على أنه لا يُستحَبُّ التبليغُ، بل يُكرَهُ إلا لحاجةٍ؛ مثلِ ضعفِ صوتِ الإمامِ، أو بُعْدِ المأمومِ، ونحوِه، وقد اختلفوا فيه في هذه الحالِ، والمعروفُ عن أحمدَ: أنه جائزٌ، وأصحُّ قولَيْ مالكٍ.
أما عندَ عدَمِ الحاجةِ؛ فبدعةٌ، بل صرَّحَ كثيرٌ منهم أنه مكروهٌ، بل قد ذهب طائفةٌ من أصحابِ مالكٍ وأحمدَ إلى أنه تَبطلُ صلاةُ المبلِّغِ لغيرِ حاجةٍ، ولم يستحِبَّه أحدٌ من العلماءِ حينئذٍ، ومَن أصرَّ على اعتقادِ كونِه قربةً فإنه يُعزَّرُ، وهذا أقلُّ أحوالِه (^١).
وكذلك التثويبُ بينَ الأذانِ والإقامةِ لم يكُنْ على عهدِه، بل كرِهَه أكثرُ الأئمةِ والسلَفِ، وعدُّوه بدعةً.
وكذلك الجهرُ بالدعاءِ عَقيبَ الصَّلَواتِ؛ مثلُ: دعاءِ الإمامِ والمأموم جميعًا عَقيبَ الصلاةِ؛ لم يكُنْ، ولكنه ثبَتَ أنهم كانوا يَجهرونَ بالذِّكْرِ (^٢)، وأنه كان يجهَرُ عَقيبَ الصلاةِ بالذِّكْرِ، يقولُ: «لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، له الملكُ وله الحمدُ، وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ، لا إلهَ إلا اللهُ، ولا نعبدُ إلا إياه» (^٣)، فالذكرُ ثابتٌ، ومَن اعتقدَ قربةَ ما لم يدلَّ عليه دليلٌ شرعيٌّ؛ فهو مخطئٌ ضال.