Résumé du Livre d'Al-Muhadhar
مختصر كتاب الأم
Maison d'édition
دار الأرقم بن أبي الأرقم
Lieu d'édition
بيروت
Genres
مختصَر
كِتَابُ الأَمْرِ فِي الفِقْه
للإمام الشافعي أبي عبد الله محمد بن إدريس
١٥٠ - ٢٠٤ هجرية
اختصار وتحقيق وتعليق
حسين عبد الحميد شل
من علماء الأزهر الشريف
Page inconnue
مختصر
كتاب الأم في الفقه
Page inconnue
كافّة حقوق الطّبْع وَالصَّف وَالإِخْرَاجِ
محفوظَة لـ :
دَارِ الأرْقَم بِنْ أبي الأرقم
للطّبَاعَة وَالنَّشر وَالتوزيع
بيروت - لبنان
Page inconnue
دَارِ الأرقم بن أبي الأرقم للطّبَاعَة وَالنَّشر وَالتوزيع
هاتف : ٨٣٤٩٧٣/٤ - ص.ب: ١٣٦٠٩٩
فاكس ٦.٣٠١٣ كود بيروت ٠٠٩٦١١
Page inconnue
مقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف خلق الله سيدنا محمد صلوات الله وسلامه عليه. الحمد لله الذي فضل العلماء بكتاب الله وسنة رسوله ﷺ والعلوم التي تخدم الإسلام والمسلمين وتعمل على نهضتهم ورفع شأنهم. قال الله تعالى ﴿إنما يخشى الله من عباده العلماء﴾(١) وإنني إذ أقدم للمكتبة الإسلامية هذا الكتاب [مختصر كتاب الأم] للإمام الشافعي فإني مُؤمِلٌ من الله تعالى أن يجعل هذا الكتاب مفيداً لكل طالب وقارىء فإني أحمد الله سبحانه وتعالى وأسجد له شاكراً على أنه أعانني على إختصار كتاب الأم ولقد كلفني الأستاذ والأخ الفاضل أحمد أكرم الطباع صاحب ومدير دار القلم ببيروت لبنان بإختصار هذا الكتاب وتحقيقه والتعليق عليه وإنني إذ أوجه شكري ودعواتي الخالصة إلى صاحب دار القلم لإهتمامه بنشر التراث الإسلامي لأمهات الكتب في ثوبها الجديد من التحقيق والتعليق.
وإنني إذ أتوجه إلى الله العلي القدير أن يتقبل هذا العمل الكريم وأن ينفعنا به آمين وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
حسين عبد الحميد أبو ناصر نيل
(١) الآية رقم ٢٨ من سورة فاطر.
5
مختصَر
كِتَابُ الأُمِّ فِي الفِقْه
للإمام الشافعي أبي عبد الله محمد بن إدريس
اختصار وتحقيق وتعليق
الجزء الأول
6
ترجمة الإمام الشافعي
نسبه من جهة أبيه: هو / محمد بن ادريس بن العباس بن عثمان بن شافع ابن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة. ويجتمع مع رسول الله محمد صلوات الله عليه من عبد مناف بن قصي.
نسبه من جهة أمه: أم الشافعي هي فاطمة بنت عبد الله بن الحسن بن الحسين ابن علي بن أبي طالب. وقالوا أنهم لا يعلمون هاشمياً ولدته هاشمية إلا الإمام علي بن أبي طالب والإمام الشافعي.
مولد الشافعي: ولد سنة ١٥٠ هـ وهي السنة التي مات فيها الإمام أبو حنيفة. ولد الشافعي ببلدة غزة عسقلان ولما بلغ سنتين حولته أمه إلى الحجاز ودخلت به إلى قومها وهم من أهل اليمن لأنها كانت أزدية فنزلت عندهم فلما بلغ عشراً خافت على نسبه الشريف أن ينسى ويضيع فحولته إلى مكة.
تعلمه: كان الشافعي من أول الزمان فقيراً ولما سلموه إلى المكتب ما كانوا يجدون أجرة المعلم. وكان المعلم يقصر في التعليم إلا أن المعلم كلما علم صبياً شيئاً كان الشافعي رضي الله عنه يتلقف ذلك الكلام ثم إذا قام المعلم من مكانه أخذ الشافعي يعلم الصبيان تلك الأشياء فنظر المعلم فرأى الشافعي يكفيه من أمر الصبيان أكثر من الأجرة التي يطمع بها منه فترك طلب الأجرة واستمرت هذه الأحوال حتى تعلم القرآن الكريم كله لسبع سنين.
