Mukhtasar al-Mukhtasar in Clarification of the Creed of Ahl al-Sunna wa al-Athar
مختصر المختصر في بيان عقيدة أهل السنة والأثر
Numéro d'édition
الأولى
Année de publication
١٤٤١ هـ - ٢٠١٩ م
Genres
مختصر المختصر في بيان عقيدة أهل السنة والأثر
تأليف الدكتور
عبد الهادي بن عوض العمري
عضو الجمعية العلمية السعودية لعلوم العقيدة والأديان والفرق
والمذاهب بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية
الطبعة الأولى ١٤٤١ هـ - ٢٠١٩ م
1 / 1
بسم الله الرحمن الرحيم
1 / 3
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدِّمة
"الحمدُ للهِ الذي جعل في كلِّ زمانٍ ثُلَّةً من أهلِ العلمِ يدعون من ضلَّ إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يُحيون بكتابِ الله الموتى، ويُبَصِّرون بنورِ الله أهل العمى، فكم من قتيلٍ لإبليسَ قد أحيوه! وكم من تائهٍ ضالٍّ هدوه! فما أحسن أثرهم على النَّاس وأقبح أثر النَّاس عليهم، ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، الذين عقدوا ألوية البدعة، وأطلقوا عنان الفتنة، فهم مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، متفقون على مفارقة الكتاب، يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم، يتكلَّمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهَّال الناس بما يلبسون عليه فنعوذ بالله من فتن المضلِّين" (^١).
والصَّلاة والسَّلام على إمام المتقين، وقائد الغرِّ المحجَّلين نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمَّا بعد:
فلقد دأب نبيُّنا محمَّدٌ ﷺ على تقرير العقيدة منذ أن نُبِّئ بـ ﴿اقرأ﴾ وأُرسل بالمدثِّر، ولكن بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى وبعد مُضيِّ عصر الخلافة
_________
(^١) خطبة الإمام أحمد في كتابة: الرد على الزنادقة والجهمية، ص ٦.
1 / 5
الراشدة ظهرت الفرق المخالفة لما كان عليه ﷺ وأصحابه حتى التبس على كثيرٍ من النَّاس ما كان عليه هدي نبيِّها، وسلفها الصالح؛ بفعل أئمَّةٍ ضُلَّال، وسفهاء جُهَّال؛ فأصبح لزامًا على كلِّ من أراد النجاة لنفسه والسلامة لدينه أن يعلم ما يجلو به عن نفسه ذلك اللَّبس؛ ليتبيَّن له الحقُّ ويعمل على هدى ونور.
ومن هنا بدأت فكرة هذه الورقات المختصرة لبيان عقيدة أهل السُّنَّة والجماعة ومنهجهم المستقيم، وتمييزها عمَّا لبَّسه المخالفون، وانتهجه المبطلون.
وبعد أن كتبتُ مباحثها، وراجعتُ مادَّتها وقع الاختيار على تسمية تلك الورقات بـ (مختصر المختصر في بيان عقيدة أهل السُّنَّة والأثر)، وجاءت في مقدِّمة، وفصلين، وخاتمة، ثم ثبت المصادر والمراجع، وفهرس الموضوعات.
المقدِّمة: توطئة بين يدي البحث.
الفصل الأول: التعريف بأهل السُّنَّة والجماعة.
وفيه خمسة مباحث:
المبحث الأول: تعريف أهل السُّنَّة لغةً واصطلاحًا.
المبحث الثاني: تعريف السُّنَّة لغةً واصطلاحًا.
المبحث الثالث: تعريف الجماعة لغةً واصطلاحًا.
المبحث الرابع: نشأة مصطلح أهل السُّنَّة والجماعة.
المبحث الخامس: أدلة التسمية بأهل السُّنَّة والجماعة.
1 / 6
الفصل الثاني: سمات أهل السُّنَّة والجماعة والجماعة.
وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: الأسماء التي عُرف بها أهل السُّنَّة تمييزًا عن غيرهم.
المبحث الثاني: خصائص أهل السُّنَّة والجماعة.
المبحث الثالث: مصادر التلقِّي عند أهل السُّنَّة والجماعة.
الخاتمة: وفيها تلخيصٌ لأهمِّ نتائج البحث.
وأسال الله تعالى أن ينفع بهذا البحث كاتبه وقارئه، وأن يجعله خالصًا لوجهه الكريم.
