Les Rois des Factions et Regards sur l'Histoire de l'Islam
ملوك الطوائف ونظرات في تاريخ الإسلام
Genres
وحضرت الفتاة فسألها المعتمد: «من أنت؟ وإلى من تنتسبين؟» فأجابت: «أنا أيها الأمير، جاريتك اعتماد وإن جرت العادة بأن ينادوني باسم «روميكيا» لأنني مملوكة «روميك»، وأنا بحكم عملي بدالة.» - «خبريني، هل أنت متزوجة؟» - «كلا يا مليكي.» - «هذا حسن لأنني أريد أن أشتريك من مولاك، بل وأقترن بك.»
ومن هذا الوقت أحبها المعتمد حبا ثابتا متواصلا لم يطرأ عليه تغيير، ولم يعتره نقص أو زوال، وقد أضافت إلى محاسنها كل ما يعجبه من أدب وظرف ورقة ، وكانوا يضعونها أحيانا في صف «ولادة القرطبية» أديبة ذلك العصر، وقد تكون المقارنة بينها وبين ولادة صحيحة من بعض الوجوه، وغير صحيحة من بعض الوجوه الأخرى، فهي وإن لم تسم في المعرفة والأدب إلى درجة «ولادة» التي كانت تساجل أدباء عصرها، وتتفوق على الكثير منهم، فإنها لم تكن دونها في لطف المحادثة والذكاء، والتندر، وسرعة الخاطر، وحضور الجواب، بل ربما فاقت عليها في محاسنها الذاتية، لصغر سنها إلى حد الطفولة، وسذاجة طبعها إلى حد الغرارة.
هذا إلى ما هي عليه من مرح ونشاط ولباقة، وكانت سعادته بعد أن أصبحت له زوجة في موافقة ميولها وأهوائها - كلفه ذلك ما كلفه من ثمن - وكان لا ييأس من عمل ما يوافق مرضاتها، وإشباع نزعاتها وميولها، فإنه يعلم أن أي خاطر يمر بقلبها، أو فكرة تستقر برأسها، لا يمكن أن تتحول عنها أو تنفذ.
حدث في يوم من أيام شهر فبراير أنها كانت تطل من خلال شرفات القصر بقرطبة فنظرت إلى قطع الثلج تتساقط مع المطر، وهذا منظر نادر في تلك المدينة التي يندر فيها مشاهدة الثلج، فأخذت دموعها تتساقط على خديها تساقط حب الغمام على الورد الناضر، فسألها المعتمد في لهفة: «ماذا بك أيتها الحبيبة المودودة؟»
فأجابت وهي تنتحب: «تسألني ما الذي بي؟ الذي بي أنك قاس لا ترحم، ظالم غشوم وحشي الطبع، انظر إلى قطع الثلج الناصعة اللينة العالقة بغصون الأشجار، الواقفة كالدمع الحائر في جفون الأزهار، كم هي بديعة وكم هي رائعة؟ متى يلين فؤادك، وتخلق لي أسباب الطمأنينة والسعادة، وتتركني أذهب في كل شتاء إلى بلد يكثر فيه سقوط الثلج، لتوفر علي التمتع بمجالي الطبيعة الساحرة، ومباهجها الفاتنة؟»
فقال لها: «لا تحزني يا ربيع حياتي، ويا مصدر هنائي وسعادتي، سيكون هذا المنظر أمامك في الشتاء القادم، بل أعدك وعدا صادقا أنك ستسرين بمشاهدته هنا في نفس هذا المكان.»
وأصدر أمره في الحال أن تغرس أشجار اللوز في الحدائق المحدقة بقصر قرطبة، وقدر أن تزدهر في فصل الجليد فتبدو زهراتها البيضاء في عين اعتماد كقطع من الثلج تجلل أغصان الشجر، وهو الذي يعجبها وتميل إليه. •••
ورأت مرة نسوة من الممتهنات قد وضعن أرجلهن في معجن فيه طين لضرب اللبن، فدفعها هذا إلى البكاء، فأثر ذلك في نفس المعتمد وسألها: «وما الذي يبكيك؟»
فقالت له: «آه إني لتعسة، ومنذ انتزعتني من الحياة الحرة الطليقة المرحة أيام أن كنت أنعم بكوخي الحقير وأنا سجينة هذا القصر العابس، أسيرة الحياة المقطبة، مثقلة بسلاسل التقاليد، وعادات القصر المملة، انظر إلى هؤلاء النسوة اللاتي عند شاطئ النهر، وانظر إلى أرجلهن منتعلات بالطين، ليتني كنت عارية القدمين مثلهن أعجن الطين، وليتني حرمت الغنى والسلطان، وأعطيت الحرية التي أستطيع بها أن أفعل ما أريد.»
فأجابها وقد شاعت على شفتيه ابتسامة لطيفة: «بل إنك عما قليل ستستطيعين.»
Page inconnue