قال الشافعي: لما ختمت القرآن ودخلت المسجد أجالس العلماء وأحفظ
7
الحديث والمسألة وكان منزلنا بمكة من شعب الخيف وكنت فقيراً بحيث ما أملك ما أشتري به القراطيس فكنت آخذ العظم اكتب فيه. ويروي أنه كان يقرىء الناس في المسجد الحرام وهو ابن ثلاث عشرة سنة وكان حسن الصوت.
وأخرج الحاكم عن طريق بحر بن نصر قال: كنا إذا أردنا أن نبكي قلنا اذهبوا قوموا إلى هذا الفتى المطلبي الذي يقرأ القرآن فإذا آتيناه استفتح القرآن حتى يتساقط الناس بين يديه ويكثر الناس عجيجهم بالبكاء من حسن صوته فإذا رأى ذلك أمسك.
أساتذته
١- مسلم بن خالد الزنجي مفتي مكة سنة ١٨٠ هـ الموافق سنة ٧٩٦ م مولى بني مخزوم.
٢- سفيان بن عيينة الهلالي في مكة وهو أحد الثقات الأعلام.
٣- إبراهيم بن يحي وكان من علماء المدينة.
٤- مالك بن أنس. فقرأ الشافعي كتاب الموطأ على مالك بعد أن حفظه عن ظهر قلب وأقام الشافعي بالمدينة إلى أن توفي مالك سنة ١٧٩ هـ الموافق ٧٩٥ م.
٥- وكيع بن الجراح بن مليح الكوفي.
٦- حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي.
٧- عبد الوهاب بن عبد المجيد البصري.
أسرة الشافعي: وتزوج الشافعي حميدة بنت نافع بن عنيسه بن عمرو ابن عثمان بن عفان.
بعض مزايا الشافعي
١- جزيل حظه من الأدب وجَلَاله في النسب الذي ساوى به الحكم بن عبد المطلب قال١: إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد.
(١) رواه ابن ماجة/٢٢ كتاب الوصايا/٤٦ باب قسمة الخمس الحديث ٢٣٢٩.
8
٢- حفظه لكتاب ربه ومعرفته بواجبه وندبه وتصرفه في سائر أنواع علمه مما يعجز غيره عن بلوغ فهمه.
٣- فقهه بالسنن المنقولة وبصره فيها الصحاح منها والمعلولة وكلامه في الأصول وحكم المرسل والموصول وتمييزه وجوه النصوص وذكره العموم والخصوص.
٤- قال عنه الإمام أحمد بن حنبل: كانت أَقْفِيتْنَا - أصحاب الحديث - في أيدي أصحاب أبي حنيفة ما تُنْزَعُ حتى رأينا الشافعي رضي الله عنه وكان أفقه الناس في كتاب الله عز وجل وفي سُنة رسول الله ﷺ ما كان يكفيه قليل الطلب في الحديث.
٥- قال عنه الكرابيسي(١): قال: الشافعي رحمة من الله لأمة محمد.
٦- قال دُبَيساً(٢): كنت مع أحمد بن حنبل في المسجد الجامع(٣) ثم جئت إلى حُسينُ (الكرابيسي) فقلت ما تقول في الشافعي؟ قال ما أقول في رجل: ابتدأ في أفواه الناس: الكتاب والسنة والإتفاق؟ ما كنا ندري ما الكتاب والسنة نحن ولا الأولون: حتى سمعنا من الشافعي الكتاب والسنة والإجماع.
قال الحُميدِيُّ: كنا نريد أن نرد على أصحاب الرأي فلم نحسن كيف نرد عليهم. حتى جاءنا الشافعي ففتح لنا.
قال الإمام أحمد بن حنبل: ما رأيت أحداً أفقه في كتاب من هذا الفتى القرشي أي: محمد بن إدريس الشافعي.
٧- سئل ابن راهويه: كيف وضع الشافعي هذه الكتب كلها ولم يكن كبير السن؟ فقال عجل الله له عقله لقصر عمره.