1 / 7
الفصل الأول: التعريف بأهل السنة والجماعة
وفيه خمسة مباحث:
المبحث الأول: تعريف أهل السَّنَّة لغة واصطلاحا.
المبحث الثاني: تعريف السَّنَّة لغة واصطلاحا.
المبحث الثالث: تعريف الجماعة لغة واصطلاحا.
المبحث الرابع: نشأة مصطلح أهل السَّنَّة والجماعة.
المبحث الخامس: أدلة التسمية بأهل السَّنَّة والجماعة.
1 / 9
المبحث الأول:
التعريف بأهل السُّنَّة
أهل الشيء هم أخصُّ الناس به، ويأتي في المعنويات وفي المحسوسات يقال في اللُّغة: أهل الرجل: أخصُّ الناس به، وأهلُ البيت: سكَّانه، وأهل الأمر: ولاته، وأهل المذهب: مَن يدين به (^١).
وإذا أُطلق مصطلح أهل السُّنَّة فالمراد به أحد معنيين:
المعنى الأول: معنى عامٌّ فيدخل فيه كل ما سوى الرافضة (^٢)، من الطوائف المنتسبة للإسلام.
فيقال المنتسبون للإسلام قسمان: أهل السُّنَّة والشيعة، كما بيَّن ذلك شيخ الإسلام ﵀: "هو المعنى المشهور عند العامَّة، فإنهم لايعرفون ضد السنِّي إلا الرافضي، فإذا قال أحدهم: أنا سنِّيٌّ فإنما معناه عندهم: لست رافضيًّا" (^٣).
_________
(^١) مقاييس اللغة، لابن فارس ١/ ١٥٠، ولسان العرب، لابن منظور ١١/ ٢٩، مادة (أهل).
(^٢) ينظر: مقالات الإسلاميين ١/ ٨٩، ومنهاج السُّنَّة النبوية ٢/ ٩٦، وأصول مذهب الشيعة الإمامية ١/ ١٠٨.
(^٣) مجمل الاعتقاد، لابن تيمية ضمن مجموع الفتاوى ٣/ ٣٥٦، ومنهاج السُّنَّة النبوية ١/ ١٢١.
1 / 11
وقد ورد عن بعض السلف هذا المعنى، فقد سُئل سفيان الثوري ﵀ يا أبا عبد الله ما موافقة السُّنَّة؟ فقال: "القرآنُ كلام الله غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود من قال غير هذا فهو كافر، والإيمان قولٌ وعملٌ ونيَّة يزيد وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، ولا يجوز القول إلا بالعمل، ولا يجوز القول والعمل إلا بالنيَّة، ولا يجوز القول والعمل والنيَّة إلا بموافقة السُّنَّة.
فقال شعيبٌ فقلتُ له: يا أبا عبد الله وما موافقة السُّنَّة؟: قال تقدمة الشيخين أبي بكر وعمر ﵄ " (^١).
المعنى الثاني: معنى خاصٌّ، وهو ما يقابل المبتدعة وأهل الأهواء، وهو الأكثر استعمالًا وعليه كتب الجرح والتعديل (^٢).
قال أبو حاتم الرازي ﵀ عما ما وُصِف به الإمام مالك ﵀ من أنه جمع بين السُّنَّة والحديث، فأجاب ﵀: "سمعت أحمد بن سنان الواسطي يقول: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: سفيان الثوري إمامٌ في الحديث، وليس بإمام في السُّنَّة، والأوزاعي إمامٌ في السُّنَّة وليس بإمامٍ في الحديث، ومالك إمامٌ فيهما جميعًا" (^٣).
_________
(^١) رواه اللالكائي في شرح أصول الاعتقاد ١/ ١٥٢.
(^٢) مجموع الفتاوى ٢/ ٧ - ٨.
(^٣) ينظر: مجمع الأحباب وتذكرة أولي الألباب، محمد بن الحسن بن عبد الله الحسيني الواسطي ٣/ ٣٣٠.
1 / 12
المبحث الثاني:
تعريف السُّنَّة لغةً واصطلاحًا
السُّنَّة في اللغة: مشتقَّةٌ من سنَّ الشيء: إذا أرسله، قال ابن فارس: «السين والنون أصلٌ واحدٌ مطرد، وهو جريان الشيء واطرادُهُ في سهولة، والأصل قولهم سَنَنْتُ الماءَ على وجهي أسُنُّهُ سَنًّا: إذا أرسلتُه إرسالًا» (^١)، وهي الطريقة والسيرة (^٢).
