، وأهل الشمال جسورين، وأبناء الإغريق حكماء متدبرين! ... وحتى الإغريق أنفسهم تتوزع بينهم فضائل التدبر أو التبصر والحكمة، بحيث تتدرج من الطاعة إلى الشجاعة إلى الحكمة، وتأتي الفضيلة الإغريقية متسقة مع التدرج السابق: فالطاعة هي فضيلة الطبقة التي تقوم بأمور الإعالة المادية وبالتغذية، والشجاعة هي فضيلة طبقة الجنود، والحكمة هي فضيلة مشرعي القوانين من الفلاسفة. وهكذا تنشأ دولة تكاد الطبيعة نفسها أن تكون هي التي أنشأتها، قوانينها لا تناقض الطبيعة ولا تتصادم معها، بل إن الطبيعة لتعزز وتدعم سلم الطبقات الاجتماعية المتصاعد، وكأن لكل طبقة طبيعة أقرتها الطبيعة (الفيزيس) بنفسها. ويؤكد الكتاب الثالث من الجمهورية أن أولئك الذين يصلحون للحكم يدخل الذهب في تركيب نفوسهم، أما المحاربون فيدخل في تركيبهم الفضة، ويبقى المزارعون وأرباب الحرف والصنائع الذين جعلت نفوسهم من النحاس والحديد! ... ومعنى هذا أن لكل طبقة طبيعتها التي لا تختلط بطبيعة الطبقة الأخرى، بل إن القاعدة هي أن الأبناء يشبهون الآباء، بحيث يندر أن يصلح ابن من الطبقة الدنيا للانخراط في الطبقة الأعلى، كما يندر - على العكس مما سبق - أن يصلح ابن نشأ في طبقة المحاربين للحياة في طبقة المزارعين والصناع ... وليس على الحكم في مجموعه سوى التأليف بين كل هذه العناصر الطبقية والطبيعية في كل متجانس هو الذي يسميه أفلاطون بالعدالة. ومن العدالة في رأيه - كما سبق القول - أن يقوم كل امرئ بوظيفته التي هيأته لها الطبيعة، وأن تختص كل طبقة بوظيفتها ولا تتعدى على وظيفة طبقة أخرى، تلك هي الأخلاقية التي كرستها دولة أفلاطون، فسمحت - بجانب العبيد - بوجود طبقة من الفلاحين والصناع المستغلين الذين يتحملون وحدهم عبء العمل، بينما تتمتع الطبقتان الأخريان بترف اللاعمل: الرقابة من ناحية، والتفلسف والتشريع من ناحية أخرى ... هذه الأخلاقية - التي تجردت من كل أخلاقية! - قد أسست عدالتها وسوغتها بمسوغ طبيعي هو طبيعة الطبقة الكادحة التي خلقت للطاعة لأنها جبلت من معدن النحاس أو الحديد غير النفيس! ...
هكذا قامت العدالة في دولة أفلاطون المثالية على ظلم شديد حاولت تبريره بأساليب طبيعية أو كيمائية غير منصفة ولا مقنعة، بل إن المهمة التي يكلها أفلاطون للطبقة العليا بأن تسهر على «عدم تسرب الفقر والثراء إلى الدولة»، فضلا عن الزهد المطلوب من الطبقة العليا في الذهب ليس له - في رأي إرنست بلوخ
3 - إلا معنى واحد، هو الحيلولة دون نشوء طبقة رعاع غنية يمكن أن تكون مصدر خطر على «عدالة» الدولة واستقرارها ...
على الرغم من كل المضامين غير الثورية ولا المثالية - بل غير الإنسانية! - لجمهورية أفلاطون، فقد ظلت في نظر الكثيرين من أبناء الأجيال التالية هي المثل الأعلى للدولة الاشتراكية أحيانا والدولة الشيوعية أحيانا أخرى ، ولا شك أن سلطة أفلاطون - كفيلسوف كبير - قد عملت على اعتبار جمهوريته في عصر النهضة الأوروبية نوعا من التوجيه نحو النظام الاشتراكي، كذلك يذكر زعيم ثورة الفلاحين في عصر النهضة - وهو توماس مونتسر - يوتوبيا أفلاطون مؤكدا أنها جعلت كل شيء مشتركا بين الكل.
Page inconnue