Les éclairs envoyés sur les Jahmites et ceux qui nient les attributs divins
مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة
Chercheur
سيد إبراهيم
Maison d'édition
دار الحديث
Numéro d'édition
الأولى
Année de publication
١٤٢٢ هـ - ٢٠٠١ م
Lieu d'édition
القاهرة - مصر
Genres
فَإِنْ قُلْتَ: هَذَا يُقَالُ لِي، وَإِنَّمَا يُقَالُ لِمَنْ أَثْبَتَ شَيْئًا مِنَ الصِّفَاتِ، فَأَمَّا أَنَا فَلَا أُثْبِتُ لَهُ صِفَةً وَاحِدَةً فِرَارًا مِنَ التَّرْكِيبِ، قِيلَ لَكَ: الْعَقْلُ لَمْ يَدُلَّ عَلَى نَفْيِ الْمَعْنَى الَّذِي سَمَّيْتَهُ أَنْتَ مُرَكَّبًا، وَقَدْ دَلَّ الْوَحْيُ وَالْعَقْلُ وَالْفِطْرَةُ عَلَى ثُبُوتِهِ، أَفَتَنْفِيهِ لِمُجَرَّدِ تَسْمِيَتِكَ الْبَاطِلَةِ؟ فَإِنَّ التَّرْكِيبَ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ خَمْسَةُ مَعَانٍ: تَرْكِيبُ الذَّاتِ مِنَ الْوُجُودِ وَالْمَاهِيَّةِ عِنْدَ مَنْ يَجْعَلُ وُجُودَهَا زَائِدًا عَلَى مَاهِيَّتِهَا، فَإِذَا نَفَيْتَ هَذَا التَّرْكِيبَ جَعَلْتَهُ وُجُودًا مُطْلَقًا، إِنَّمَا هُوَ فِي الْأَذْهَانِ لَا وُجُودَ لَهُ فِي الْأَعْيَانِ، الثَّانِي: تَرْكِيبُ الْمَاهِيَّةِ مِنَ الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ، فَإِذَا نَفَيْتَ هَذَا التَّرْكِيبَ جَعَلْتَهُ ذَاتًا مُجَرَّدَةً عَنْ كُلِّ وَصْفٍ، لَا يُبْصِرُ وَلَا يَسْمَعُ وَلَا يَعْلَمُ وَلَا يَقْدِرُ وَلَا يُرِيدُ وَلَا حَيَاةَ لَهُ وَلَا مَشِيئَةَ وَلَا وَصْفَةَ أَصْلًا، فَكُلُّ ذَاتٍ فِي الْمَخْلُوقَاتِ خَيْرٌ مِنْ هَذِهِ الذَّاتِ، فَاسْتَفَدْتَ بِهَذَا التَّرْكِيبِ كُفْرَكَ بِاللَّهِ وَجَحْدَكَ لِذَاتِهِ وَلِصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ، الثَّالِثُ: تَرْكِيبُ الْمَاهِيَّةِ الْجِسْمِيَّةِ مِنَ الْهُيُولَى وَالصُّورَةِ كَمَا يَقُولُهُ الْفَلَاسِفَةُ، الرَّابِعُ: التَّرْكِيبُ مِنَ الْجَوَاهِرِ الْفَرْدَةِ كَمَا يَقُولُهُ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ، الْخَامِسُ: تَرْكِيبُ الْمَاهِيَّةِ مِنْ أَجْزَاءٍ كَانَتْ مُتَفَرِّقَةً فَاجْتَمَعَتْ وَتَرَكَّبَتْ.
فَإِنْ أَرَدْتَ بِقَوْلِكَ: لَوْ كَانَ فَوْقَ الْعَرْشِ لَكَانَ مُرَكَّبًا، كَمَا يَدَّعِيهِ الْفَلَاسِفَةُ وَالْمُتَكَلِّمُونَ، قِيلَ لَكَ: جُمْهُورُ الْعُقَلَاءِ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْأَجْسَادَ الْمُحْدَثَةَ الْمَخْلُوقَةَ لَيْسَتْ مُرَكَّبَةً، لَا مِنْ هَذَا وَلَا مِنْ هَذَا، فَلَوْ كَانَ فَوْقَ الْعَرْشِ جِسْمٌ مَخْلُوقٌ أَوْ حَدَثٌ لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ مُرَكَّبًا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، فَكَيْفَ يَلْزَمُ ذَلِكَ فِي حَقِّ خَالِقِ الْفَرْدِ وَالْمُرَكَّبِ، الَّذِي يَجْمَعُ الْمُتَفَرِّقَ وَيُفَرِّقُ الْمُجْتَمِعَ، وَيُؤَلِّفُ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ فَيُرَكِّبُهَا كَمَا يَشَاءُ ; وَالْعَقْلُ لَمَّا دَلَّ عَلَى إِثْبَاتِ إِلَهٍ وَاحِدٍ وَرَبٍّ وَاحِدٍ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَلَا شَبِيهَ لَهُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَدُلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الرَّبَّ الْوَاحِدَ لَا اسْمَ لَهُ وَلَا صِفَةَ، وَلَا وَجْهَ، وَلَا يَدَيْنِ، وَلَا هُوَ فَوْقَ خَلْقِهِ، وَلَا يَصْعَدُ إِلَيْهِ شَيْءٌ، وَلَا يَنْزِلُ مِنْهُ شَيْءٌ، فَدَعْوَى ذَلِكَ عَلَى الْعَقْلِ كَذِبٌ صَرِيحٌ عَلَى الْوَحْيِ.
[الجهة والفوقية والعلو نفيها عنه سبحانه تعطيل]
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ: نُنَزِّهُهُ عَنِ الْجِهَةِ، وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ جِهَةٍ وُجُودِيةٍ تُحِيطُ بِهِ وَتَحْوِيهِ وَتَحْصُرُهُ إِحَاطَةَ الظُّرُوفِ بِالْمَظْرُوفِ فَنَعَمْ، هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ وَأَكْثَرُ وَأَعْلَى، وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ فَوْقَ عَرْشِهِ هَذَا الْمَعْنَى، وَإِنْ أَرَدْتُمْ بِالْجِهَةِ أَمْرًا يُوجِبُ مُبَايَنَةَ الْخَالِقِ لِلْمَخْلُوقِ وَعُلُوَّهُ عَلَى خَلْقِهِ وَاسْتِوَاءَهُ عَلَى عَرْشِهِ فَنَفْيُكُمْ لِهَذَا الْمَعْنَى بَاطِلٌ، وَتَسْمِيَتُهُ جِهَةً اصْطِلَاحٌ مِنْكُمْ تَوَسَّلْتُمْ بِهِ إِلَى نَفْيِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْعَقْلُ وَالنَّقْلُ وَالْفِطْرَةُ، وَسَمَّيْتُمْ مَا فَوْقَ الْعَالَمِ جِهَةً وَقُلْتُمْ: مُنَزَّهٌ عَنِ الْجِهَاتِ، وَسَمَّيْتُمُ الْعَرْشَ حَيِّزًا وَقُلْتُمْ: لَيْسَ بِمُتَحَيِّزٍ.
1 / 142