٨- قال الربيع: كنا جلوساً في حلقة الشافعي بعد موته بيسير فوقف علينا أعرابي فسلم ثم قال: أين قمر هذه الحلقة وشمسها؟ فقلنا توفي رحمه الله فبكى بكاء شديداً ثم قال: رحمه الله وغفر له فلقد كان يفتح ببيانه مغلق الحجة ويسد في وجه
(١) الكرابيسي: نسبة إلى بيع الكرابيس وهي الثياب. اسمه [حسين بن علي بن يزيد].
(٢) أبا علي دبيس بن سلام القصباني.
(٣) المسجد الجامع. ببغداد الذي بناه المنصور بجوار قصره.
9
خصمه واضح المحجة ويغسل من العار وجوها مسودة ويوسع بالرأي أبواباً منسدة. ثم آنصرف.
تواضع الشافعي
قال الحسن بن عبد العزيز الجَروِيُ المصري قال الشافعي: ما ناظرت أحداً فأحببت أن يخطىء وما في قلبي من علم إلا ودِدْتُ أنه عند كل أحد ولا ينسب إليَّ.
قال الشافعي: والله ما ناظَرْتُ أحداً فأحْبَيتُ أن يُخْطِىءٌ.
ما ناظرت أحداً إلا قلت: اللهم أجرِ الحق على قلبه ولسانه فإن كان الحق معي اتبعني وإن كان الحق معه اتبعته.
الشافعي عالم قريش
قال الإمام أحمد بن حنبل: إذا سئلت عن مسألة لا أعرف فيها خبراً قلت فيها يقول الشافعي لأنه إمام عالم من قريش وروي عن النبي ﷺ أنه قال: عالم قريش يملأ الأرض علماً(١).
وقال الرازي: إن هذا الخبر يتناول رجلاً اجتمعت فيه ثلاث خصال.
إحداها: أن يكون من قريش.
ثانيهما: أن يكون ذلك الرجل كثير العلم من العلماء.
ثالثها: أن يكون ذلك الرجل كثير العلم بحيث يكون قد وصل علمه إلى أهل الشرق والغرب.
والشخص الموصوف بهذه الصفات ليس إلا الشافعي(١).
فهو عالم قريش وإليك هذه الأحاديث.
١ - عن ابن مسعود قال: قال رسول الله ﷺ، لا تسوا قريشاً فإن عالمها يملأ الأرض علماً اللهم أذقْتَ أولهم عذاباً فأذق آخرهم نوالا(٢).
(١) المناقب للبيهقي الجزء الأول ص ٥٤.
(٢) أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده ٣٩ - ٤٠.
10
٢ - عن أبي هريرة: أن رسول الله ﷺ قال اللهم أهْدِ قريشاً فإن عالمها يملأ طباق الأرض علماً اللهم كما أذقتهم عذاباً فأذقهم نوالا دعا بها ثلاث مرات(١).
٣ - فهو قرشي مطلبي ويقول ﷺ: إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد ثم شبك رسول الله ﷺ بين أصابعه(٢).
عن النبي ﷺ إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها(٣).
أولاد الشافعي
١- أبا عثمان محمد وكان قاضياً لمدينة حلب بالشام [سورية].
٢- فاطمة.
٣ زينب.
قدومه إلى مصر
قدم الشافعي إلى مصر سنة ١٩٩ هـ الموافق ٨١٥/٨١٤ ميلادية في أول خلافة المأمون ثم عاد إلى بغداد وأقام بها شهر ثم عاد إلى مصر وأقام فيها إلى أن مات سنة ٢٠٤ هـ الموافق ٨١٩ / ٨٢٠ ميلادية.
كتب الشافعي
١- الرسالة القديمة [كتاب الحجة].
٢- الرسالة الجديدة.
٣- اختلاف الحديث.
٤- إبطال الاستحسان.
٥- أحكام القرآن.
(١) الخطيب في التاريخ ج ٢ ص ٦١.
(٢) السنن الكبرى الجزء ٦ ص ٣٤٠.
(٣) المستدرك الجزء ٤ ص ٥٢٢. الخطيب في التاريخ الجزء ٢ ص ٦١.
11
٦ - بياض الفرض.
٧ - صفة الأمر والنهي.
