Mukhtasar Tafsir Al-Baghawi, also known as Ma'alim at-Tanzil
مختصر تفسير البغوي المسمى بمعالم التنزيل
Maison d'édition
دار السلام للنشر والتوزيع
Édition
الأولى
Année de publication
١٤١٦هـ
Lieu d'édition
الرياض
Genres
جُزْءٍ مِنْهَا ذَرَّةٌ وَلَا يَكُونُ لَهَا وَزْنٌ، وَهَذَا مَثَلٌ يُرِيدُ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ شَيْئًا كما قاله فِي آيَةٍ أُخْرَى: إِنَّ اللَّهَ لا يظلم الناس شيئا، وقيل: إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ لِلْخَصْمِ عَلَى الْخَصْمِ بَلْ أُخِذَ لَهُ مِنْهُ وَلَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ تَبْقَى لَهُ بَلْ يُثِيبُهُ عَلَيْهَا وَيُضَعِّفُهَا لَهُ، فَذَاكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا﴾ [النساء: ٤٠] قَرَأَ أَهْلُ الْحِجَازِ (حَسَنَةٌ) بِالرَّفْعِ، أَيْ وَإِنْ تُوجَدُ حَسَنَةٌ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالنَّصْبِ عَلَى مَعْنَى: وَإِنْ تَكُ زِنَةُ الذَّرَّةِ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا، أَيْ: يَجْعَلُهَا أَضْعَافًا كَثِيرَةً. ﴿وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [النِّسَاءِ: ٤٠] قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ ﵁: إِذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَجْرًا عَظِيمًا فَمَنْ يُقَدِّرُ قَدْرَهُ؟ .
[٤١]، قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ﴾ [النِّسَاءِ: ٤١] أَيْ: فَكَيْفَ الْحَالُ وَكَيْفَ يَصْنَعُونَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ، يَعْنِي: بِنَبِيِّهَا يَشْهَدُ عَلَيْهِمْ بما عملوا، ﴿وَجِئْنَا بِكَ﴾ [النساء: ٤١] يَا مُحَمَّدُ، ﴿عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا﴾ [النساء: ٤١] شاهدا يشهد على جميع الأمة على مَنْ رَآهُ وَمَنْ لَمْ يَرَهُ.
[٤٢]، قوله ﷿: ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ [النساء: ٤٢] يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ﴿يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ﴾ [النساء: ٤٢] قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَابْنُ عَامِرٍ (تَسَّوَّى) بِفَتْحِ التَّاءِ وَتَشْدِيدِ السِّينِ عَلَى مَعْنَى تَتَسَوَّى، فَأُدْغِمَتِ التَّاءُ الثَّانِيَةُ فِي السِّينِ، وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِفَتْحِ التَّاءِ وَتَخْفِيفِ السِّينِ عَلَى حَذْفِ تَاءِ التَّفَعُّلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾ [هود: ١٠٥] وقرأ الآخرون بِضَمِّ التَّاءِ وَتَخْفِيفِ السِّينِ عَلَى الْمَجْهُولِ، أَيْ: لَوْ سُوِّيَتْ بِهِمُ الْأَرْضُ وَصَارُوا هُمْ وَالْأَرْضُ شَيْئًا واحدا. قال قَتَادَةُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ: يَعْنِي لَوْ تَخَرَّقَتِ الْأَرْضُ فَسَاخُوا فِيهَا وَعَادُوا إليها كما خرجوا منها ثُمَّ تُسَوَّى بِهِمْ، أَيْ: عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ، وَقِيلَ: وَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ لَمْ يُبْعَثُوا لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا نُقِلُوا مِنَ التُّرَابِ، وَكَانَتِ الْأَرْضُ مُسْتَوِيَةً عَلَيْهِمْ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: يَقُولُ اللَّهُ ﷿ للبهائم والوحوش والطيور والسباع: كونوا ترابا فتسوى بهم الْأَرْضُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَتَمَنَّى الْكَافِرُ أَنْ لَوْ كَانَ تُرَابًا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا﴾ [النَّبَإِ: ٤٠] ﴿وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا﴾ [النساء: ٤٢] قَالَ عَطَاءٌ: وَدُّوا لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا كَتَمُوا أَمْرَ مُحَمَّدٍ ﷺ وَلَا نَعْتَهُ. وَقَالَ الْآخَرُونَ: بَلْ هُوَ كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ، يَعْنِي: وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا لأن ما عملوه لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ وَلَا يَقْدِرُونَ عَلَى كِتْمَانِهِ- وَقَالَ الْكَلْبِيُّ وَجَمَاعَةٌ: (وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا) لأن جوارحهم تشهد عليهم.
[٤٣] قَوْلُهُ ﷿: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى﴾ [النساء: ٤٣] الْآيَةَ، وَالْمُرَادُ مِنَ السُّكْرِ: السُّكْرُ مِنَ الْخَمْرِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ، وَذَلِكَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ ﵁ صَنَعَ طَعَامًا وَدَعَا نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ وَأَتَاهُمْ بِخَمْرٍ فَشَرِبُوهَا قَبْلَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ وَسَكِرُوا فَحَضَرَتْ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ فَقَدَّمُوا رَجُلًا لِيُصَلِّيَ بِهِمْ فَقَرَأَ ﴿قُلْ يا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾ [الْكَافِرُونَ: ١] أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ، بِحَذْفِ (لَا) هَكَذَا إِلَى آخَرِ السُّورَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، وكانوا بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ يَجْتَنِبُونَ السكر أوقات الصلاة حَتَّى نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ بْنُ مُزَاحِمٍ: أَرَادَ بِهِ سُكْرَ النَّوْمِ، نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ عند غلبة النوم، ﴿حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا﴾ [النساء: ٤٣] نَصْبٌ عَلَى الْحَالِ، يَعْنِي: وَلَا تقربوا الصلاة جُنُبٌ، يُقَالُ: رَجُلٌ جُنُبٌ وَامْرَأَةٌ جُنُبٌ، وَرِجَالٌ جُنُبٌ وَنِسَاءٌ جُنُبٌ، وأصل الجنب: الْبُعْدُ، وَسُمِّيَ جُنُبًا لِأَنَّهُ يَتَجَنَّبُ مَوْضِعَ الصَّلَاةِ، أَوْ لِمُجَانَبَتِهِ النَّاسَ وَبُعْدِهِ مِنْهُمْ، حَتَّى يَغْتَسِلَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا﴾ [النساء: ٤٣] واختلفوا فِي مَعْنَاهُ فَقَالُوا: إِلَّا أَنْ تكونوا مسافرين ولا تجدوا الْمَاءَ فَتَيَمَّمُوا، مَنَعَ الْجُنُبَ مِنَ الصَّلَاةِ حَتَّى يَغْتَسِلَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي سَفَرٍ وَلَا يَجِدُ مَاءً فَيُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ، وَهَذَا قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٍ رَضِيَ اللَّهُ
1 / 181