Mukhtasar Kitab Al-I'tisam
مختصر كتاب الاعتصام
Maison d'édition
دار الهجرة للنشر والتوزيع
Numéro d'édition
الأولى
Année de publication
١٤١٨ هـ - ١٩٩٧ م
Genres
فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَمَنْ مَلَكَ لَحْمَ شاةٍ ذكيةٍ حلَّ لَهُ أكلهُ، لِأَنَّ حِلِّيَّتهَ ظاهرةٌ عنده إذا حصل له شرط الحِلِّيِّة لتحقق مَنَاطِهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ، أَوْ مَلَكَ لَحْمَ شَاةٍ مَيِّتَةٍ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَكْلُهُ، لِأَنَّ تَحْرِيمَهُ ظاهرٌ مِنْ جِهَةِ فَقْدِهِ شَرْطَ الحِلِّيِّة، فَتَحَقَّقَ مناطُها بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْمَنَاطَيْنِ رَاجِعٌ إِلَى مَا وَقَعَ بِقَلْبِهِ، وَاطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ نَفْسُهُ، لَا بِحَسَبِ الْأَمْرِ فِي نَفْسِهِ، أَلَا تَرَى أنَّ اللَّحْمَ قَدْ يَكُونُ وَاحِدًا بِعَيْنِهِ فَيَعْتَقِدُ وَاحِدٌ حِلِّيَّتَهُ بِنَاءً عَلَى مَا تَحَقَّقَ له من مناطها بِحَسَبِهِ، وَيَعْتَقِدُ آخَرُ تَحْرِيمَهُ بِنَاءً عَلَى مَا تَحَقَّقَ لَهُ مِنْ مَنَاطِهِ بِحَسَبِهِ؛ فَيَأْكُلُ أَحَدُهُمَا حَلَالًا وَيَجِبُ عَلَى الْآخَرِ الِاجْتِنَابُ، لأنَّه حَرَامٌ؟ وَلَوْ كَانَ مَا يَقَعُ بِالْقَلْبِ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَدُلَّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ لَمْ يَصِحَّ هَذَا الْمِثَالُ وَكَانَ مُحَالًا، لِأَنَّ أَدِلَّةَ الشَّرْعِ لَا تَتَنَاقَضُ أَبَدًا فَإِذَا فَرَضْنَا لَحْمًا أَشْكَلَ عَلَى الْمَالِكِ تَحْقِيقُ مَنَاطِهِ لَمْ يَنْصَرِفْ إِلَى إِحْدَى الْجِهَتَيْنِ، كَاخْتِلَاطِ الْمَيِّتَةِ بِالذَّكِيَّةِ، وَاخْتِلَاطِ الزَّوْجَةِ بالأجنبية.
فها هنا قَدْ وَقَعَ الرَّيْبُ وَالشَّكُّ وَالْإِشْكَالُ وَالشُّبْهَةُ.
وَهَذَا الْمَنَاطُ مُحتاجٌ إِلَى دليلٍ شَرْعِيٍّ يُبَيِّنُ حُكْمَهُ، وَهِيَ تِلْكَ الْأَحَادِيثُ الْمُتَقَدِّمَةُ، كَقَوْلِهِ: «دَعْ مَا يريبك إلى مالا يَرِيبُكَ» وَقَوْلُهُ: «الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ» كأنَّه يَقُولُ: إِذَا اعْتَبَرْنَا بِاصْطِلَاحِنَا مَا تَحَقَّقْتَ مَنَاطَهُ فِي الحلِّيِّة أَوِ الْحُرْمَةِ؛ فَالْحُكْمُ فِيهِ مِنَ الشَّرْعِ بيِّن، وَمَا أَشْكَلَ عَلَيْكَ تَحْقِيقُهُ فَاتْرُكْهُ وَإِيَّاكَ والتلبُّس به، وهو معنى قوله: «اسْتَفْتِ قَلْبَكَ وَإِنْ أَفْتَوْكَ»، فإنَّ تَحْقِيقَكَ لمناطِ مَسْأَلَتِكَ أَخَصُّ بِكَ مِنْ تَحْقِيقِ غَيْرِكَ لَهُ إِذَا كَانَ مِثْلَكَ.
وَيَظْهَرُ ذَلِكَ فِيمَا إِذَا أَشْكَلَ عَلَيْكَ الْمَنَاطُ وَلَمْ يشكُل عَلَى غَيْرِكَ؛ لأنَّه لَمْ يَعْرِضْ لَهُ مَا عَرَضَ لَكَ.
وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: «وَإِنْ أَفْتَوْكَ» أَيْ: إنْ نَقَلُوا إِلَيْكَ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ
1 / 114