Les éclairs envoyés sur les Jahmites et ceux qui nient les attributs divins
مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة
Chercheur
سيد إبراهيم
Maison d'édition
دار الحديث
Numéro d'édition
الأولى
Année de publication
١٤٢٢ هـ - ٢٠٠١ م
Lieu d'édition
القاهرة - مصر
Genres
وَأَمَّا الْيَوْمُ الْآخِرُ فَإِنَّ جُمْهُورَهُمْ بَنَوْهُ عَلَى إِثْبَاتِ الْجَوْهَرِ الْفَرْدِ، قَالُوا: لَا يُنَافِي التَّصْدِيقَ بِالْمَعَادِ إِلَّا بِإِثْبَاتِهِ، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ، وَالْمُثْبِتُونَ لَهُ يَعْتَرِفُونَ أَنَّ الْقَوْلَ بِهِ فِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ وَأَدِلَّتُهُ مُتَعَارِضَةٌ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ لَهُ قَوْلَانِ فِي إِثْبَاتِهِ وَنَفْيِهِ، وَسَلَكُوا فِي تَقْرِيرِ الْمَعَادِ مَا خَالَفُوا فِيهِ جُمْهُورَ الْعُقَلَاءِ، وَلَمْ يُوَافِقُوا مَا جَاءَتْ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَعْدَمُ أَجْزَاءَ الْعَالَمِ كُلَّهَا حَتَّى تَصِيرَ عَدَمًا مَحْضًا، ثُمَّ يُعِيدُ الْمَعْدُومَ وَيَقْلِبُهُ مَوْجُودًا حَتَّى إِنَّهُ يُعِيدُ زَمَنَهُ بِعَيْنِهِ وَيُنْشِئُهُ، لَا مِنْ مَادَّةٍ، كَمَا قَالُوا فِي الْمَبْدَأِ، فَجَنَوْا عَلَى الْعَقْلِ وَالشَّرْعِ وَأَغْرَوْا أَعْدَاءَ الشَّرْعِ بِهِ، وَحَالُوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ تَصْدِيقِ الرُّسُلِ.
وَأَمَّا الْمَبْدَأُ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ مُعَطَّلًا فِي الْأَوَّلِ، وَالْفِعْلُ غَيْرُ مُمْكِنٍ، مَعَ قَوْلِهِمْ: كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ، ثُمَّ صَارَ فَاعِلًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ فَاعِلًا، مِنْ غَيْرِ تَجَدُّدِ أَمْرٍ أَصْلًا، وَانْقَلَبَ الْفِعْلُ مِنَ الِامْتِنَاعِ الذَّاتِيِّ إِلَى الْإِمْكَانِ الذَّاتِيِّ، وَذَاتُ الْفَاعِلِ قَبْلَ الْفِعْلِ وَمَعَ الْفِعْلِ وَبَعْدَ الْفِعْلِ وَاحِدَةٌ.
فَهَذَا غَايَةُ عُقُولِهِمُ الَّتِي عَارَضُوا بِهَا الْوَحْيَ، وَهَذِهِ طُرُقُهُمُ الْعَقْلِيَّةُ الَّتِي لَمْ يُثْبِتُوا بِهَا رَبًّا وَلَا رِسَالَةً، وَلَا مَبْدَأً وَلَا مَعَادًا.
[معارضة الوحي بالعقل]
الْوَجْهُ الْحَادِي وَالثَلَاثُونَ: أَنَّ مُعَارَضَةَ الْوَحْيِ بِالْعَقْلِ مِيرَاثٌ عَنِ الشَّيْخِ أَبِي مُرَّةَ، فَهُوَ أَمَلُ مَنْ عَارَضَ السَّمْعَ بِالْعَقْلِ وَقَدَّمَهُ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمَّا أَمَرَهُ بِالسُّجُودِ لِآدَمَ عَارَضَ أَمْرَهُ بِقِيَاسٍ عَقْلِيٍّ مُرَكَّبٍ مِنْ مُقَدِّمَتَيْنِ جُمْلَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا: قَوْلُهُ: ﴿أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ﴾ [الأعراف: ١٢] فَهَذِهِ هِيَ الصُّغْرَى، وَالْكُبْرَى مَحْذُوفَةٌ تَقْدِيرُهَا: وَالْفَاضِلُ لَا يَسْجُدُ لِلْمَفْضُولِ، وَذَلِكَ سَنَدُ الْمُقَدِّمَةِ الْأُولَى، وَهُوَ أَيْضًا قِيَاسٌ حَمْلِيٌّ حُذِفَ إِحْدَى مُقَدِّمَتَيْهِ فَقَالَ: ﴿خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾ [الأعراف: ١٢] الْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ كُلُّهَا مَعْلُومَةٌ، أَيْ: وَمَنْ خُلِقَ مِنْ نَارٍ خَيْرٌ مِمَّنْ خُلِقَ مِنْ طِينٍ، فَهُمَا قِيَاسَانِ مُتَدَاخِلَانِ، وَهَذِهِ يُسَمِّيهَا الْمَنْطِقِيُّونَ الْأَقْيِسَةَ الْمُتَدَاخِلَةَ، فَالْقِيَاسُ الْأَوَّلُ هَكَذَا: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ، وَخَيْرُ الْمَخْلُوقِينَ لَا يَسْجُدُ لِمَنْ هُوَ دُونَهُ، وَهَذَا مِنَ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ، وَالْقِيَاسُ الثَّانِي هَكَذَا: خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ، وَالْمَخْلُوقُ مِنَ النَّارِ خَيْرٌ مِنَ الْمَخْلُوقِ مِنَ الطِّينِ، فَنَتِيجَةُ هَذَا الْقِيَاسِ الْعَقْلِيِّ: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ، وَنَتِيجَةُ الْأَوَّلِ: فَلَا يَنْبَغِي أَنْ أَسْجُدَ لَهُ، وَأَنْتَ إِذَا تَأَمَّلْتَ مَادَّةَ هَذَا الْقِيَاسِ وَصُورَتَهُ رَأَيْتَهُ أَقْوَى مِنْ كَثِيرٍ مِنْ قِيَاسَاتِهِمُ الَّتِي عَارَضُوا بِهَا الْوَحْيَ، وَالْكُلُّ بَاطِلٌ.
1 / 156