٨ - اختلاف مالك والشافعي.
٩ - اختلاف العراقيين.
١٠ - اختلاف محمد بن الحسن.
١١ - فضائل قريش.
١٢ - كتاب الأم.
١٣ - كتاب السنن.
وفاته
أصيب الإمام الشافعي في آخر عمره بمرض شديد وهو البواسير وتوفي بمصر ليلة الجمعة بعد العشاء الآخرة بعدما صلى المغرب آخر يوم من شهر رجب ودفن يوم الجمعة سنة ٢٠٤ هـ الموافق ٨٢٠/٨١٩ ميلادية وقبره بمدينة القاهرة بمسجده يزار في حي الإمام الشافعي.
12
كتاب الطهارة
قال الشافعي: قال الله تعالى ﴿إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم﴾(١) الآية.
قال الشافعي: إن الماء ما خلق الله تبارك وتعالى مما لا صنعة فيه للأدميين وذكر الماء عاماً فكان ماء السماء وماء الأنهار والآبار والقلات والبحار العذب من جميعه والأجاج سواء في أنه يطهر من توضأ واغتسل منه وظاهر القرآن يدل على أن كل ماء طاهر ماء بحر وغيره.
قال الشافعي: عن أبي هريرة يقول سأل رجل النبي ﷺ فقال: يا رسول الله إنا نركب البحر ومعنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا أفنتوضأ بماء البحر فقال النبي ﷺ هو الطهور ماؤه الحل ميتته(٢).
قال الشافعي: عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال من لم يطهره البحر فلا طهره الله(٣). قال الشافعي: فكل الماء طهور ما لم تخالطه نجاسة ولا طهور إلا فيه أو في الصعيد وسواء كل ماء من برد أو ثلج أذيب وماء مسخن وغير مسخن لأن الماء له طهارة والنار لا تنجس الماء ولا أكره الماء المشمس إلا من جهة الطب إنه يورث البرص.
(١) الآية رقم ٦ من سورة المائدة.
(٢) رواه النسائي: كتاب المياه باب الوضوء بماء البحر. ص ١٧٦ الجزء الأول المجد الأول. دار القلم بیروت.
(٣) رواه ابن ماجة: كتاب الطهارة وسنتها/٣٨ باب الوضوء بماء البحر حديث ٣٠٩.
13
الماء الذي ينجس والذي لا ينجس
قال الشافعي: الماء ماءان ١ - ماء جار ٢ - ماء راكد.
الماء الجاري: إذا وقع فيه محرم من ميتة أو دم أو غير ذلك فإن كان فيه ناحية يقف فيها الماء فتلك الناحية منه خاصة ماء راكد ينجس إن كان موضعه الذي فيه الميتة منه أقل من خمس(١) قرب وإن كان أكثر من خمس قرب لم ينجس إلا أن يتغير طعمه أو لونه أو ريحه فإن جارياً لا يقف منه شيء فإذا مرت الجيفة أو ما خالطه في الجاري توضأ بما يتبع موضع الجيفة من الماء لأن ما يتبع موضعها من الماء غير موضعها منه لأنه لم يخالطه نجاسة وإن كان الماء الجاري قليلاً فيه جيفة فتوضأ رجل مما حول الجيفة لم يجزه إذا كان ما حولها أقل من خمس قرب ويتوضأ بما بعده.
قال الشافعي: وإذا كان الماء الجاري قليلاً أو كثيراً فخالطته نجاسة فغيرت ريحه أو طعمه أو لونه كان نجساً وإن مرت جريته بشيء متغير بحرام خالطه فتغيرت ثم مرت به جرية أخرى غير متغيرة فالجرية التي غير متغيرة طاهرة والمتغيرة نجسه.
الماء الراكد
والماء الراكد ماءان ١ - ماء لا ينجس بشيء خالطه من المحرم إلا أن يكون لونه فيه أو ريحه أو طعمه قائماً وإذا كان شيء من المحرم فيه موجوداً بأحد ما وصفنا تنجس كله قل أو كثر وسواء إذا وجد المحرم من الماء جارياً كان أو راكداً.
