المقدمات
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم بقلم: زهير الشاويش
الحمد لله على أفضاله، والصلاة والسلام على معلم الخير سيدنا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، ورضي الله عن صحابته وأتباعهم من العلماء المتقين الذين نقولا لنا هذا الدين القويم، سليما من كل زيف وتحريف، وعرفونا بصفات ربنا بما يليق بجلاله وجماله وكماله، وأوضحوا لنا سبل المعتقد، وطريق العبادة، وإقامة العدل، والتحلي بالأخلاق الكريمة، والألفاظ المهذبة. جعلنا الله من القائمين على كل ذلك في جميع أحوالنا وأقوالنا، حتى نلقى الله وهو راض عنا.
أما بعد:
فقد سبق أن طلبت من فضيلة المحدث الشيخ محمد ناصر الدين الألباني -حفظه الله- أيام عمله في المكتب الإسلامي سنة ١٣٩١هـ القيام على تخريج أحاديث كتاب "العلو" للحافظ الذهبي من ضمن مجموعة من كتب العقيدة. فوافق على ذلك مقترحا أن يختصر منه بعض الأحاديث المكررة والضعيفة والغريبة فوافق على ذلك مقترحا أن يختصر منه بعض الأحاديث المكررة والضعيفة والغربية لأسباب بينها واقتنعت بها. وهكذا كان -مما تجده في مقدمته الصفحة "٥-٦".
وقام الإخوة في قسم التصحيح بدمشق بنسخ المخطوطة والأصل المطبوع، وعمل الشيخ وتعليقاته، ومساعدته بالمقابلة والتصحيح.
وأرسل الكتاب إلي في بيروت، بعد أن تعذر طبعه في دمشق، فعملت على إعداده للطبع بإعادة نسخه. وجعلت المتن بحرف كبير، والتخريج بحرف أصغر، مما يسهل على القارئ الكريم معرفة درجة الحديث، والقول المناسب له في التخريج.
1 / 3
بسرعة. ووضعت التعليقات في هوامش الصفحات تحت الجدول.
كما أضفت بعض التعليقات، واقترحت تعديل أشياء لمصلحة رأيتها، واقتنع بها الشيخ ناصر -كما هي العادة في جميع مطبوعاتنا-.
وجرى تنضيد الكتاب في بيروت وأرسلنا التجارب إلى دمشق حيث عمل الشيخ مع الإخوة الأكارم موظفي قسم التصحيح بالمقابلة وزاد فضيلته في مقدمته أشياء وجدها مفيدة، حتى زادت المقدمة على الثمانين صفحة. وتأخر إرجاع الكتاب إلينا زمنا طويلا لظروف قاهرة، إلى أن يسر لنا الله طبعه سنة ١٤٠١=١٩٨١.
واليوم نقدم للإخوة الأحبة من المؤمنين الطبعة الثانية، مصورة عن الطبعة الأولى بطريقة "الأوفست" في أكثرها. بعد إصلاح ما ند الشيخ والإخوة من أخطاء مطبعية -مما لا يخلو منه كتاب- باذلين الجهد المستطاع، مع إعادة تنضيد بعض الصفحات والأسطر.
وقد تحمل العبء الكبير -في إعداد هذه الطبعة- الإخوة أعضاء مكتب التصحيح في بيروت -جزاهم الله الخير-.
وكنا نتمنى أن نضيف ما قد يكون عند فضيلة الشيخ ناصر من زيادات أو تصويبات ... ولكن تعذر ذلك عليه، نرجو الله أن يكون لنا وله عونا على الخير والسداد، وأن يختم لنا وله بالحسنى.
وإنني أرجو الله -سبحانه- أن يكتب لنا ولمن سبقنا من علمائنا، وكل من ساعدنا، فيما نقدم للناس، مما نحسبه خيرا لنا ولهم في دنيانا وآخرتنا. والحمد لله رب العالمين.
بيروت العاشر من صفر ١٤١٢.
٢٠/ ٨/ ١٩٩١.
1 / 4
مقدمة: الإمام الألباني
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
وصلاة الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه أجمعين إلى يوم الدين
أما بعد فبين يدي القارئ الكريم مختصري للكتاب الجليل: "العلو للعلي العظيم وإيضاح صحيح الأخبار من سقيمها" للحافظ أبي عبد الله شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن قيماز الدمشقي الأثري المعروف ب "الذهبي" وهو "كتاب العرش" الذي ذكره ابن العماد في ترجمة الحافظ من "الشذرات" "٨/ ١٥٦" وكذا السفاراني في كتابه "لوامع الأسرار" ونقل عنه مرارا كما رأيته في "مختصره" ١ للشيخ العلامة محمد بن علي بن سلوم.
ويعود الفضل في إقدامي على اختصار هذا الكتاب الجليل فضلا عن نشره إلى أخي في الله تعالى الأستاذ زهير الشاويش فقد كنت في حديث علمي معه والكتب المؤلفة في العقيدة حين جاء ذكر هذا الكتاب٢ فاقترح علي أن أتولى
_________
١ انظر "لوامع الأسرار ".
٢ وذلك في طريقنا لأداء العمرة في رمضان سنة ١٣٩١.
1 / 5
تحقيقه وتخريجه فزدت عليه قائلا: واختصاره، وحذف الأخبار السقيمة منه، وبينت له ضرورة ذلك وأهميته.
