جعله عبدًا لزوج المرأة التي حبلت به من المردكية، وأمر بكل امرأة غلبت على نفسها، أن تعطى من مال المردكي الذي غلبها بقدر مهرها، وأمر بنساء المعروفين اللائي مات من يقوم عليهن، أو تبرأ منهن أهلهن، لفرط الغيرة والأنفة، أن يجمعن وضع أفرده لهن، وأجرى عليهن ما يمونهن، وأمر أن يزوجن من مال كسرى، لك فعل بالبنات اللائي لم يوجد لهن أب، وأما البنون الذين لم يوجد لهم أب فأضافهم إلى مماليكه، ورد المنذر إِلى الحيرة، وطرد الحارث عنها.
وكان من حديث الحارث المذكور: أن العرب كانت قد طمعت في أرض الفرس، أيام قباذ لضعفه عن ضبط المملكة، واستولت كندة على الحيرة، وطردوا اللخميين عنها، وكان ملك اللخميين حينئذ المنذر بن ماء السماء، وملك موضعه الحارث بن عمرو بن حجر آكل المرار ابن عمرو بن معاوية بن ثور وثور هو كندة، ووفق الحارث قباذ على اتباع مردك، فعظمه قباذ وأقامه وطرد المنذر، لذلك فلما استقل أنوشروان بالملك، أعاد المنذر وطرد الحارث عن الحيرة، فهرب، وأرسل المنذر خيلًا في طلب الحارث المذكور، فأمسكوا عدة من أهله فقتلهم، وعدم الحارث، واختلف في صورة عدمه.
وسنذكر ذلك عند ذكر ملوك كندة، في الفصل المتضمن ذكر ملوك العرب إِن شاء الله تعالى.
وأمر أنوشروان بنساء أبيه قباذ أن يخيرن بين المقام في داره وإجراء الأرزاق عليهن، وبين أن يزوجن بالأكفاء من البعولة، وفتح أنوشروان الرها مدينة هرقل، ثم الإسكندرية، وأذعن له قيصر بالطاعة، وغزا الخزر، ثم توجه إِلى نحو عدن، فسكّر هناك ناحية من البحر بين جبلين، بالصخور وعمد الحديد، ثم سار إلى الهياطلة، مطالبًا بدم فيروز، وكبس بلادهم، وقتل ملكهم، وخلقًا كثيرًا من أصحابه، وتجاوز بلخ ما وراءها.
ثم رجع إلى المدائن وأرسل جيشًا إلى اليمن، وقدّم عليهم وهرز فقتلوا الحبشة المستولين عليها، وأعاد ملك أبا سيف بن ذي يزن عليه، بعد قتل ملك الحبشة مسورق بن أبرهة الأشرم الذي جاء بالفيل ليهدم الكعبة، وغزا برجان وبنى باب الأبواب.
وفي زمانه ولد عبد الله أبو النبي ﷺ، لأربع وعشرين سنة من ملكه، وكذلك ولد النبي ﷺ، في السنة الثانية والأربعين من ملك أنوشروان المذكور. ومات أنوشروان في سنة ثمان وثمانين وثمانمائة للإسكندر لمضي سبعة أشهر من السنة المذكورة.
ثم ملك بعده ابنه هرمز بن أنوشروان، وكان عادلًا، يأخذ للأدنى من الشريف، وبالغ في ذلك حتى أبغضه خواصه، وأقام الحقّ على بنيه ومحبيه، وأفرط في العدل والتشديد على الأكابر، وقصر أيديهم عن الضعفاء إِلى الغاية، ووضع صندوقًا في أعلاه خرق، وأمر أن يلقي المتظلم قصته فيه، والصندوق مختوم بخاتمه، وكان يفتح الصندوق وينظر في المظالم خوفًا من أن لا ترسل إِليه الشكاوى، على بطانته وأهله.
ثم طلب أن يعلم بظلم المتظلم ساعة فساعة، فأمر باتخاذ سلسلة من الطريق، وخرق لها في داره إلى موضع
1 / 52