٢ - وماء ينجس بكل شيء خالطه من المحرم وإن لم يكن موجوداً فيه فإن قال قائل ما الحجة في فرق بين ما ينجس وما لا ينجس ولم يتغير واحد منهما قيل السنة. عن عبد الله بن عمر بن أبيه أن النبي ﷺ قال إذا كان الماء قلتين لم يحمل نجساً(٢).
(١) خمس قرب تساوي في المساحة المربعة ذراع وربع طولاً وعمقاً وعرضاً. المساحة المدورة ذراعان عمق وذراع ما بين حائط البئر والذراع في المساحة المدورة هو الذراع المعماري أما في المساحة المربعة ذراع بلدي أي بذراع الآدمي.
(٢) رواه الترمذي: الوضوء باب ٥٠ حديث القلتين. حديث رقم ٦٧. المجلد الأول ص ٩٧ من كتاب الجامع الصحيح دار الكتب العلمية بيروت.
رواه أبو داود: باب ٣٣ ما ينجس الماء حديث ٦٣ المجلد الأول ص ١٠٣ عون المعبود شرح سنن أبي داود.
14
قال الشافعي: إذا كان الماء خمس قرب لم يحمل نجساً في جريانه أو غيره وإذا كان الماء أقل من خمس قرب فخالطته ميته نجس ونجس كل وعاء كان فيه فأهرق ولم يطهر الوعاء إلا بأن يغسل وإذا كان الماء أقل من خمس قرب فخالطته نجاسة ليست بقائمة فيه نجسته فإن صب عليه ماء حتى يصير هو بالذي صب عليه خمس قرب فأكثر طهر وكذلك لو صب هو على ماء أقل وأكثر منه حتى يصير الماءان معاً أكثر من خمس قرب لم ينجس واحد منهما صاحبه وإذا صار خمس قرب فطهرا ثم فرقا لم ينجسا بعد ما طهرا إلا بنجاسة تحدث فيهما.
قال الشافعي: وذرق الطير كله ما يؤكل لحمه وما لا يؤكل لحمه إذا خالط الماء نجسه لأنه يرطب برطوبة الماء. وعرق النصرانية والجنب والحائض طاهر وكذلك المجوسي وعرق كل دابة طاهر وسؤر الدواب والسباع كلها طاهر إلا الكلب والخنزير.
قال الشافعي: وكذلك لو عرق فقطر عرقه في الماء لم ينجس لأن عرق الإنسان والدابة ليس بنجس وسواء في أي موضع كان العرق من تحت منكبه أو غيره.
قال الشافعي: وإذا نجس الإناء فيه الماء القليل أو الأرض أو البئر ذات البناء فيها الماء الكثير بحرام يخالطه فكان موجوداً فيه ثم صب عليه ماء غيره حتى يصير الحرام غير موجود فيه وكان الماء قليلاً فنجس فصب عليه ماء غيره حتى صار ماء لا ينجس مثله ولم يكن فيه حرام فالماء طاهر والإناء والأرض التي الماء فيهما طاهران لأنهما إنما نجسا بنجاسة الماء فإذا صار حكم الماء إلى أن يكون طاهراً كان كذلك حكم ما مسه الماء ولم يجز أن يحول حكم الماء ولا يحول حكمه وإنما هو تبع للماء يطهر بطهارته وينجس بنجاسته. وإذا كان الماء قليلاً في إناء فخالطته نجاسة أريق وغسل الإناء إلا أن يشرب فيه كلب أو خنزير فلا يطهر إلا بأن يغسل سبع مرات وإذا غسلهن سبعاً جعل أولاهن أو أخراهن تراب لا يطهر إلا بذلك. فإن كان في بحر لا يجد فيه تراباً فغسله بما يقوم مقام التراب في التنظيف من أشنان أو نخاله أو ما أشبهه ففيه قولان أحدهما. لا يطهر إلا بأن يماسه التراب. والآخر يطهر بما يكون خلفاً من التراب وأنظف منه.
(١) الأشنان: نبات طيب الرائحة يقوم مقام الصابون.
15
قال الشافعي: فإن قال قائل: فكيف جعلت الكلب والخنزير إذا شربا في إناء لم يطهره إلا سبع مرات وجعلت الميتة إذا وقعت فيه أو الدم طهرته مرة إذا لم يكن لواحد من هؤلاء أثر في الإناء؟ قيل له إتباعاً لرسول الله ﷺ.
