وحين خرج من الكنيسة لا يعلم أين يذهب، والصندوق بيده، وصوت أبيه يدور حوله، والوصية كأنها تسرد أمامه.
التفت على يساره فوجد الرجل ذا المعطف الأسود. لم يقل شيئا وقتها، اكتفى بهز رأسه له. بدأ الرجل بالحديث: هل كان صعبا أو سهلا الوصول للصندوق؟ - إن كلمة سهل قليلة، وكلمة صعب كبيرة. الصندوق كان منذ وجدنا في غزة، وسيبقى لمن يأتي من بعدنا. - وماذا فهمت من كلام الوصية، وصوت أبيك الذي يرافقنا الآن؟ - هناك عدو ولا بد أن يحارب. - هو الشيطان يا نضال. - الشيطان! إنه يريد جيشا كاملا لقتاله، واحتمال النصر ضعيف. - لا بد أن يكون احتمال النصر قويا؛ لأننا وجدنا على هذه الأرض بعد أن انتصر الشيطان على أبينا آدم، وأخرجنا من أرضنا. - مثلي لا يملك براعة في القتال، ولا يملك أسلحة، فكيف لي أن أقاتله؟ - اسمع يا نضال، لو أردت أن تقاتل بشريا تحتاج إلى قوة الأرض، كل الرصاص، كل الأرواح، لمجرد أن تفكر في معركة البشر. لكن المعركة مع الشيطان فقط تحتاج معنويات وروحا طيبة مقدسة؛ تنتصر عليه بسهولة. - الذي أفهمه، أنا الآن جاهز لأقاتل الشيطان. هل أقتله، أو ماذا أفعل معه؟ - نحن لا نقدر أن نقتل الشيطان، لكن ممكن أن نحاصره ونمنعه أن يزلزل قلوبنا بأفكار الهروب والرحيل. - متى ستبدأ معركتي مع الشيطان، حتى يبتسم أبي مني؟ - معركتنا بدأت من زمان، وهذه المعركة ليس فيها منتصر أو مهزوم، لكن تترك أثرا لمن بعدنا، أن تحاول خير من أن تبقى جليس الانتظار. - أين مكان هذه المعركة؟ - حين تكون مستعدا هو حولك، فقط أشهر أسلحتك وقل للشيطان أنا سأقاتلك. - وما هو الوقت المناسب لقتال الشيطان؟ - حين تكون جاهزا للقاء الرب وهو راض عنك. - وكيف أعرف أن الرب راض عني؟
تبخر الرجل من جانب نضال، كأنه لم يكن. حاول أن يبحث عنه، لكن لا جدوى من ذلك. أكمل سيره في الطريق، وصار جسده يتحول إلى مقاتل، وروح تنفخ غضبا، ويريد أن يقاتل.
فجأة وجد نفسه في مكان غريب، كل الأدلة تقول إنها مستعمرة الشيطان؛ المكان يشبه الرأس، تشعر نفسك محاطا بأفكار. جهاز عصبي كبير، مادة تشبه المخ. علم وقتها أنه دخل في رأسه، والشيطان يعيش داخله، وبدأت المعركة.
قريب جدا منك يا أبي
الليلة التي سبقت موعد التنفيذ الذي حدد لنضال دخول مقر الشيطان، قام الشيطان بتحريك الجيوش التي ترابط بالقرب من السياج في المكان الذي تسلل منه نضال. اجتاز نضال السياج الإلكتروني، وقد تم وسبق تجريبه في إعطاء إشارات تحذير لم تؤد إلى استنفار الشيطان، ويبدو أنه كثيرا ما أعطى إشارات تحذير ولم تؤخذ على محمل الجد.
بعد الاجتياز والوصول إلى الداخل (خلف السياج) بدأ بإطلاق النار بكثافة عالية وإلقاء القنابل اليدوية، وصار يلقي أوراقا من الكتب السماوية في فضاء الرأس.
تمركز وأطلق النار من موقع محصن. بعد اقتحامه لأحد ممرات الرأس والتحصن بداخله قام باقتناص العديد من الجنود.
سادت حالة من الإرباك والهلع في صفوف الشيطان، واستدعيت قوات كبيرة، ومعهم وحدات خاصة إلى المكان. كان أي جندي من جنود الشيطان يشم رائحة زيت المرمر يتلاشى.
حاول الشيطان اقتحام منطقة الفكر الذي تمترس فيه، جاءت شياطين طائرة قامت بعمليات إنزال. استمرت المعركة البطولية لعدة ساعات؛ حيث أصيب في هذه المعركة الكثير من الشياطين التي توسوس في رأسه بجروح بالغة جدا.
Page inconnue