وبعد التداول في ذلك، وإمعان النظر فيه اتفقنا على ذلك، وكان مما شجعني على المضي فيه أنني أعلم وجود نسخة خطية جيدة منه في المكتبة الظاهرية في دمشق يمكننا الاعتماد عليها في التحقيق.
وابتدأت العمل في اختصاره من نسخة سقيمة الطبع والتحقيق، لم يتيسر لنا يومئذ غيرها إذ كنا على سفر. حتى إذا رجعت إلى دمشق انكببت عليه تحقيقا وتخريجا وتعليقا حتى يسر الله تعالى إتمامه بمنه وفضله وكرمه.
ولما بدأت بالتحقيق كان من أول ما شرعت فيه أن قابلت المطبوعة المشار إليها بمخطوطة المكتبة واستعنت على ذلك ما توفر لدي من نسخ أخرى مطبوعة أهمها الطبعة الأولى منها وهي المطبوعة في الهند على الحجر سنة "١٣٠٦"، عن نسخة خطية كتبت من نسخة كتبت من خط المؤلف رحمه الله تعالى كتبها أحمد بن زيد المقدسي كما جاء في آخر النسخة الهندية.
وأما النسخ الأخرى فهي على وفق النسخ الهندية ومأخوذة عنها وهي ثلاث:
الأولى: طبعة المنار للسيد رشيد رضا رحمه الله تعالى قام بطبعها سنة "١٣٣٢" وأصله فيها الطبعة الهندية، كما صرح بذلك على الوجه الأول من طبعته
الثانية: طبعة أنصار السنة المحمدية في القاهرة طبعت سنة "١٣٥٧" بتعليق الأخ الفاضل الشيخ عبد الرزاق عفيفي وتصحيح الأستاذ زكريا علي يوسف.
الثالثة: نشر المكتبة السلفية المدينة المنورة. ١٣٨٨" بتقديم وتصحيح الأستاذ عبد الرحمن محمد عثمان.
1 / 6
وهاتان الطبعتان الأخيرتان أصلهما طبعة السيد رشيد رضا وإن لم يقع التصريح بذلك منهما فإن ذلك بين جلي عند من يقابلهما بهما فإن أي نقص أو خطأ أو تحريف وقع فيها فلا بد أنك واجدها فيهما، والأمثلة على ذلك كثيرة، وإنما أكتفي هنا بمثال واحد منها وهو غريب جدا، يدلك على أهمية التحقيق أو التصحيح الذي يتبجح به بعضهم! وذلك ما نبهت عليه في آخر الكتاب تحت الترجمة "١٦٧ - الشيخ أبو البيان" فقد جاء فيها في طبعة المنار "ص٣٤٢" ما نصه:
" ... الحنابلة إذا قيل لهم ما الدليل على أن القرآن "ليس" بحرف وصوت؟ "
كذا فيها زيادة "ليس" بين هلالين، وبحرف أصغر من حرف الكتاب، يشير بذلك مصحح الطبعة -ولعله غير السيد رشيد- إلى أنها زيادة باجتهاد من عنده زادها على أصله الذي هو الطبعة الهندية كما سبق وهذه في الواقع خلو منها طبقا للمخطوطة كما بينته هناك.
ثم وقع اجتهاد جديد من مصحح طبعة "الأنصار" فحذف الهلالين المحيطين بلفظ "ليس" ودخل هذا بسبب ذلك في صلب الأصل فتضاعف الخطأ لأنه مع كونه غير ثابت في الأصل كما أشار إليه السيد رشيد فهو مفسد للمعنى أيضا لأن الحنابلة يعتقدون أن القرآن بحرف وصوت كما بينته هناك، وهو الحق خلافا للأشاعرة وغيرهم.
وكما وقعت هذه الزيادة المفسدة للمعنى في الطبعة المذكورة، كذلك وقعت تماما في طبعة السلفية بالمدينة! وهذا مما ينبه اللبيب إلى مبلغ صحة قول مصحح هذه الطبعة تحت اسم الكتاب:
" قدم له وراجع أصوله " " عبد الرحمن...."
1 / 7
باب: وصف المخطوطة
ونسختنا المخطوطة، هي فيما يبدو أقيم وأصح من مخطوطة الطبعة الهندية، فإنها مصححة ومقابلة على نسخة المصنف التي كانت بخطه، فقد جاء على هامش الوجه الأخير منها ما نصه:
" بلغ مقابلة على نسخة المصنف بخطه التي نقلت منها فصح الكلام وله الحمد والمنة ". ونحوه على هامش الوجه الثاني من الورقة "٣١" وغيرها من المواضع.
وناسخها عالم فاضل متدين، معروف بطلب العلم، والنسخ لنفسه ولغيره فقد جاء في آخرها ما نصه:
" علقه فقير رحمة الله وراجيها، وشفاعة نبيه مُحَمَّدٍ ﷺ مساعد بن أبي الليل السخاوي عفا الله عنه وعن والديه ومشايخه وجميع المسلمين. والحمد لله وحده وصلاته وسلامه على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
وعلى الوجه الأول من الورقة الأولى منها ما نصه:
" وقد أجازني بجميع تآليف الشيخ "يعني الحافظ الذهبي" ولده شيخنا زين الدين عبد الرحمن، وقرأت عليه بقرية كفر بطنا أجزاء عدة غير ما سمعته ... وكتبه مساعد بن ساري بن مسعود بن عبد الرحمن بن رحمة الحميري الهواري السخاوي وذلك بقرية "الشبعا" من المرج القبلي لدمشق سنة "٨٥٧" "" هجرية ".