قال الشافعي: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ إذا شرب الكلب من إناء أحدكم فليغسله سبع مرات(١).
قال الشافعي: فقلنا في الكلب بما أمر به رسول الله ﷺ وكان الخنزير إن لم يكن في شر من حاله لم يكن في خير منها فقلنا به قياساً عليه وقلنا في النجاسة سواهما بما أخبرنا ابن عيينة عن هشام بن عروة أنه سمع امرأته فاطمة بنت المنذر عن أسماء قالت سألت امرأة رسول الله ﷺ فقالت يا رسول الله أرأيت أحدانا إذا أصاب ثوبها الدم من الحيضة كيف تصنع؟ فقال النبي ﷺ لها: إذا أصاب ثوب إحداكن الدم من الحيضة فلتقرصه(٢) ثم لتنضحه بماء ثم لتصل فيه(٣).
قال الشافعي: ولا نجاسة في شيء من الأحياء ماست ماء قليلاً بأن شربت منه أو أدخلت فيه شيئاً من أعضائها إلا الكلب والخنزير وإنما النجاسة في الموتى ألا ترى أن الرجل يركب الحمار ويعرق الحمار وهو عليه ويحل مسه؟ فإن قال قائل ما الدليل على ذلك؟ قيل أخبرنا إبراهيم بن محمد عن داود بن الحصين عن أبيه عن جابر بن عبد الله أن رسول الله ﷺ سئل: أيتوضأ بما أفضلت الحمر؟ فقال نعم وبما أفضلت السباع كلها(٤).
قال الشافعي: عن كبشه بنت كعب بن مالك وكانت تحت ابن أبي قتادة أن أبا قتادة فسكبت له وضوءاً فجاءت هرة فشربت منه قالت فرآني أنظر إليه فقال اتعجبين يا ابنة أخي أن رسول الله ﷺ قال إنها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم أو الطوافات(٥).
(١) رواه مسلم حكم ولوغ الكلب حديث رقم ٩١ من كتاب الطهارة.
(٢) تقرص: تغسله بأطراف أصابعها.
(٣) رواه البخاري كتاب الحيض باب غسل دم الحيض ج ١ ص ٨٤ دار الجيل بيروت.
(٤) مسند الشافعي: ٨ شرح السنة للبغوي ج ٢ ص ٧١.
(٥) رواه أبي داود / كتاب الطهارة/٣٨ باب سؤر الهرة / مسند أحمد بن حنبل ج ٥ ص ٣٣. رواه الترمذي.
16
قال الشافعي: فإذا تغير الماء القليل أو الكثير فأنتن أو تغير لونه بلا حرام خالطه فهو على الطهارة وكذلك لو بال فيه إنسان فلم يدر أخالطه نجاسة أم لا وهو متغير الريح أو اللون أو الطعم فهو على الطهارة حتى تعلم نجاسته لأنه يترك لا يستقى منه فيتغير ويخالطه الشجر والطحلب فيغيره.
قال الشافعي: وإذا وقع في الماء شيء حلال فغير له ريحاً أو طعماً ولم يكن الماء مستهلكاً فيه فلا بأس أن يتوضأ به وذلك أن يقع فيه الباق أو القطران فيظهر ريحه أو ما أشبهه وإن أخذ ماء فشيب به لبن أو سويق أو عسل فصار الماء مستهلكاً فيه لم يتوضأ به لأن الماء مستهلك فيه إنما يقال لهذا ما سويق ولبن وعسل مشوب وإن طرح منه فيه شيء قليل يكون ما طرح فيه من سويق ولبن وعسل مستهلكاً فيه ويكون لون الماء الظاهر ولا طعم لشيء من هذا فيه توضأ به وهذا ماء بحاله.
قال الشافعي: وكذلك لو صب عليه قطران فظهر ريح القطران من الماء لم يتوضأ به وإن لم يظهر توضأ به لأن القطران وماء الورد يختلطان بالماء فلا يتميزان منه ولو صب فيه دهن طیب أو القی فيه عنبر أو عود أو أي شيء ذو ريح لا يختلط بالماء فظهر ريحه في الماء توضأ به لأنه ليس في الماء شيء منه يسمى الماء مخوضاً به(١) ولو كان صب فيه مسك أو ذريرة أو شيء ينماع في الماء حتى يصير الماء غير متميز منه فظهر فيه ريح لم يتوضأ به لأنه حينئذ ماء مخوض به.
