حال الأباضية بعد انقراض ملك بني رستم بعد انقراض ملك بني رستم حدثت حوادث مقطعة لا انتظام لها ولكنها على كل حال تدل على أن الأباضية خصوصا بالجبل النفوسي ما زالت قوية محترمة الجانب . ومن الشواهد على ذلك أن المعز لدين الله الفاطمي رابع الخلفاء الشيعيين لما فتح مصر قائده جوهر ، صمم على اتخاذها عامة لملكه بدل المهدية . فسار إليها سنة 361 ه الموافقة سنة 971 م بجحافله مستصحبا كل نفيس من أمواله وذخائره . ولما وصل طرابلس فر منه جمع من عساكره إلى جبل نفوسة فطلبهم فلم يقدر عليهم ( 8 ). وقد قص الحكاية جماعة من المؤرخين غير الأباضية ، وقد حاول المعز قبل ذلك أن يعقد صلحا مع أبي خزر الحامي الأباضي على أن يعترف له بالإستقلال فأبى فحاربه . وبعد عناء وجهد قهر جيشه وتغلب على أتباعه فالتجأ أبو خزر إلى نفوسة الجبل وأميرهم إذ ذاك زكريا من أحفاد أبي منصور . فهل هذا إلا دليل من أقوى الأدلة على قوة شوكتهم وانتظام أمورهم وإلا فكيف يهاجم ملم من أعظم ملوك العالم في عصره ودولته في زهرة شبابها وعنفوان قوتها . إني لست ممن يقول إن التاريخ أهمل ذكرهم كلا كيف يكون هذا والعلم منتشر فيهم رجالا ونساء أكثر من جميع الأقوام المعاصرين لهم والمجاورين لديارهم . ألا ترى إلى تلك الواقعة التي مات فيها من علمائهم فقط 400 - و إنما أقول ما هو أقرب منه إلى العقل وهو أن التاريخ " وأعني به تاريخ الأباضية " لا بد وأنه دون حوادثهم بانتظام وضبط ولكن النار التي أضرمها في كتبهم المتغلبون هي التي أكلت كل مفيد منها في هذا الباب وغيره من الفنون والعلوم التي لا بد وأن لهم مؤلفات عديدة فيها.
Page 52