كذا وقع بخطه ٨٥٧ وهو مشكل، لأن وفاته كانت قبل ذلك بسنين، فقد ذكر السخاوي في "الضوء اللامع" "٩/ ١٥٥" وابن العماد في "الشذرات "
1 / 8
" ٧/ ١٤٣" أنه توفي سنة تسع عشرة وثمانمائة، ولعله وهم في كتبه ٨٥٧ والله أعلم.
وجاء في ترجمته ﵀ ما ملخصه:
" ولد سنة بضع وثلاثين وسبعمائة، وطلب بعد أن كبر، فقرأ على الشيخ صلاح الدين العلائي وغيره، ومهر في الفرائض والميقات وكتب بخطه الكثير لنفسه ولغيره ثم سكن دمشق وانقطع بقرية "عقربا"، وكان الرؤساء يزرونه وهو لا يدخل البلد، مع أنه لا يقصده أحد إلا أضافه وتواضع معه. وكان متدينا متقشفا سليم الباطن حسن الملبس مستحضرا الكثير من الفوائد وتراجم الشيوخ الذين لقيهم. وتوفي بقرية "عقربا" شهيدا بالطاعون ".
قلت: وهذه المخطوطة وإن كانت لا تخلو من خرم وبعض الأوهام فإنا قد استفدنا منها فوائد كثيرة جدا بالنسبة للمطبوعات، والكثير منها ظاهر في هذا المختصر أيضا ولكثرتها لم أنبه إلا على بعضها، لا سيما ما كان منها متعلقا بتصحيح بعض الألفاظ أو الجمل، وأما الزيادات فقد جعلتها بين معكوفتين []، وقد أنبه على أنها من المخطوطة، وليس ذلك دائما لأنني استفدت بعضها من مصادر أخرى وأهمها رسالة المؤلف نفسه المخطوطة، والمحفوظة في دار الكتب الظاهرية في المجموع "٤٧ ق١٠٤-١١١" تحت عنوان "مختصر من الذهبية" أولهما بعد البسملة:
" فصل هذه جملة من أقوال التابعين وهو أول وقت سمعت مقالة من أنكر أن الله فوق العرش ... "
وهي مع كونها نسخة سيئة فيها أخطاء كثيرة كما يتبين لنا بعد نسخها، ومقابلتها بالأصل، فقد استفدنا منها بعض الفوائد والزيادات وتصحيح بعض الآثار كما تراه في تعليقنا على هذا المختصر ربما نبهت فيها على بعضها بقولي: "وفي مختصر المؤلف ".
1 / 9
ومن ذلك الجزء الأول من "كتاب الأربعين في صفات رب العالمين" للمؤلف أيضا، وهي مخطوطة منقولة من خط المؤلف أيضا محفوظة في دار الكتب أيضا تحت رقم "١١ - مجموع"، فقد ذكر فيها كثيرا من أقوال الأئمة الواردة في الأصل: "العلو" واستفدنا منها بعض التصحيحات لأسانيد بعض الآثار وغير ذلك.
وجملة القول أنني أرجو الله تعالى أن يكون هذا "المختصر" بما فيه من مادة علمية منقولة أقرب ما يكون مطابقة لما كانت عليه نسخة المؤلف رحمه الله تعالى لاعتمادي على المخطوطة المشار إليها وغيرها من المصادر المذكورة.
وقد جاء عنوان الكتاب في المخطوطة مخالفا بعض الشيء له في المطبوعة، ففي المخطوطة "العلو للعلي العظيم، وإيضاح صحيح الأخبار من سقيمها" وفي المطبوعة "العلو للعلي الغفار في صحيح الأخبار وسقيمها ". فآثرت ما في المخطوطة لأمرين:
الأول: أنها أصح من المطبوعة كما سبق:
والآخر: أنه جاء في خطبة الكتاب: "الحمد لله العلي العظيم"، فكان ما في المخطوطة أنسب لهذا اللفظ مما في المطبوعة، على أنني أخشى أن يكون العنوان الآخر من المطبوعة قد تصرف به بعض المصححين أو غيره.
وقد التزمت في اختصاره الأمور التالية:
١- حذفت المكرر منه، وهو قليل.
٢- والأحاديث الضعيفة الغرائب التي ليس لها شواهد معتبرة، تمكن تقويتها بها، على ما تقتضيه شروط التقوية المقررة في علم مصطلح الحديث. والمصنف نفسه لم يروها غالبا إلا لتزييفها والكشف عن حالتها كما قال عقب أحدها ص٢٨ من الأصل. وقال في حديث آخر "ص٤٥":
" رويته للتحذير منه ".
1 / 10
وقد يورد الحديث الضعيف وهو على علم به، لأن فيه ما يشهد له في الآيات والأحاديث الأخرى كما فعل في حديث الأطيط، فقد قال عقبة "ص٣٩":
" وهذا الحديث إنما سقناه لما فيه مما تواتر من علو الله تعالى فوق عرشه بما يوافق آيات الكتاب ".