قال الأزهري: السُّنَّة: الطريقة المحمودة المستقيمة، ولذلك قيل فلان من أهل السُّنَّة معناه: من أهل الطريقة المستقيمة المحمودة (^٣).
أما في اصطلاح المحدثين فهي: ما أُثر عن النبي ﷺ من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خَلْقيَّة أو خُلُقيَّة أو سيرة، سواءً كان قبل البعثة أو بعدها (^٤).
وفي اصطلاح الأُصوليين تُطلق السُّنَّة "على ما جاء منقولًا عن النَّبي
_________
(^١) مقاييس اللغة، ابن فارس ٣/ ٦٠.
(^٢) ينظر: النهاية، ابن الأثير ٢/ ٤٠٩.
(^٣) ينظر: تهذيب اللغة، الأزهري، ١٢/ ٧٢.
(^٤) ينظر: توجيه النظر إلى أصول الأثر، طاهر الدمشقي، ص ٣، واليواقيت والدرر في شرح نخبة أهل الفكر، ابن حجر ٢/ ١٩٣.
1 / 13
ﷺ على الخصوص مما لم ينص عليه في الكتاب العزيز بل إنما نص عليه من جهته ﵊، كان بيانًا لما في الكتاب أولًا، وتطلق على ما جاء عن النبي ﷺ من قول أو فعل أو تقرير" (^١).
وتطلق السُّنَّة في مقابلة البدعة، قال الشاطبي ﵀: "ويُطلق - أي لقب السُّنَّة- في مقابلة البدعة فيقال: فلانٌ على سُنَّة إذا عمل على وفق ما عليه النبي ﷺ كان ذلك مما نص عليه في الكتاب أولًا ويقال: فلان على بدعة: إذا عمل على خلاف ذلك" (^٢).
وقال ابن رجب ﵀: "السُّنَّة: هي الطريق المسلوك فيشمل ذلك التمسك بما كان عليه النبي ﷺ وخلفاؤه الراشدون من الاعتقادات والأعمال والأقوال، وهذه هي السُّنَّة الكاملة، ولهذا كان السلف قديمًا لايطلقون السُّنَّة إلا على ما يشمل ذلك كله، وروي ذلك عن الحسن، والأوزاعي، والفضيل بن عياض" (^٣).
_________
(^١) الموافقات، للشاطبي ٤/ ٣.
(^٢) المرجع نفسه ٤/ ٤.
(^٣) جامع العلوم والحكم، ص ٢٦٢.
1 / 14
المبحث الثالث:
تعريف الجماعة لغةً واصطلاحًا
الجماعة في اللغة، من (جمع)، قال في الصَّحاح: "الجمعُ: مصدرٌ مؤكّد جَمَعتُ الشيء، وقد يكون اسمًا لجماعة الناس، والجمع على جموع ... " (^١).
وفي لسان العرب: "الجمعُ: اسمٌ لجماعةِ الناس، والجَمْعُ مصدرٌ مؤكّد جمعت الشيء والجمع: المجتمعون، وجمعه: جموع، والجماعة والجميع والمجْمع، كالجمع" (^٢).
وفي الاصطلاح: هي لزوم الحق ولو كنت وحدك (^٣)، قال الإمام البربهاري ﵀ في تعريفه للجماعة:
_________
(^١) الصحاح، للجوهري ٣/ ١١٩٨.
(^٢) لسان العرب، لابن منظور ٢/ ٢٠٠.
(^٣) مات زيد بن عمرو بن نفيل قبل أن يبعث رسول الله ﷺ، فقال رسول الله ﷺ: يبعث يوم القيامة أُمَّةً وحده، أخرجه أحمد في مسنده ١/ ١٨٩، رقم ١٦٤٢، والنسائي في الكبرى، رقم ٨١٣١، وأبو يعلى في مسنده ٤/ ٤٢، رقم ٢٠٤٧، والحاكم في مستدركه ٣/ ٢٣٩، رقم ٤٩٥٦، والطبراني في معجمه ١/ ١٥١، رقم ٣٥٠، قال: الهيثمي: فيه مجالد، وهذا مما مدح من حديث مجالد، وبقيَّة رجاله رجال الصحيح، وإسناده حسن. ينظر: مجمع الزوائد ٩/ ٤١٦ - ٤١٧.
