Mukhtasar Ma'arij al-Qubool
مختصر معارج القبول
Maison d'édition
مكتبة الكوثر
Numéro d'édition
الخامسة
Année de publication
١٤١٨ هـ
Lieu d'édition
الرياض
Genres
بمداناته المرض وَالْمُبْتَلِينَ وَتَرْكِهِ فِعْلَ الْأَسْبَابِ فَكَمَا لَا يَكُونُ الْمُرْتَابُ مُتَوَكِّلًا بِمُجَرَّدِ تَرْكِهِ الْأَسْبَابَ كَذَلِكَ لَا يَكُونُ الْمُوَحِّدُ تَارِكًا التَّوَكُّلَ أَوْ نَاقِصَهُ بِمُجَرَّدِ فِعْلِ الْأَسْبَابِ النَّافِعَةِ وَتَوَقِّي الْمَضَرَّةِ وَحِرْصِهِ عَلَى ما ينفعه.
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ نَهْيُهُ ﷺ عَنِ الْقُدُومِ عَلَى الْبِلَادِ الَّتِي بِهَا الطاعون وعن الخروج فِرَارًا مِنْهُ فَإِنَّ فِي الْقُدُومِ عَلَيْهِ تَعَرُّضًا لِلْبَلَاءِ، وَإِلْقَاءً بِالْأَيْدِي إِلَى التَّهْلُكَةِ وَتَسَبُّبًا لِلْأُمُورِ الَّتِي أَجْرَى اللَّهُ تَعَالَى الْعَادَةَ بِمَضَرَّتِهَا، وَفِي الفرار منه تسخط على قضاء الله ﷿ وارتياب فِي قَدَرِهِ وَسُوءَ ظَنٍّ بِاللَّهِ ﷿ فَأَيْنَ الْمَهْرَبُ مِنَ اللَّهِ وَإِلَى أَيْنَ الْمَفَرُّ، لا ملجأ من الله إلا إليه، ففي الصحيحين عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ﵁ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يقول: (إذا سمعتم به - أي: الطاعون - بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وأنتم بها فلا تخرجوا فرارًا منه)، وَقَوْلُهُ ﷺ: (فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ) تَقْيِيدً لِلنَّهْيِ بِخُرُوجٍ لِقَصْدِ الْفِرَارِ فَلَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَنْ خَرَجَ لِحَاجَتِهِ اللَّازِمَةِ، كَمَا قَيَّدَ ﷺ الشَّهَادَةَ بِهِ لِلْمَاكِثِ بِبَلَدِهِ بِمَا إِذَا كَانَ صَابِرًا مُحْتَسِبًا صَحِيحَ الْيَقِينِ ثَابِتَ الْعَزِيمَةِ قَوِيَ التَّوَكُّلِ مُسْتَسْلِمًا لِقَضَاءِ اللَّهِ ﷿ كَمَا في صحيح البخاري عن عائشة ﵂ أَنَّهَا سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عن الطاعون فأخبرها أَنَّهُ: (كَانَ عَذَابًا يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يشاء، فجعله رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، فَلَيْسَ مِنْ عَبْدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِرًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَنْ يصيبه إلا ما كتب الله كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الشَّهِيدِ) .
فَخَرَجَ بِهَذِهِ الْأَوْصَافِ مَنْ مَكَثَ فِي أَرْضِهِ مَعَ نُقْصَانِ تَوَكُّلِهِ وَضَعْفِ يَقِينِهِ، فَلَيْسَ لَهُ هَذِهِ الْفَضِيلَةَ، وَمَعَ هَذَا فَلَا يَحِلُّ لَهُ الْفِرَارُ مِنْهُ لِعُمُومِ النَّهْيِ، وَلَهُ أَجْرُهُ عَلَى امْتِثَالِ الشَّرْعِ بِحَسَبِ نِيَّتِهِ وَقُوَّةِ إِيمَانِهِ، وَإِنْ خَرَجَ فِرَارًا مِنْهُ فَهِيَ مَعْصِيَةٌ أَضَافَهَا إِلَى ارْتِيَابِهِ وَضَعْفِ يَقِينِهِ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ حَدِيثُ أنس في صحيح البخاري: (الطَّاعُونُ شَهَادَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ)، فَإِنَّ مَفْهُومَ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ أَنَّ مَنْ لَمْ يَتَّصِفْ بِالصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ لَا يَكُونُ شَهِيدًا وَذَلِكَ
1 / 298