قلت: وأما أنا فقد جريت في هذا "المختصر" على حذفه وحذف أمثاله من الأحاديث الضعيفة، لأنها وإن كانت تتضمن بعض الحق الذي ورد في النصوص الصحيحة، فإنها على الغالب لا تخلو من زيادات إن لم تكن باطلة أو منكرة فهي على الأقل غريبة لا يوجد لها من الشواهد ما يدعمها فقد يتوهم بعض القراء من ذكرها أنها ثابتة برمتها دون أن ينتبه لكون الشاهد لها، إنما هو شاهد لبعض ما فيها كما سبق. هذا إذا صلحت النية وإلا فقد يستغلها بعض أهل الأهواء والتعصب الخبيث على أهل الحديث، ويوردها محتجا بها لصرفه دلالة الروايات الصحيحة عن الحق الذي دلت عليه وحملها على معاني باطلة اعتمادا منه على مجرد ذكر المؤلف لها، وهو إنما أوردها على سبيل الاستشهاد بها في الجملة لا في التفصيل. من أمثلة ذلك ما صنعه الكوثري المشهور بحديث الجارية الصحيح الآتي برقم "٢"، فإنه استغل أسوأ الاستغلال الرواية الثانية التي أوردها المصنف في الأصل عقب الحديث المذكور كشاهد لها في الجملة لا في التفصيل، فجاء الكوثري واعتمد عليها جملة وتفصيلا عازيا إياها للمصنف، موهما القارئ أنها ثابتة عنده، فضرب بها الحديث الصحيح، وأبطل بها دلالته الصريحة على مشروعية السؤال بـ"أين الله" لأنه لم يقع فيها هذا اللفظ، وإسنادها ضعيف. كما تراه مشروحا في التعليق عليه قريبا إن شاء الله تعالى.
من أجل ذلك وغيره أعرضت عن ذكر الرواية المذكورة ونحوها من الأحاديث الضعيفة، ففي ما ثبت منها خير وبركة وغنية.
٣- وقد أحذف ما صرح المؤلف بثبوته أو نقله عن غيره لعلة قادحة ظهرت لي. كحديث أبي هريرة مرفوعا: "لَمَّا أُلْقِيَ إِبْرَاهِيمُ ﵇ فِي النَّارِ قَالَ:
1 / 11
اللَّهُمَّ إِنَّكَ وَاحِدٌ فِي السَّمَاءِ، وَأَنَا فِي الأَرْضِ وَاحِدٌ أَعْبُدُكَ ". قال المؤلف "ص٢١": "حسن الإسناد ".
وأقول: كلا، فإن فيه علتين بينتهما في "الأحاديث الضعيفة" "١٢١٦ ".
وكحديث الأوعال الذي يروى عن العباس "ص٤٩-٥٠"، وهو مخرج في "المصدر السابق "١٢٤٧ ".
إلى غير ذلك من الأحاديث الضعيفة التي سكت المصنف عنها أو بين ضعفها، أو حسن بعضها، لذاتها أو لغيرها، وهي ليست كذلك عندنا، وهو وإن كان أعرض عن بعضها كما يشعر بذلك قوله في الترجمة "١٥٢ - القاضي أبو يعلى": "وسرد كلاما طويلًا، لكنه ساق أحاديث ساقطة لا يسوغ أن يثبت بمثلها لله صفة" وإني كنت أحب له أن ينزه كتابه من الأحاديث التي يراها ضعيفة ولا سيما مما سكت عليه منها. فإن كثيرا من الأحاديث الضعيفة، لا يتنبه لأثرها السيء في الأمة إلا أفراد قليلون من أهل العلم وقد ذكرنا في "سلسلة الأحاديث الضعيفة" نماذج كثيرة منها. وبينا مبلغ ضررها وغالبها لا تعلق لها بالعقيدة وإنما هي في الأحكام والأخلاق ونحوها. ومما لا شك فيه أن ما كان منها متعلقا في العقيدة قد يكون أشد ضررا من غيرها لأنها قد تفسد عقيدة بعض من لا علم عنده بالتوحيد ولوازمه أو يتخذه بعض أهل الأهواء سلاحا لمحاربة أهل التوحيد أنفسهم المثبتين لله تعالى كل صفة ثابتة في الكتاب أو السنة دون تمثيل أو تعطيل واتهامه إياهم بالتشبيه والتجسيم مع علمه تصريح أهل التوحيد بوجوب تنزيه الله تعالى عن التشبيه والتعطيل معا.
وقد أشار إلى شيء من هذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، فقد قال في كتابه "مفصل الاعتقاد" "ص٩-٤ مجموعة الفتاوى" "من المعلوم أن أهل الحديث يشاركون كل طائفة فيما يتحلون به من صفات الكمال ويمتازون عنهم بما ليس عندهم فإن المنازع لا بد أن يذكر فيما يخالفهم فيه طريقا أخرى مثل المعقول والقياس والرأي ... وكل هذه الطرق لأهل الحديث صفوتها
1 / 12
وخلاصتها فهم أكمل الناس عقلا، وأعدلهم قياسا، وأصوبهم رأيا، وأصحهم نظرا، وأهداهم استدلالا وأقومهم جدلا وأتمهم فراسة ... " ثم قال "ص٢٣":
"وإذا قابلنا بين الطائفتين -أهل الحديث وأهل الكلام- فالذي يعيب بعض أهل الحديث وأهل الجماعة بحشو القول إنما يعيبهم بقلة المعرفة أو بقلة الفهم.