1 / 15
"والجماعة ما اجتمع عليه أصحاب رسول الله ﷺ في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان ﵃ " (^١).
وقال أيضًا: "والأساس الذي بيَّنا عليه الجماعة هم أصحاب محمد ﷺ ﵏ أجمعين وهم أهل السُّنَّة والجماعة" (^٢).
وقال العلامة عبد الرحمن بن إسماعيل المعروف - بأبي شامه- "وحيث جاء الأمر بلزوم الجماعة فالمراد به لزوم الحق وأتباعة، وإن كان المستمسك بالحق قليلًا، والمخالف كثيرًا؛ لأن الحق هو الذي كانت عليه جماعة الجماعة الأولى من النبي ﷺ وأصحابه ﵃، ولانظر إلى كثرة أهل الباطل بعدهم" (^٣).
وقال القاضي ابن أبي العز الحنفي: "والجماعة جماعة المسلمين وهم الصحابة ﵃ والتابعون لهم بإحسان إلى يوم الدين" (^٤).
ونلحظ أن هناك علاقةً وطيدةً بين مصطلح السُّنَّة ومصطلح الجماعة.
قال ابن عباس ﵄ في قول الله تعالى: " ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ
_________
(^١) شرح السُّنَّة، الإمام البربهاري، ص ١٠٥.
(^٢) المرجع نفسه، ص ٢١.
(^٣) الباعث على إنكار البدع والحوادث، ص ٣٤.
(^٤) شرح العقيدة الطحاوية ١/ ٣٢٦.
1 / 16
وُجُوهٌ﴾ (^١) "فأمَّا الذين ابيضَّت وجوههم فأهل السُّنَّة والجماعة" (^٢).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀: "والبدعة مقرونة بالفرقة، كما أن السُّنَّة مقرونة بالجماعة، فيقال أهل السُّنَّة والجماعة؛ كما يقال أهل البدعة والفرقة" (^٣).
_________
(^١) سورة آل عمران، آية ١٠٦.
(^٢) شرح أُصول اعتقاد السُّنَّة ١/ ٧٢.
(^٣) الاستقامة، ابن تيمية ١/ ٤٢.
1 / 17
المبحث الرابع:
نشأة مصطلح أهل السُّنَّة والجماعة
يرجع تاريخ إطلاق هذا اللفظ إلى صدر الإسلام عصر النبوة والقرون المفضَّلة، قال ابن عباس ﵄ في قوله تعالى: ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ﴾ (^١): "فأما الذين ابيضت وجوههم فأهل السُّنَّة والجماعة وأولوا العلم، وأما الذين اسودَّت وجوههم فأهل البدع والضلالة" (^٢).
وقال الشيخ الدكتور محمد الخميس- حفظه الله-: "ومصطلح أهل السُّنَّة والجماعة مصطلحٌ قديم، ويُقصد به: المتمسِّكون بسُنَّة النبي ﷺ وأصحابه ﵃ وتابعيهم، المتمسكون بما كان عليه جماعة المسلمين في الصدر الأول، وقد استنبط هذا المصطلح من الأحاديث التي تحض على اتباع السُّنَّة والتمسك بها والأمر بلزوم الجماعة وترك التفرُّق والاختلاف، فمن ذلك قوله ﷺ: «افترقت اليهود والنصارى على إحدى وسبعين أو ثنتين وسبعين فرقة كلها في النار، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار، إلا واحدة وهي الجماعة» (^٣)، فهذا أصل التسمية، وقد استعمل هذا المصطلح
_________
(^١) سورة آل عمران، آية ١٠٦.
(^٢) شرح أصول اعتقاد السُّنَّة ١/ ٧٢.
(^٣) أخرجه أحمد في المسند ٤/ ١٠٢، والطبراني ١٩/ ٣٧٧، والحاكم ١/ ٢١٨، وأبو داود ٤/ ١٩٨، وابن أبي عاصم في السنة ١/ ٧، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة ١/ ٤٠٤.
