Sélections de nouvelles
مختارات من القصص القصيرة
Genres
لم أكن قد تحدثت كثيرا مع كاملفورد من قبل، رغم أني أراه في النادي عادة. هو رجل غريب، يشاع عنه الكثير من الحكايات. فهو يكسب زرقه من الكتابة في الصحف، ثم ينفقه في نشر الشعر الذي يكتبه، فيما يبدو، للترويح عن النفس. خطر لي أن النظرية التي كونها عن الحدث ستكون بلا شك مشوقة حقا؛ بيد أنه رفض التحدث عن الأمر بتاتا في البداية، وتظاهر أنه قد صرف النظر عن المسألة كلها بوصفها ترهات فارغة. كدت أن أيأس من دفعه إلى الكلام حتى سألني في إحدى الأمسيات، من تلقاء نفسه، عما إذا كنت أظن أن السيدة آرمتيدج، التي كان يعلم أن علاقة صداقة تجمعني بها، لا تزال تعطي أهمية لتلك المسألة. وعندما عبرت عن رأيي بخصوص هذه المسألة، الذي كان مفاده أن السيدة آرمتيدج هي أكثرهم انزعاجا مما حدث، بدا متضايقا؛ وحثني على ترك بقيتهم لحالهم، وأن أكرس كل جهدي لمحاولة إقناعها هي بالذات أن المسألة برمتها كانت محض وهم، ولا يمكن أن تكون سوى ذلك. ثم أقر صراحة أن الأمر لا يزال لغزا بالنسبة إليه. وكان من السهل عليه اعتباره وهما، لولا حدث واحد تافه. وظل لفترة طويلة عازفا عن إخباري عما كان، لكن لهذا النوع من المواقف خلقت المثابرة، وفي النهاية تمكنت من استخلاص الأمر منه. وإليكم ما حكاه لي. «شاءت الصدفة أن نجد أنفسنا، نحن الستة، بمفردنا في حديقة النباتات الداخلية، في ليلة الحفل الراقص. كان أغلب الحضور قد غادروا بالفعل. وبينما كانت تعزف الفرقة آخر مقطوعة، كان صوت الموسيقى يتناهى إلى أسماعنا خافتا. انحنيت كي ألتقط مروحة جيسيكا التي كانت قد أسقطتها أرضا عندما لفت نظري فجأة شيء ما يلمع فوق عتبة من الفسيفساء أسفل مجموعة من النخل. لم يكن أي منا قد تحدث من قبل مع الآخرين؛ بل كان ذلك المساء أول مرة نتقابل فيها؛ إن كان ما حدث مجرد حلم. التقطت ذلك الشيء. وتجمع الآخرون حولي، وعندما نظر كل منا في عين الآخر أدركنا ماهيته؛ كان كأس نبيذ مكسورة، قدحا غريب الشكل مصنوع من الزجاج البافاري. لقد كان القدح الذي حلمنا جميعا أننا شربنا منه.»
لقد جمعت أجزاء القصة كما تراءى لي أنها قد حدثت. وعلى أي حال، الأحداث التي سأرويها كلها حقائق. وقد تبدلت أحوال أبطال تلك الحكاية منذ ذلك الحين، ما يجعلني آمل أنهم لن يقرءوها أبدا. وما كنت لأتكبد عناء سردها من الأساس، لولا أنها تحوي عبرة.
جلس ستة أشخاص حول الطاولة الكبيرة المصنوعة من خشب البلوط، في قاعة الطعام المكسوة جدرانها بألواح خشبية بذلك النزل المريح الذي يدعى «كنيبر هوف» في مدينة كونيجسبيرج الألمانية. كان الوقت قد تأخر ليلا. في الظروف العادية، ما كانوا ليظلوا مستيقظين حتى هذه الساعة، لكن بما أنهم وصلوا في القطار الأخير القادم من دانتسك، وتناولوا عشاء من أصناف الطعام الألماني؛ فقد بدا من الأفضل البقاء قليلا وتبادل الحديث. كان الصمت يعم المنزل على نحو غريب. كان قد ترك صاحب المنزل السمين الشموع المخصصة للضيوف على البوفيه، وتمنى لهم «ليلة سعيدة» منذ ساعة. وهكذا حوتهم روح المنزل القديم بين جنباتها.
إذا صدقت الأقاويل، فإن هنا، في هذه الغرفة تحديدا، طالما جلس الفيلسوف إيمانويل كانط وتحاور بنفسه مع آخرين. وعلى الجانب الآخر من الممر الضيق، كسا ضوء القمر الفضي الجدران التي أوت الرجل الضئيل الجسد ذا الوجه الشاحب بينما كان يعمل ويفكر طوال أربعين عاما؛ في حين أطلت النوافذ الثلاث العالية في قاعة الطعام على برج الكاتدرائية القديمة الذي يرقد جثمانه أسفله. كانت الفلسفة - التي تهتم بالظواهر البشرية، وتتوق للتجربة، ولا تخضع للقيود التي يفرضها العرف على كافة أشكال التفكير - تحوم في هواء الغرفة المشبع بالدخان.
كان القس ناثانيال آرمتيدج يتحدث قائلا: «لا ليس الأحداث المستقبلية، فمن الأفضل أن تظل خافية عنا. لكن أرى أنه ينبغي أن يسمح لنا بالاطلاع على مستقبل ذواتنا، أي طبعنا وشخصيتنا. ففي سن العشرين يكون المرء على شاكلة ما؛ وفي الأربعين، يصبح على شاكلة أخرى كلية، فتصير لديه آراء مختلفة، واهتمامات مغايرة، ونظرة أخرى للحياة؛ تجذبه سمات مختلفة تماما عما اعتاد، وينفر من الصفات نفسها التي رآها يوما ما جذابة. إنه أمر مربك حقا، لجميع البشر.»
ردت السيدة إيفريت، بصوتها الحاني المتفهم: «يسعدني سماع شخص آخر يتحدث عن هذا الأمر. لطالما فكرت فيه كثيرا. في بعض الأحيان كنت ألوم نفسي، لكن كيف يسع المرء تجنب ذاك المصير؛ الأشياء التي بدت لنا مهمة، أضحت بلا أهمية؛ واهتمامات جديدة استحوذت على عقولنا؛ والأبطال الذين نظرنا إليهم بعين التقديس نراهم اليوم وقد هووا من فوق عروشهم.»
ضحك السيد إيفريت المرح قائلا: «إذا كنت تعتبرينني واحدا من هؤلاء الأبطال الهاوين، فلا تترددي في قول هذا.» كان رجلا ضخما أحمر الوجه، ذا عينين صغيرتين لامعتين، وفم قوي وجذاب. ثم تابع: «فأنا لم أخلق إنسانا عاديا بإرادتي. ولم أطلب من أحد قط اعتباري قديسا من المرسومين على زجاج النوافذ الملون. لست أنا من تغير.»
ردت زوجته النحيلة بابتسامة خانعة: «أعلم يا عزيزي، أنا من تغيرت. كنت جميلة بلا شك عندما تزوجتني.»
وافقها زوجها قائلا: «كنت جميلة بالفعل يا عزيزتي. قليل من كان يضاهيك جمالا في شبابك.»
تابعت زوجته: «كانت تلك هي الصفة الوحيدة التي أعجبتك في، جمالي، ولقد تبددت سريعا. أشعر أحيانا وكأنني خدعتك.»
Page inconnue