أما الأول فبأن يحتجوا بأحاديث ضعيفة وموضوعة، أو بآثار لا تصلح للاحتجاج.
وأما الثاني: فبأن لا يفهموا معنى الأحاديث الصحيحة، بل قد يقولون القولين المتناقضين، ولا يهتدون للخروج من ذلك. والأمر راجع إلى شيئين: إما رواية "الأصل: زيادة" أقوال غير مفيدة يظن أنها مفيدة كالأحاديث الموضوعة، وإما أقوال مفيدة لكنهم لا يفهمونها إذا كان إتباع الحديث يحتاج أولا إلى صحة الحديث وثانيا إلى فهم معناه كإتباع القرآن والجهل يدخل عليهم من ترك إحدى المقدمتين ومن عابهم من الناس فإنما يعيبهم بهذا.
ولا ريب أن هذا موجود في بعضهم، يحتجون بأحاديث موضوعة في مسائل الأصول والفروع وبآثار مفتعلة وحكايات غير صحيحة ويذكرون من القرآن والحديث ما لا يفهمون معناه وربما تأولوه على غير تأويله ووضعوه على غير موضعه.
ثم إنهم بهذا المنقول الضعيف والمعقول السخيف قد يكفرون ويضللون ويبدعون أقواما من أعيان الأمة ويجهلونهم، ففي بعضهم من التفريط في الحق والتعدي على الخلق ما قد يكون بعضه خطأ مغفورا وقد يكون منكرا من القول وزورا، وقد يكون من البدع والضلالات التي توجب غليظ العقوبات. فهذا لا يذكره إلا جاهل أوظالم وقد رأيت لهذا عجائب.
لكنهم بالنسبة إلى غيرهم في ذلك كالمسلمين بالنسبة إلى بقية الملل، ولا
1 / 13
ريب أن في كثير من المسلمين من الظلم والجهل والبدع والفجور ما لا يعلمه إلا من أحاط بكل شيء علما، لكن كل شر يكون في بعض المسلمين فهو في غيرهم أكثر، وكل خير يكون في غيرهم فهو فيهم أعلى وأعظم، وهكذا أهل الحديث بالنسبة إلى غيرهم ".
ثم شرع في تفصيل ذلك وبيانه بما يدل على مزية أهل الحديث على غيرهم من الفرق، فراجعه فإنك لن تراه عند غيره رحمه الله تعالى.
والمقصود من ذلك أن رواية الأحاديث الضعيفة من بعض المحدثين هو مما يعاب عليهم من قبل المخالفين لهم، وإن كان هؤلاء يفعلون ما هو أسوأ من ذلك كما أوضحه شيخ الإسلام في الكلام الذي أحلناك عليه آنفا.
ومن أشهر من أخذ ذلك عليهم في هذا العصر ويتخذه حجة في تسخيفهم وتضليلهم الشيخ الكوثري المعروف بعدائه الشديد لأهل السنة والحديث ونبزه إياهم بلقب الحشوية والمجسمة، وهو في ذلك ظالم لهم مفتر ولكن -والحق يقال- قد يجد أحيانا في ما يرويه بعضهم من الأحاديث والآثار ما يدعم به فريته مثل الحديث المروي في تفسير قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾ قال: يجلسني على العرش. رواه المصنف "ص٧٤-٧٥" عن ابن مسعود مرفوعا، وضعفه جدا بقوله: "مرسله الأحمر متروك الحديث ". ورواه "ص٩٩" عن ابن عباس مثله موقوفًا. وقال: "إسناده ساقط وعمر بن مدرك الرازي متروك وهذا مَشْهُورٌ مِنْ قَوْلِ مُجَاهِدٍ وَيُرْوَى مرفوعا وهو باطل".
وقد خرجت الحديثين في "الضعيفة" "٨٧١ ".
وقال في ترجمة محمد بن مصعب العابد كما يأتي:
"فأما قضية قعود نبينا على العرش، فلم يثبت في ذلك نص، بل في الباب حديث واه، وما فسر به مجاهد الآية كما ذكرناه ".
قلت: ولو أن المصنف رحمه الله تعالى وقف عند هذا البيان الواضح في أنه
1 / 14
ليس في الباب نص ملزم للأخذ به، لكان قد أحسن، وسد بذلك الطريق على أهل الأهواء أن يتخذوا ذلك ذريعة للطعن في أهل السنة والحديث كما فعل الكوثري هنا بالذات في مقدمته لكتاب "تبين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري" "ص٦٤" فقد قال فيهم بعد أن نبزهم بلقب الحشوية -أسوة بسلفه من الجهمية- وغيرهم١:
"ويقولون في الله مالا يجوزه الشرع ولا العقل من إثبات الحركة له "تعالى" والنقلة "ويعني بهما النزول" والحد والجهة "يعني العلو" والقعود والإقعاد ". فيعني هذا الذي نحن في صدد بيانه عدم ثبوته.