1 / 18
عند السلف حيث كانوا يدوّنون ما ينقلونه من عقائد أهل السُّنَّة كالإمام أحمد وابنه عبد الله وابن أبي عاصم والخلال وغيرهم، وسُمي أهل السُّنَّة بذلك؛ لأنهم الآخذون بسُنَّة رسول الله ﷺ العاملون بها وبمقتضاها المتبعون لقول رسول الله ﷺ: «عليكم بسُنَّتي» (^١)، وأما تسميتهم؛ فلأنهم اجتمعوا على الحق وأخذوا به" (^٢).
ولقد أُطلق هذا اللَّقب على كثيرٍ من أئمة السلف وسأذكر بعضًا منهم على سبيل المثال لا الحصر.
قال أيوب السختياني: "إني أخبر بموت الرَّجل من أهل السُّنَّة وكأني أفقد بعض أعضائي".
وقال أيضًا: "إن من سعادة الحدث والأعجمي أن يوفقهما الله لعالم من أهل السُّنَّة" (^٣).
وقال ابن جرير الطبري ﵀: "وأما الصواب من القول في رؤية المؤمنين
_________
(^١) أخرجه أحمد في المسند ٤/ ١٢٦، وأبو داود ٥/ ١٣، والترمذي وقال: هذا حديثٌ حسنٌ صحيح، والترمذي مع تحفة الأحوذي ٧/ ٤٣٨، وقال الألباني: سنده صحيح، ونقل تصحيحه عن الضياء المقدسي، مشكاة المصابيح ١/ ٥٨، رقم ١٦٥.
(^٢) التوضيحات الجلية على شرح الطحاوية ١/ ٣٣.
(^٣) التوضيحات الجلية ١/ ٦٠ - ٦١.
1 / 19
ربهم ﷿ يوم القيامة وهو ديننا الذي ندين الله به، وأدركنا عليه أهل السُّنَّة والجماعة فهو أن أهل الجنة يرونه على ما صحَّت به الأخبار عن رسول ﷺ " (^١).
وذكر هذا أيضًا أبو جعفر أحمد بن محمد الطحاوي بقوله: "هذا ذكر بيان اعتقاد أهل السُّنَّة والجماعة" (^٢).
_________
(^١) صريح السُّنَّة، ابن جرير، ص ٢٠.
(^٢) عقيدة أهل السُّنَّة والجماعة، ص ٥.
1 / 20
المبحث الخامس:
أدلة التسمية بأهل السُّنَّة والجماعة
أما تسمية أهل السُّنَّة والجماعة بهذا الاسم فهي ثابتةٌ بالنصوص الشرعية.
أولًا: من القرآن
قال تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ (^١).
قال الشيخ السعدي ﵀: هذه الآية فيها الحثُّ على التمسُّك بحبل الله الذي أوصله إليهم، وجعله السبب بينهم وبينه وهو دينه وكتابه، والاجتماع على ذلك وعدم التفرُّق، وأن يستديموا ذلك إلى الممات (^٢).
وقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ (^٣).
قال الشيخ السعدي ﵀: "دلَّت الآية الكريمة أن الدين يأمر بالاجتماع والائتلاف وينهى عن التفرُّق والاختلاف في أهل الدين وفي سائر مسائله الأصوليَّة والفروعيَّة" (^٤).
_________
(^١) سورة آل عمران، آية ١٠٣.
(^٢) ينظر: تيسير الكريم الرحمن ١/ ٢٣١.
(^٣) سورة الأنعام، آية ١٥٩.
(^٤) تيسير الكريم الرحمن ١/ ٥٢٨.
1 / 21
وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ (^١).
وجه دلالة الآية أن الله تعالى جمع بين مشاقة الرسول ﷺ وبين مخالفة سبيل المؤمنين في الوعيد، فلو كان اتباع غير سبيل المؤمنين مباحًا لما جمع بينه وبين المحظور ومتابعة غير سبيلهم تقع بمخالفة أقوالهم أو أفعالهم (^٢).
وقال تعالى: ﴿وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ﴾ (^٣).
قال الشيخ السعدي ﵀ في بيان الاستدلال بالآية: "وهم المؤمنون بالله وملائكته ورسله، المستسلمون لربهم، المنيبون إليه، واتِّباع سبيلهم أن يسلك مسلكهم في الإنابة إلى الله ﷿" (^٤).
ثانيًا: من السُّنَّة
عن معاوية بن أبي سفيان ﵁ أنه قال: قال رسول الله ﷺ: «إن أهل الكتاب افترقوا في دينهم على اثنتين وسبعين ملة وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ملة -يعني الأهواء- كلها في النار إلا واحدة وهي: الجماعة
_________
(^١) سورة النساء، آية ١١٥.
