Le Tafsir condensé d'Ibn Kathir
مختصر تفسير ابن كثير
Maison d'édition
دار القرآن الكريم
Numéro d'édition
السابعة
Année de publication
١٤٠٢ هـ - ١٩٨١ م
Lieu d'édition
بيروت - لبنان
Genres
(تابع ... ١): ٩٩ - وَلَقَدْ أَنْزَلْنَآ إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَآ إِلاَّ الفاسقون ... ...
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ مُوسَى ﵇ حَيْثُ قَالَ: ﴿إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ﴾ أَيْ ابْتِلَاؤُكَ وَاخْتِبَارُكَ وامتحانك، وَقَدِ اسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى تَكْفِيرِ من تعلم السحر واستشهد له بالحديث الصحيح: «مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ سَاحِرًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ ﷺ» (رواه البزار بسند صحيح) وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ﴾ أَيْ فَيَتَعَلَّمُ النَّاسُ مِنْ هَارُوتَ وَمَارُوتَ مِنْ عِلْمِ السِّحْرِ، مَا يَتَصَرَّفُونَ به فيما يتصرفون مِنَ الْأَفَاعِيلُ الْمَذْمُومَةِ، مَا إِنَّهُمْ لَيُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ مَعَ مَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْخُلْطَةِ وَالِائْتِلَافِ، وَهَذَا مِنْ صَنِيعِ الشَّيَاطِينِ كَمَا رَوَاهُ مسلم في صحيحه عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "إِنِ الشَّيْطَانَ لَيَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ فِي النَّاسِ فَأَقْرَبُهُمْ عِنْدَهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ عِنْدَهُ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا زِلْتُ بِفُلَانٍ حَتَّى تَرَكْتُهُ وَهُوَ يَقُولُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ إِبْلِيسُ: لَا وَاللَّهِ مَا صَنَعْتَ شَيْئًا! وَيَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِهِ، قَالَ: فَيُقَرِّبُهُ وَيُدْنِيهِ ويلتزمه ويقول: نعم أنت (رواه مسلم عن جابر بن عبد الله) " وسبب التفريق بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ بِالسِّحْرِ مَا يُخَيَّلُ إِلَى الرَّجُلِ أَوِ الْمَرْأَةِ مِنَ الْآخَرِ مِنْ سُوءِ مَنْظَرٍ أو خلق أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْبَابِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْفُرْقَةِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: إلا بقضاء الله، وقال الحسن البصري: مَنْ شَاءَ اللَّهُ سَلَّطَهُمْ عَلَيْهِ وَمَنْ لَمْ يشأ الله لم يسلط، ولا يستطيعون من أحد إلا بإذن الله وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ﴾ أَيْ يَضُرُّهُمْ فِي دِينِهِمْ وَلَيْسَ لَهُ نَفْعٌ يُوَازِي ضَرَرُهُ ﴿وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ﴾ أَيْ وَلَقَدْ عَلِمَ الْيَهُودُ الَّذِينَ اسْتَبْدَلُوا بِالسِّحْرِ عَنْ مُتَابَعَةِ الرَّسُولِ ﷺ لَمَنْ فَعَلَ فِعْلَهُمْ ذَلِكَ، أَنَّهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ من خلاق، قال ابن عباس من نصيب، ﴿وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ﴿وَلَبِئْسَ﴾ الْبَدِيلُ مَا اسْتَبْدَلُوا بِهِ مِنَ السِّحْرِ عِوَضًا عَنِ الْإِيمَانِ وَمُتَابَعَةِ الرسول، لَوْ كَانَ لَهُمْ عِلْمٌ بِمَا وُعِظُوا بِهِ ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ﴾ أَيْ وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَاتَّقَوُا الْمَحَارِمَ، لَكَانَ مَثُوبَةُ اللَّهِ عَلَى ذَلِكَ خَيْرًا لَهُمْ مِمَّا اسْتَخَارُوا لِأَنْفُسِهِمْ وَرَضُوا بِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلاَ يلقَّاها إِلاَّ الصابرون﴾.
وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا﴾ مَنْ ذَهَبَ إِلَى تَكْفِيرِ السَّاحِرِ، كَمَا هُوَ رواية عن الإمام أحمد ابن حَنْبَلٍ وَطَائِفَةٍ مِنَ السَّلَفِ، وَقِيلَ: بَلْ لَا يَكْفُرُ وَلَكِنْ حَدُّهُ ضَرْبُ عُنُقِهِ، لِمَا رَوَاهُ الشافعي وأحمد بن حنبل عن
1 / 98