أقول: لو أن المؤلف ﵀ وقف عند ما ذكرنا لأحسن، ولكنه لم يقنع بذلك، بل سود أكثر من صفحة كبيرة في نقل أقوال من أفتى بالتسليم بأثر مجاهد في تفسير قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾ قال: يجلسه أو يقعده على العرش. بل قال بعضهم: "أنا منكر على كل من رد هذا الحديث وهو عندي رجل سوء متهم.." بل ذكر عن الإمام أحمد أنه قال: هذا تلقته العلماء بقبول إلى غير ذلك من الأقوال التي تراها في الأصل ولا حاجة بنا إلى استيعابها في هذه المقدمة. وذكر في "مختصره" المسمى ب "الذهبية" أسماء جمع آخرين من المحدثين سلموا بهذا الأثر ولم يتعقبهم بشيء هناك. وأما هنا فموقفه مضطرب أشد الاضطراب فبينما تراه يقول في آخر ترجمة محمد بن مصعب العابد عقب قول من تلك الأقوال "ص١٢٦":
" فأبصر -حفظك الله من الهوى- كيف آل الفكر بهذا المحدث إلى وجوب الأخذ بأثر منكر ... "
فأنت إذا أمعنت النظر في قوله هذا، ظننت أنه ينكر هذا الأثر ولا يعتقده، ويلزمه ذلك ولا يتردد فيه، ولكنك ستفاجأ بقوله "ص١٤٣" بعد أن
_________
١ انظر كلام الحافظ أبي حاتم الرازي في ترجمته "٧٧ ".
1 / 15
أشار إلى هذا الأثر عقب ترجمة حرب الكرماني:
" وغضب العلماء لإنكار هذه المنقبة العظيمة التي انفرد بها سيد البشر ويبعد أن يقول مجاهد ذلك إلا بتوقيف ... ".
ثم ذكر أشخاصا آخرين ممن سلموا بهذا الأثر غير من تقدم، فإذا أنت فرغت من قراءة هذا، قلت: لقد رجع الشيخ من إنكاره إلى التسليم به، لأنه قال: إنه لا يقال إلا بتوقيف! ولكن سرعان ما تراه يستدرك على ذلك بقوله بعد سطور:
"ولكن ثبت في "الصحاح" أن المقام المحمود هو الشفاعة العامة الخاصة بنبينا ﷺ".
قلت: وهذا هو الحق في تفسير المقام المحمود دون شك ولا ريب للأحاديث التي أشار إليها المصنف رحمه الله تعالى، وهو الذي صححه الإمام ابن جرير في "تفسيره" "١٥/ ٩٩" ثم القرطبي "١٠/ ٣٠٩" وهو الذي لم يذكر الحافظ ابن كثير غيره، وساق الأحاديث المشار إليها. بل هو الثابت عند مجاهد نفسه من طريقين عنه عند ابن جرير. وذاك الأثر عنه ليس له طريق معتبر، فقد ذكر المؤلف "ص١٢٥" أنه روي عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ وعطاء بن السائب وأبي يحيى القتات وجابر بن يزيد ". قلت: والأولان مختلطان والآخران ضعيفان بل الأخير متروك متهم.
ولست أدري ما الذي منع المصنف -عفا الله عنه- من الاستقرار على هذا القول، وعلى جزمه بأن هذا الأثر منكر كما تقدم عنه، فإنه يتضمن نسبة القعود على العرش لله ﷿، وهذا يستلزم نسبة الاستقرار عليه الله تعالى، وهذا مما لم يرد، فلا يجوز اعتقاده ونسبته إلى الله ﷿، ولذلك ترى المؤلف ﵀ أنكر على من قال ممن جاء بعد القرون الثلاثة: إن الله استوى استواء استقرار" كما تراه في ترجمة "١٤٠ - أبو أحمد القصاب ". وصرح في ترجمة "١٦١-
1 / 16
البغوي" أنه لا يعجبه تفسير "استوى" بـ"استقر". بل إنه بالغ في إنكار لفظة "بذاته" على جمع ممن قال: "هو تعالى فوق عرشه بذاته" لعدم ورودها عن السلف، مع أنها مفسرة لقولهم باستواء الله على خلقه حقيقة استواء يليق بجلاله وكماله، واعتبرها من فضول الكلام، فانظرترجمة "١٣٦ - ابن أبي زيد" و"١٤٤ - يحيى بن عمار" و"١٤٦ - أبو عمر الطلمنكي" و"١٤٩ - أبو نصر السجزي".
وهذه اللفظة "بذاته"، وإن كانت عندي معقولة المعنى، وأنه لا بأس من ذكرها للتوضيح فهي كاللفظة الأخرى التي كثر ورودها في عقيدة السلف وهي لفظة "بائن" في قولهم "هو تعالى على عرشه بائن من خلقه ". وقد قال هذا جماعة منهم كما ستراه في هذا "المختصر" في التراجم الآتية "٤٥ - عبد الله بن أبي جعفر الرازي" و"٥٣ - هشام بن عبيد الله الرازي" و"٥٦ - سنيد بن داود المصيصي الحافظ" "٦٧ - إسحاق بن راهويه عالم خراسان" وذكره عن ابن المبارك و"٧٧ - أبو زرعة الرازي" و"٨٧ - أبو حاتم الرازي" وحكياه عن العلماء في جميع الأمصار. و"٧٩ - يحيى بن معاذ الرازي" و"٨٤ - عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ الْحَافِظُ و"١٠٣ أبو جعفر ابن أبي شيبة" وكل هؤلاء من القرون الثلاثة المشهود لهم بالخيرية ثم "١٠٨ - حماد البوشنجي الحافظ" وحكاه عن أهل الأمصار "١٠٩ - إمام الأئمة ابن خزيمة ". و"١٢٥ - أبو القاسم الطبراني" و"١٣٣ - ابن بطة" و"١٤١ - أبو نعيم الأصبهاني" وعزاه إلى السلف. و"١٤٢ - معمر بن زياد" و"١٥٥ - الفقيه نصر المقدسي" و"١٥٨ - شيخ الإسلام الأنصاري" و"١٦٤ - ابن موهب ".
