Le Tafsir condensé d'Ibn Kathir
مختصر تفسير ابن كثير
Maison d'édition
دار القرآن الكريم
Numéro d'édition
السابعة
Année de publication
1402 AH
Lieu d'édition
بيروت
Genres
Tafsir
مَا جَاءَهُمْ بِهِ الرَّسُولُ، وَوَضَحَ لَهُمُ الْأَمْرُ ثُمَّ ارْتَدُّوا إِلَى ظُلْمَةِ الشِّرْكِ، فَكَيْفَ يَسْتَحِقُّ هَؤُلَاءِ الْهِدَايَةَ بَعْدَ مَا تَلَبَّسُوا بِهِ مِنَ العماية؟ ولهذا قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾. ثُمَّ قَالَ تعالى: ﴿أُولَئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ أَيْ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمْ خَلْقُهُ، ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ أَيْ فِي اللَّعْنَةِ، ﴿لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ﴾ أَيْ لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ الْعَذَابُ وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ سَاعَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ﴿إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ وَهَذَا مِنْ لُطْفِهِ وَبِرِّهِ وَرَأْفَتِهِ وَرَحْمَتِهِ وعائدته على خلقه، أن مَنْ تَابَ إِلَيْهِ تَابَ عَلَيْهِ.
- ٩٠ - إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ
- ٩١ - إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ من ناصرين
يبين تعالى متوعدًا ومهددًا لم كَفَرَ بَعْدَ إِيمَانِهِ ثُمَّ ازْدَادَ كُفْرًا أَيِ استمر عليه إلى الممات، ومخبرًا بأنهم لن تقبل لهم توبة عند الممات، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الموت﴾ الآية. ولهذا قال ههنا: ﴿لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ﴾ أَيِ الْخَارِجُونَ عَنِ الْمَنْهَجِ الْحَقِّ إِلَى طَرِيقِ الْغَيِّ، قال الحافظ أبو بكر البزار عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ قَوْمًا أَسْلَمُوا ثمَّ ارْتَدُّوا، ثُمَّ أَسْلَمُوا، ثُمَّ ارْتَدُّوا فَأَرْسَلُوا إِلَى قَوْمِهِمْ يَسْأَلُونَ لَهُمْ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَنَزَلَتْ هذه الآية: ﴿وإن الَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ توبتهم﴾ (أخرجه البزار، قال ابن كثير: إسناده جيد) ثم قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كفار فن تُقبل مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ﴾، أَيْ مَنْ مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ خَيْرٌ أَبَدًا، وَلَوْ كَانَ قَدْ أَنْفَقَ مِلْءَ الْأَرْضِ ذَهَبَا فِيمَا يَرَاهُ قُرْبَةً، كَمَا سُئِلَ النَّبِيُّ ﷺ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ - وَكَانَ يُقْرِي الضَّيْفَ وَيَفُكُّ الْعَانِي وَيُطْعِمُ الطَّعَامَ - هَلْ يَنْفَعُهُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: "لَا! إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ: رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ" وَكَذَلِكَ لَوِ افْتَدَى بِمِلْءِ الْأَرْضِ أَيْضًا ذَهَبًا مَا قُبِلَ مِنْهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ﴾، وقال: ﴿لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ﴾، وَقَالَ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُواْ بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾، وَلَوِ افْتَدَى نَفْسَهُ مِنَ اللَّهِ بِمِلْءِ الْأَرْضِ ذَهَبَا، بِوَزْنِ جِبَالِهَا وَتِلَالِهَا وَتُرَابِهَا وَرِمَالِهَا وَسَهْلِهَا ووعرها وبرها وبحرها. عَنْ أنَس بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: "يُقَالُ لِلرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنَ شَيْءٍ أَكُنْتَ مُفْتَدِيًا بِهِ؟ قَالَ، فَيَقُولُ: نعم، فيقول الله: قَدْ أَرَدْتُ مِنْكَ أَهْوَنَ مِنْ ذَلِكَ قَدْ أخذت عليك في ظهر أبيك آدم أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئًا فَأَبَيْتَ إِلَّا أَنْ تُشْرِكَ" (رواه البخاري ومسلم)
1 / 298