148

Mukhtasar Tafsir Al-Baghawi, also known as Ma'alim at-Tanzil

مختصر تفسير البغوي المسمى بمعالم التنزيل

Maison d'édition

دار السلام للنشر والتوزيع

Numéro d'édition

الأولى

Année de publication

١٤١٦هـ

Lieu d'édition

الرياض

Genres

انْصَرَفُوا عَنْ أُحُدٍ وَكَانُوا ثَلَاثَمِائَةٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ﴾ [آل عمران: ١٦٧] أَيْ: إِلَى الْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ ﴿مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: ١٦٧] أَيْ: إِلَى الْإِيمَانِ، ﴿يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٦٧] يَعْنِي: كَلِمَةَ الْإِيمَانِ ﴿مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ﴾ [آل عمران: ١٦٧]
[١٦٨] ﴿الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٦٨] فِي النَّسَبِ لَا فِي الدِّينِ وهم شهداء أحد ﴿وَقَعَدُوا﴾ [آل عمران: ١٦٨] يَعْنِي: قَعَدَ هَؤُلَاءِ الْقَائِلُونَ عَنِ الجهاد ﴿لَوْ أَطَاعُونَا﴾ [آل عمران: ١٦٨] وَانْصَرَفُوا عَنْ مُحَمَّدٍ ﷺ وَقَعَدُوا فِي بُيُوتِهِمْ ﴿مَا قُتِلُوا قُلْ﴾ [آل عمران: ١٦٨] لهم يا محمد، ﴿فَادْرَءُوا﴾ [آل عمران: ١٦٨] فَادْفَعُوا، ﴿عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [آل عمران: ١٦٨] أن الحذر يُغْنِي عَنِ الْقَدَرِ.
[١٦٩] قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا﴾ [آل عمران: ١٦٩] الْآيَةَ، قِيلَ: نَزَلَتْ فِي شُهَدَاءِ بَدْرٍ وَكَانُوا أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا ثَمَانِيَةً مِنَ الْأَنْصَارِ وَسِتَّةً مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَقَالَ الْآخَرُونَ: نَزَلَتْ فِي شُهَدَاءِ أُحُدٍ وَكَانُوا سَبْعِينَ رَجُلًا، وَقَالَ قَوْمٌ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ لمحي شهداء بئر معونة، وَقِيلَ: إِنَّ أَوْلِيَاءَ الشُّهَدَاءَ كَانُوا أَصَابَتْهُمْ نِعْمَةٌ تَحَسَّرُوا عَلَى الشُّهَدَاءِ، وَقَالُوا: نَحْنُ فِي النِّعْمَةِ وَآبَاؤُنَا وَأَبْنَاؤُنَا وَإِخْوَانُنَا فِي الْقُبُورِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى تَنْفِيسًا عَنْهُمْ وَإِخْبَارًا عَنْ حَالِ قَتْلَاهُمْ: (وَلَا تَحْسَبَنَّ) وَلَا تَظُنَّنَّ (الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ (قُتِّلُوا) بِالتَّشْدِيدِ، وَالْآخَرُونَ بِالتَّخْفِيفِ (أَمْوَاتًا) كَأَمْوَاتِ مَنْ لَمْ يُقْتَلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴿بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ [آل عمران: ١٦٩] قِيلَ: أَحْيَاءٌ فِي الدِّينِ، وَقِيلَ: فِي الذِّكْرِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُمْ يُرْزَقُونَ وَيَأْكُلُونَ وَيَتَمَتَّعُونَ كَالْأَحْيَاءِ، وَقِيلَ: لِأَنَّ أَرْوَاحَهُمْ تَرْكَعُ وَتَسْجُدُ كُلَّ لَيْلَةٍ تَحْتَ الْعَرْشِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَقِيلَ: لِأَنَّ الشَّهِيدَ لَا يَبْلَى فِي الْقَبْرِ، وَلَا تَأْكُلُهُ الْأَرْضُ، ﴿يُرْزَقُونَ﴾ [آل عمران: ١٦٩] مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ وَتُحَفِهَا.
[١٧٠] ﴿فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [آل عمران: ١٧٠] رزقه وثوابه، ﴿وَيَسْتَبْشِرُونَ﴾ [آل عمران: ١٧٠] وَيَفْرَحُونَ، ﴿بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٧٠] مِنْ إِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ تَرَكُوهُمْ أَحْيَاءً فِي الدُّنْيَا عَلَى مَنَاهِجِ الْإِيمَانِ وَالْجِهَادِ لِعِلْمِهِمْ أَنَّهُمْ إِذَا اسْتُشْهِدُوا وَلَحِقُوا بِهِمْ وَنَالُوا مِنَ الْكَرَامَةِ مَا نَالُوا، فَهُمْ لِذَلِكَ مُسْتَبْشِرُونَ، ﴿أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [آل عمران: ١٧٠]
[١٧١] ﴿يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ﴾ [آل عمران: ١٧١] أَيْ: وَبِأَنَّ اللَّهَ، وَقَرَأَ الْكِسَائِيُّ بِكَسْرِ الْأَلْفِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، ﴿لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: ١٧١]
[١٧٢] قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [آل عمران: ١٧٢] أَيْ أَجَابُوا، وَمَحَلُّ (الَّذِينَ) خَفْضٌ عَلَى صِفَةِ الْمُؤْمِنِينَ تَقْدِيرُهُ: إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ المستجيبين الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ، ﴿مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ﴾ [آل عمران: ١٧٢] أي: نالهم الجرح في أحد، وَتَمَّ الْكَلَامُ هَاهُنَا ثُمَّ ابْتَدَأَ فقال: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ﴾ [آل عمران: ١٧٢] بِطَاعَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَإِجَابَتِهِ إِلَى

1 / 156