قلت: ومن هذا العرض يتبين أن هاتين اللفظتين: "بذاته" و"بائن" لم تكونا معروفين في عهد الصحابة ﵃. ولكن لما ابتدع الجهم وأتباعه القول بأن الله في كل مكان، اقتضى ضرورة البيان أن يتلفظ هؤلاء الأئمة الأعلام، بلفظ "بائن" دون أن ينكره أحد منهم.
1 / 17
ومثل وهذا تماما قولهم في القرآن الكريم أنه غير مخلوق، فإن هذه الكلمة لا تعرفها الصحابة أيضا، وإنما كانوا يقولون فيه: كلام الله ﵎ لا يزيدون على ذلك، وكان ينبغي الوقوف فيه عند هذا الحد، لولا قول جهم وأشياعه من المعتزلة: إنه مخلوق، ولكن إذا نطق هؤلاء بالباطل، وجب على أهل الحق أن ينطقوا بالحق ولو بتعابير وألفاظ لم تكن معروفة، من قبل وإلى هذه الحقيقة أشار الإمام أحمد رحمه الله تعالى حين سئل عن الواقفة الذين لا يقولون في القرآن إنه مخلوق أو غير مخلوق هل لهم رخصة أن يقول الرجل: "كلام الله" ثم يسكت؟ قال: ولم يسكت؟ لولا ما وقع فيه الناس كان يسعه السكوت، ولكن حيث تكلموا فيما تكلموا، لأي شيء لا يتكلمون؟! ١ سمعه أبو داود منه كما في "مسائله" "ص٢٦٣-٢٦٤ ".
قلت: والمقصود أن المؤلف رحمه الله تعالى، أقر لفظة "بائن" لتتابع أولئك الأئمة عليها دون نكير من أحد منهم، وأنكر اللفظة الأخرى وهي "بذاته" لعدم تواردها في أقوالهم. إلا بعض المتأخرين منهم، فأنكر ذلك مبالغة منه في المحافظة على نهج السلف، مع أن معناها في نفسه سليم وليس فيها إثبات ما لم يرد، فكنت أحب له ﵀ أن لا يتردد في إنكار نسبة القعود إلى الله تعالى وإقعاده مُحَمَّدًا ﷺ على عرشه ما دام أنه لم يأت به نص ملزم عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، ومعناه ليس له شاهد في السنة، ومعناه ولفظه لم يتوارد على ألسنة الأئمة، وهذا هو الذي يدل عليه بعض كلماته المتقدمة حول هذا الأثر، ولكنه لما رأى كثيرا من علماء الحديث أقروه لم يجرؤ على التزام التصريح بالإنكار، وإنما تارة وتارة، والله تعالى يغفر لنا وله.
ومن العجيب حقا أن يعتمد هذا الأثر الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى فإنه نقل كلام القاضي أبي يعلى فيه وبعض أسماء القائلين به، ثم قال ابن القيم ﵀:
_________
١ قلت: ولو أن الشيخ المقبلي تنبه لهذا لما قعقع على الإمام أحمد بما قعقع به.
1 / 18
" قلت: وهو قول ابن جرير الطبري وإمام هؤلاء كلهم مجاهد إمام التفسير وهو قول أبي الحسن الدارقطني ومن شعره فيه".
ثم ذكره مثلما ذكره المصنف فيما يأتي في ترجمة "١٣٤ - الدراقطني" وزاد بيتا رابعا لعل المصنف تعمد حذفه:
"ولا تنكروا أنه قاعد ... ولا تنكروا أنه يقعده"!
قلت: وقد عرفت أن ذلك لم يثبت عن مجاهد، بل صح عنه ما يخالفه كما تقدم. وما عزاه للدارقطني لا يصح إسناده كما بيناه في "الأحاديث الضعيفة" "٨٧٠" وأشرت إلى ذلك تحت ترجمة الدارقطني الآتية. وجعل ذلك قولا لابن جرير فيه نظر، لأن كلامه في "التفسير" يدور على إمكان وقوع ذلك كما سبق لا أنه وقع وتحقق، ولذلك قال الإمام القرطبي في "تفسيره" "١٠/ ٣١١":
"وعضد الطبري جواز ذلك بشطط من القول، وهو لا يخرج إلا على تلطف في المعنى وفيه بعد، ولا ينكر مع ذلك أن يروى، والعلم يتأوله "
ثم بين وجه تأويله، بما لا حاجة بنا إلى ذكره والنظر فيه، ما دام أنه أثر غير مرفوع، ولو افترض أنه في حكم المرفوع، فهو في حكم المرسل الذي لا يحتج به في الفروع فضلا عن الأصول، كما ذكرت ذلك أو نحوه فيما يأتي من التعليق على قولة بعضهم: "ولا نتكلم في حديث فيه فضيلة للنبي ﷺ بشيء"! التعليق "٢٦٥".
ولعل المصنف رحمه الله تعالى يشير إلى ذلك بقوله في ترجمة "١٦٥ - القاضي العلامة أبو بكر بن العربي" وقد نقل عنه القول بهذا القعود معه على العرش: قال:
"وما علمت للقاضي مستندا في قوله هذا سوى قول مجاهد".