فضل الجنب وغيره
قال الشافعي: عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من القدح وهو الفرق(٢) وكنت أغتسل أنا وهو من إناء واحد(٣).
= باب الوضوء / ٦٩ باب سؤر الهرة الحديث ٩٢. رواه ابن ماجة كتاب الطهارة وسنتها/٣٢ باب الوضوء بسؤر الهرة والرخصة في ذلك.
(١) مخوضاً به أي مخلوطاً به.
(٢) الفَرَق بفتح الفاء وفتح الراء هو ثلاثة آصع وتوسط بعض الشافعية فقال الصاع لماء الغسل ثمانية أرطال.
(٣) رواه مسلم كتاب الحيض / جواز الغسل بفضل غسل الآخر حديث رقم ٤١.
17
قال الشافعي: عن ابن عباس عن ميمونة(١) أنها كانت تغتسل هي والنبي ﷺ من إناء واحد(٢).
قال الشافعي: عن القاسم عن عائشة قالت كنت أغتسل أنا ورسول الله ﷺ من إناء واحد من الجنابة(٣).
قال الشافعي: وبهذا نأخذ فلا بأس أن يغتسل بفضل الجنب والحائض لأن رسول الله ﷺ اغتسل وعائشة من الجنابة فكل واحد منهما يغتسل بفضل صاحبه وليست الحيضة في اليد وليس ينجس المؤمن إنما هو تعبد بأن يماس الماء في بعض حالته دون بعض.
ماء النصراني والوضوء منه
قال الشافعي: إن عمر بن الخطاب توضأ من ماء نصرانية في جرة نصرانية.
قال الشافعي: ولا بأس بالوضوء من ماء المشرك ويفضل وضوءه ما لم يعلم فيه نجاسة لأن للماء طهارة عند من كان وحيث كان حتى تعلم نجاسة خالطته.
باب الآنية التي يتوضأ فيها ولا يتوضأ
قال الشافعي: عن ابن عباس أنه قال مر النبي ﷺ بشاة ميتة قد كان أعطاها مولاه لميمونة زوج النبي ﷺ قال فهلا انتفعتم بجلدها قالوا يا رسول الله إنها ميتة فقال إنما حرم أكلها(٤).
(١) ميمونة: زوجة رسول الله ﷺ. اسمها برة بنت الحارث الهلالية المعزية وسماها رسول الله ﷺ ميمونة لزواجه بها في فتح مكة وإنها لمناسبة ميمونة غراء.
(٢) رواه مسلم المجلد الأول ص ٦٢١ طبعة دار الشعب بالقاهرة كتاب الحيض / جواز غسل الرجل والمرأة في إناء واحد.
(٣) رواه مسلم المجلد الأول ص ٦٢٠ طبعة دار الشعب بالقاهرة كتاب الحيض / جواز غسل الرجل والمرأة في إناء واحد.
(٤) رواه مسلم كتاب الحيض / طهارة جلود الميتة بالدباغ حديث رقم ١٠٢ المجلد/١ ص ٦٥٩ طبعة القاهرة.
18
قال الشافعي: عن ابن عباس أن النبي ﷺ قال إذا دبغ الإهاب فقد طهر(١).
قال الشافعي: فيتوضأ من جلود الميتة كلها إذا دبغت وجلود ما لا يؤكل لحمه من السباع قياساً عليها إلا جلد الكلب والخنزير فإنه لا يطهر بالدباغ لأن النجاسة فيهما وهما حيان قائمة وإنما يطهر بالدباغ ما لم يكن نجساً حياً. والدباغ بكل ما دبغت به العرب من قرظ(٢) وشب وما عمل عمله مما يمكث فيه الإهاب حتى ينشف فضوله ويطيبه ويمنعه الفساد إذا أصابه الماء ولا يطهر إهاب الميتة من الدباغ إلا بما وصفت وإن تمعط شعره فإن شعر نجس فإذا دبغ وترك عليه شعره فماس الماء شعره نجس الماء وإن كان الماء في باطنه وكان شعره ظاهراً لم ينجس الماء إذا لم يماس شعره فأما جلد كل ذكي يؤكل لحمه فلا بأس أن يشرب ويتوضأ فيه إن لم يدّبغ لأن طهارة الزكاة وقعت عليه.
