Les Rois des Factions et Regards sur l'Histoire de l'Islam
ملوك الطوائف ونظرات في تاريخ الإسلام
Genres
وقد كان هذا الإصرار الحازم، وذلك الحقد الشديد على أهل الردة سببا في منحه قوة أكبر مما نتصور. •••
ولم يكد ينتهي من إخضاع القبائل المجاورة له، حتى بدأ يهاجمه طلحة الذي كان بطلا من قبل، وقد جاء يدعي النبوة كغيره، ثم يجبن عن دخول المعركة، فيرقب الحرب - وهو بعيد عن الميدان - مدثرا في عباءته، كأنما يؤمل أن ينزل وحي من السماء، أو تحدث معجزة خارقة، وقد ترقب ذلك زمنا طويلا، ثم وقعت المعجزة؛ إذ بدأت تنهزم قبيلته أشنع انهزام، وحينئذ صاح في جنده: «احتذوا حذوي إن استطعتم.» ثم امتطى جواده، وأطلق له العنان، وأمعن في فراره. •••
وكانت تلك المعركة التي اصطلاها المسلمون معركة مروعة هائلة، وفي الحق أن الدماء التي أريقت في هذه الحرب، كانت أكثر مما أريق في تلك الحروب الطاحنة التي نشبت فيما بعد بين المسلمين والفرس ثم بين المسلمين والإمبراطورية الرومانية، وقد اقترف العرب من الفظائع في هذه الحرب «حرب الردة» شنعا لم يعرفها الإسلام قط، فكانوا إذا انهزم العدو تعقبوه ونكلوا به، لأن الردة جزاؤها القتل، لا هوادة في ذلك ولا رحمة، وقد بعث أبو بكر إلى خالد يأمره بقوله: «عليك بإبادة الكفرة بالحديد والنار، ولا تأخذنك فيهم رحمة قط.» •••
ولقد انهزم أصحاب مسيلمة - وكان عددهم زهاء عشرة آلاف مقاتل - ومزقهم المسلمون شر ممزق، وغرقت بلاد العرب كلها في الدماء!
ولكن الإسلام قد خرج من تلك المعارك - الناشبة في كل مكان - مؤيدا منصورا، ودان به العرب بعد ذلك - طوعا أو كرها - فقد أقنعهم خذلانهم بوجوب الاعتراف بالدين الإسلامي، إن لم يكن اعتراف المستيقن المؤمن، فاعتراف الخائف الذي يعرف قوة هذا الدين العظيمة التي لا تجدي معها أي مقاومة.
بعد النصر
ولم يكد يتم انتصار أبي بكر حتى وجه هؤلاء البدو الظامئين إلى الدماء، إلى مهاجمة فارس والإمبراطورية الرومانية، وهذا العمل عند من ينظر إلى ظواهر الأمور وحدها جرأة وتهور، ولكنه - على الحقيقة - رزانة وتعقل.
وإنما سار أبو بكر في هذا على خطة النبي التي كان يتبعها، وهي أن يشغل العرب عن التفكير في خضوعهم، ولا يدع لهم وقتا كافيا لذلك، وقد رأى أن خير ما يربطهم بالإسلام لا يكون إلا عن طريق الفتح والانتصارات الحربية، وما يجره ذلك من الغنائم. •••
وهكذا انتهت حروب الردة، ولم تقم للمرتدين بعدها قائمة، فقد كان عقاب الردة القتل، وهنا تظاهر الناس بالإسلام ووقفوا عند هذا الحد، ونحن - إذا استثنينا صفوة المسلمين، ونواتهم المؤلفة من المهاجرين والأنصار وبعض من يمتون إليهم بسبب - لم نجد بعد ذلك من يعرف القرآن وتعاليمه إلا عددا غاية في القلة، أما العرب الذين استوطنوا أفريقيا، فقد ظلوا - حتى بعد مضي قرن من الهجرة - لا يعرفون من الإسلام أكثر من أنه دين أتى بتحريم الخمر، أما أولئك الذين استوطنوا مصر، فإنهم ما تحدثوا عن الإسلام أو شغلوا به أنفسهم قط، وكانوا لا يذكرون إلا أيام الوثنية، وعهودها الطيبة بالثناء والحنين. •••
ولما انتصر العرب على الفرس في موقعة القادسية (635م) وأخذ كل واحد نصيبه من الغنائم، بقيت نفائس أخرى وافرة لم تقسم بعد، فكتب الخليفة عمر - أمير المؤمنين حينئذ - يأمر القائد بتوزيع باقي الغنائم على من يحفظ أوفر قسط من القرآن.
Page inconnue