(^٢) أنوار التنزيل، للبيضاوي ١/ ٢٤٣ - . ٢٤٤.
(^٣) سورة لقمان، آية ١٥.
(^٤) تفسير الكريم الرحمن ٣/ ١٣٥١.
1 / 22
وإنه سيخرج في أمتي أقوامٌ تجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكَلَبُ (^١) بصاحبه، لايبقى منه عرق ولا مفصل إلادخله" (^٢).
وفي هذا تشبَّيه من النبي ﷺ لحال الزائغين من أهل البدع في استيلاء تلك الأهواء عليهم، وذهابها في كلِّ وادٍ مُرْدي، وفي سريان تلك الضلالة منهم إلى الغير يدعونهم إليها، ثم تنفرهم من العلم، وامتناعهم من قبوله حتى يهلكوا جهلًا -بحال صاحب الكَلَب، وسريان تلك العلَّة في عروقه ومفاصله، وحصول شبه الجنون منه ثم تعديه إلى الغير- بعقره إياه، وتنفره من الماء، وامتناعه عنه حتى يهلك عطشًا (^٣).
وقال ﷺ لحذيفة بن اليمان ﵁: «تلزمُ جمَاعةَ المسلمين وإمامَهم» (^٤).
_________
(^١) داءٌ يعرض للإنسان من عضِّ الكَلْبِ الكَلِب، فيصيبه شبه الجنون، فلا يعض أحدًا إلا كُلب وتعرض له أعراض رديئة ويمتنع من شراب الماء حتى يموت عطشًا. ينظر: النهاية ابن الأثير، ٤/ ١٩٥.
(^٢) رواه أحمد ٤/ ١٠٢، وأبو داود، ٥/ ٥ - ٦، والحديث صحيح بشواهده صححه الحاكم في المستدرك ووافقه الذهبي، ينظر: المستدرك مع التلخيص ١/ ١٢٨، وقال الألباني في ظلال الجنة في تخريج السُّنَّة: "حديثٌ صحيحٌ بما قبله وما بعده" انظر: السُّنَّة، لابن أبي عاصم مع ظلال الجنة.
(^٣) ينظر: شرح الطيبي على مشكاة المصابيح، باب الاعتصام بالكتاب والسُّنَّة ٢/ ٦٤١.
(^٤) أخرجه البخاري، كتاب المناقب، باب علامات النُّبوَّة في الإسلام ٢/ ٥٢٩ - ٥٣٠.
1 / 23
وقوله: «تلزم جماعة المسلمين»، أُخذ منه لفظ: أهل السُّنَّة والجماعة، وذلك لكون الحق في جماعة المسلمين في الأغلب (^١).
وفي الصحيحين عن أنس ﵁ في قصة الثلاثة الذين جاءوا بيوت النبي ﷺ فقال أحدهم: أُصلي اليل أبدًا، وقال الآخر: أصوم الدهر ولا أفطر، وقال الآخر: أنا اعتزل النساء فلا أتزوج، فقال رسول الله ﷺ لهم: «أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكنِّي أصوم وأفطر وأُصلِّي وأرقد وأتزوج النساء فمنْ رغب عن سنَّتي فليس منِّي» (^٢).
وهذا دليلٌ على أنَّ المشروع هو الاقتصاد في الطاعات؛ لأن إتعاب النفس فيها والتشديد عليها يفضي إلى ترك الجميع، والدين يسر، ولن يشاد الدين أحدٌ إلا غلبه، والشريعة المطهَّرة مبنيَّةٌ على التيسير وعدم التنفير، وقوله: «فمن رغب عن سنَّتي فليس منِّي» المراد بالسُّنَّة: الطريقة، والرغبةُ: الإعراض، وأراد ﷺ أن التارك لهديه القويم المائل إلى الرهبانية خارج عن الاتباع إلى الابتداع (^٣).
_________
(^١) ينظر: فتح الباري على صحيح البخاري، باب علامات النبوة في الإسلام ٤/ ٤٥٥.
(^٢) أخرجه البخاري، كتاب النكاح، باب الترغيب في النكاح، ٣/ ٣٥٤.
(^٣) ينظر: نيل الأوطار ٦/ ١٢٣.
1 / 24