قال الشافعي: ولا يتوضأ ولا يشرب من عظم ميتة ولا عظم ذكي لا يؤكل لحمه مثل عظم الفيل والأسد وما أشبهه لأن الدباغ والغسل لا يطهران العظم.
قال الشافعي: فمن توضأ من شيء منه أعاد الوضوء وغسل ما مسه من الماء الذي كان فيه.
الآنية غير الجلود
قال الشافعي: ولا اكره إناء توضى فيه من حجارة ولا حديد ولا نحاس ولا شيء غير ذوات الأرواح إلا آنية الذهب والفضة فإني أكره الوضوء فيهما.
قال الشافعي: عن أم سلمة زوج النبي ﷺ أن النبي ﷺ قال الذي يشرب في إناء الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم(٣).
قال الشافعي: فإن توضأ أحد فيها أو شرب كرهت ذلك له ولم آمره يعيد الوضوء
(١) رواه مسلم كتاب الحيض / طهارة جلود الميتة بالدباغ حديث رقم ١٠٦ المجلد/١ ص ٦٦٠ طبعة القاهرة.
(٢) قَرَظُ ثمر السنط.
(٣) رواه ابن ماجة ٣٠ كتاب الأشربة ١٧ باب الشرب في آنية الفضة حديث رقم ٢٧٥٥ المجلد الثاني ص ٢٤٨ مكتب التربية العربي لدول الخليج - الرياض ترتيب مسند الإمام الشافعي / كتاب الطهارة/ الباب الثالث في الآنية والدباغة حديث رقم ٦٢ ج ١ ص ٢٧.
19
ولم أزعم أن الماء الذي شرب ولا الطعام الذي أكل فيها محرم عليه وكان الفعل من الشرب فيها معصية فإن قيل فكيف ينهى عنها ولا يحرم الماء فيها قيل له إن شاء الله أن رسول الله ﷺ إنما نهى عن الفعل فيها لا عن تبرها وقد فرضت فيها الزكاة وتمولها المسلمون ولو كانت نجساً لم يتمولها أحد ولم يحل بيعها ولا شراؤها.
باب الماء يشك فيه
قال الشافعي: وإذا كان الرجل مسافراً وكان معه ماء فظن أن النجاسة خالطته فتنجس ولم يستيقن فالماء على الطهارة وله أن يتوضأ به ويشربه حتى يستيقن فخالطه النجاسة به وإن استيقن النجاسة وكان يريد أن يهرقه ويبدله بغيره فشك أفعل أم لا فهو على النجاسة حتى يستيقن أنه أهرقه وأبدل غيره.
قال الشافعي: وإذا كان الرجل في السفر ومعه ماءان استيقن أن أحدهما نجس والآخر لم ينجس فأهرق النجس منهما على الأغلب عنده أنه نجس توضأ بالآخر وإن خاف العطش حبس الذي الأغلب عنده أنه نجس وتوضأ بالطاهر عنده فإن قال قائل قد استيقن النجاسة في شيء فكيف يتوضأ بغير يقين الطهارة قيل له إنه استيقن النجاسة في شيء واستيقن الطهارة في غيره فلا تفسد عليه الطهارة إلا بيقين أنها نجسه.
قال الشافعي: فإذا وجد الرجل الماء القليل على الأرض أو في بئر أو في وقر حجر فوجده شديد التغير لا يدري أخالطته نجاسة من بول دواب أو غيره توضأ به لأن الماء قد يتغير بلا حرام خالطه فإذا أمكن هذا فيه فهو على الطهارة حتى يستيقن بنجاسة خالطته.
قال الشافعي: ولو رأى ماء أكثر من خمس قرب فاستيقن أن ظبيا بال فيه فوجد طعمه أو لونه متغيراً أو ريحه متغير كان نجساً وإن ظن أن تغيره من غير البول لأنه قد استيقن بنجاسة خالطته ووجد التغير قائماً فيه والتغير بالبول وغيره يختلف.
ما يوجب الوضوء وما لا يوجبه
قال الشافعي: قال الله تعالى ﴿إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم﴾ الآية(١).
(١) الآية رقم ٦ من سورة المائدة.
20