وخلاصة القول: إن قول مجاهد هذا -وإن صح عنه- لا يجوز أن يتخذ
1 / 19
دينا وعقيدة، ما دام أنه ليس له شاهد من الكتاب والسنة، فيا ليت المصنف إذ ذكره عنده جزم برده وعدم صلاحيته للاحتجاج به، ولم يتردد فيه، فإنه هو اللائق به، وبتورعه من إثبات كلمة "بذاته" والله المستعان.
٤- وحذفت أيضا ما جزمت بأنه من الإسرائيليات، ولو كان صحيح الإسناد، إلا إذا كان معناه موافقا للكتاب والسنة.
٥- وتسامحت في إيراد بعض الأثار والأقوال التي في السند إلى أصحابها ضعف أو جهالة، لأنها ليست كالأحاديث المرفوعة التي يجب الاحتجاج بها واتخاذها دينا، وإنما ذكرت للاستئناس بها والاستشهاد فقط.
٦- وحذفت من إسناد الحديث والأثر ما لا فائدة فيه بالنسبة لعامة القراء لا سيما في هذا "المختصر"، وإنما أبقيت الضروري منه كاسم الصحابي، أو التابعي، أو غيرهما ممن نسب القول إليه في السند.
٧- وقد رقمت أحاديث الكتاب وآثاره برقم متسلسل من أوله إلى آخره. وكذلك رقمت تراجم الأئمة الذين روى المصنف أو نقل عنهم القول بأن الله على العرش، رقمتها بأرقام متسلسلة، ووضعت بجانبها الأيسر بين معكوفتين [] سنة ولادة المترجم ووفاته، لأيسر بذلك على القراء متابعة تسلسل القول بذلك من إمام إلى إمام، ومن سنة إلى ما بعدها، حتى آخر القرن السادس.
٨- وخرجت أحاديث الكتاب وآثاره، وعزوت كل قول من الأقوال المذكورة فيه إلى مصدره الذي عزاه المصنف إليه، مطبوعا كان أو مخطوطا بقدر الإمكان، وعلقت عليه بتعليقات مفيدة، أكثرها في تحقيق الكلام على أسانيد تلك الآثار والأقوال، للتثبت من ما صح منها نسبة إلى قائلها وما لم يصح، فتبين لنا أن أكثرها صحيح ثابت -والحمد لله- على طريقة أهل الحديث ونقدهم للأسانيد.
1 / 20
٩- وقد رأيت من تمام الفائدة أن أضع تعليقات مفيدة على أخباره، أهمها تخريج أحاديثه وآثاره، مع ترقيمها بأرقام متسلسلة من أول الكتاب إلى آخره.
1 / 21
باب: موضوع الكتاب وخطورته
...
موضوع الكتاب وخطورته
اعلم أيها القارئ الكريم أن هذا الكتاب قد عالج مسألة هي من أخطر المسائل الاعتقادية التي تفرق المسلمون حولها منذ أن وجدت المعتزلة حتى يومنا هذا، ألا وهي مسألة علو الله ﷿ على خلقه، الثابتة بالكتاب والسنة المتواترة المدعم بشاهد الفطرة السليمة، وما كان لمسلم أن ينكر مثلها في الثبوت، لولا أن بعض الفرق المنحرفة عن السنة فتحوا على أنفسهم وعلى الناس من بعدهم باب التأويل، فلقد كاد الشيطان به لعدوه الإنسان كيدا عظيما، ومنعهم به أن يسلكوا صراطا مستقيما، كيف لا وهم قد اتفقوا على أن الأصل في الكلام أن يحمل على الحقيقة، وأنه لا يجوز الخروج عنها إلى المجاز إلا عند تعذر الحقيقة، أو لقرينة عقلية أو عرفية أو لفظية كما هو مفصل في محله، ومع ذلك فإنك تراهم يخالفون هذا الأصل الذي أصلوه، لأتفه الأسباب، وأبعد الأمور عن منطق الإنسان المؤمن بكلام الله وحديث نبيه حقا، فهل يستقيم في الدنيا فهم أو تفاهم إذا قال قائل مثلا: "جاء الأمير" فيأتي متأول من أمثال أولئك المتأولين، فيقول في تفسير هذه الجملة القصيرة: يعني جاء عبد الأمير، أو نحو ذلك من التقدير. فإذا أنكرت عليه ذلك أجابك بأن هذا مجاز فإذا قيل له: المجاز لا يصار إليه إلا عند تعذر الحقيقة وهي ممكنة هنا أو لقرينة لا قرينة هنا "١" سكت أو جادلك بالباطل.
_________
١ قرائن المجاز الموجبة للعدول إليه عن الحقيقة ثلاث: العقلية كقوله تعالى: ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا﴾ أي أهلهما. ومنه: ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ﴾ .
الثانية: الفوقية مثل ﴿يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا﴾ أي مر من يبني، لأن مثله مما يعرف أنه لا يني.
الثالثة: نحو "مثل نوره" فإنها دليل على أن الله غير النور.
قال أهل العلم: وأمارة الدعوة الباطلة تجردها عن أحد هذه القرائن، انظر: "إيثار الحق على الخلق" "ص١٦٦-١٦٧" للعلامة المرتضى اليماني.
1 / 22