Les Rois des Factions et Regards sur l'Histoire de l'Islam
ملوك الطوائف ونظرات في تاريخ الإسلام
Genres
لا يبلغ الوهم أدناها ولا البصر
ولا يزل وزر من حسن رأيك لي
آوي إليه، فنعم الكهف والوزر
وقد أثر هذا الشعر - بروعته وسمو معانيه وانسجام عباراته - في نفس المعتضد وأخذ يرق تدريجا، ويعطف على ولده، كما عطفه عليه رجل معروف بالصلاح والورع من رجال رندة أكثر من التوسلات والشفاعات التي رق لها قلبه، ولان جانبه، فأباح للمعتمد العودة إلى إشبيلية، وصفح عنه، ولكن مالقة قد أفلتت من يده بحيث لا سبيل إلى رجوعها، واستيقظ باديس» من ذلك الحين وأخذ في الأهبة والاستعداد والحيطة حتى لا يحاول المعتضد» مباغتتها والانقضاض عليها مرة أخرى، ومما يقال عن ملك غرناطة أنه كان في ثورة غضبه لا يرحم، وأنه كان ينتقل من مكان إلى مكان للانتقام من الثائرين والزعماء، وهو محاط بجلاديه، وأنه أودى بحياة الآلاف من المساكين الذين ثاروا عليه وأبادهم تقتيلا وتمثيلا، وإحراقا وتنكيلا، فلم يعد أحد من الثائرين الكارهين لحكمه يرغب في إعادة الكرة عليه ثانية. •••
ووجد الناقمون عليه في وسط هذه المحنة الشديدة والعذاب المستأصل سبيلا لإثارة الخواطر حيث آنسوا أن نفوذ اليهود في بلاط غرناطة قد بلغ النهاية، فإنه بعد أن مات إسماعيل خلفه ولده يوسف الذي عني أبوه في حياته بتعليمه كثيرا من العلوم، وأعده إعدادا تاما للقيام بأعباء الوزارة بعده، وقد اضطلع بمنصب كبير الوزراء في الدولة، ولديه كل المؤهلات العلمية والتثقيفية، إلا أنه كان يعوزه لين الجانب، والتواضع الذي كان يكسب والده - مع سمو المركز - صفح الأمير ورضا الجميع عنه. ولم يكن يوسف على شاكلة أبيه من هذه الناحية، بل كان يظهر بمظهر أميره باديس ممتطيا جواده إلى جانبه، وركابه بإزاء ركابه، وشارته في اللبس كشارته، حتى إن الناظر إليهما لا يفرق بين الأمير ووزيره.
بل لقد كان يوسف في الحقيقة ملكا فوق الملك، وكان هو المسيطر المتسلط على باديس لعكوفه على شرابه، وانغماسه في لهوه وبطالته، ولكي يستمر نفوذه وسلطانه على المملكة كان قد أحاط باديس بجواسيس وعيون من نساء وفتيان قصره، استغلهم بالمال ، وغمرهم بالإحسان، فلا يكاد باديس ينبس أو يتنفس إلا وهو يعلم ذلك. •••
وذهب كثير من الناس إلى أنه لم يكن على دين آبائه وأجداده، وأنه كان مستهترا يحتقر الأديان جميعا، وقالوا: إنه لم يكن يهوديا إلا بالاسم فقط، وكان - في حملاته على الدين الموسوي - لا يكاد يصرح بالطعن، أما الدين المحمدي فكان يجهر بالغض منه، ويعيب أحكامه، هذا إلى أنه كان يحرف كثيرا من آيات القرآن، يضاف إلى ذلك أنه أساء إلى العرب والبربر بل واليهود، وجرح كرامة الجميع بكبريائه وترفعه وإعجابه وزهوه، وآرائه اللادينية وقلة إنصافه، وعدم رعايته العدل، وحام حوله كثير من الشبه والظنون، وأصبحت تعزى إليه تهم وتذاع مخاز وفضائح، واستهدف لكثير من الألسنة وحمل كثيرا من جمهرة المسلمين على معاداته، بينهم الزاهد أبو إسحاق الألبيري الذي ذاعت قصيدته في الإغراء باليهود.
عصف الشباب بهذا الرجل، فسولت له نفسه أن يتطلع لمركز في البلاد يرى نفسه - لمنصبه وسابقته في الزهد والورع - أهلا للحصول عليه، فخيب يوسف آماله فرحل وهو يحمل في نفسه من الحقد والكراهة له ولليهود ما حفزه على أن ينظم فيهم قصيدته التي يقول في مطلعها:
ألا قل لصنهاجة أجمعين
بدور الزمان وأسد العرين
Page inconnue