Sélections de contes anglais
مختارات من القصص الإنجليزي
Genres
وأحزنني أن أفكر في قصر الحلم الذي حلم به العقل الإنساني، فقد انتحر؛ ذلك أنه ألح في طلب الرغد والراحة، واعتدل حال الجماعة في ظل الأمن والثبات. وقد بلغ ما اشتهى فكان مصيره هذا! ولا بد أن الحياة والمال كانا في وقت ما في أمان تام، فاطمأن أن الغنى إلى ما هو فيه من اليسر والنعيم، وسكن العامل المكدود إلى حياة العمل، ولا شك أنه لم يكن في ذلك العالم الفاضل مشاكل للبطالة وما إليها من المعضلات الاجتماعية، فساد السكون.
ومن سنن الطبيعة التي نغضي عنها أن خصب العقل هو جزاء التغير والخطر والمشقة، والحيوان الذي يكون على حال من المطابقة التامة لبيئته يعود آلة ليس إلا، والطبيعة لا تبعث العقل وتوقظه إلا إذا صارت العادة والغريزة عديمتي الجدوى. ولن تجد ذكاء حيث لا تغير ولا حاجة إلى التغير، وما يفيد الذكاء إلا علاج الحاجات والمخاطر المتنوعة.
وهكذا - كما بدا لي - دلف الإنسان العلوي إلى الجمال الضعيف، والإنسان السفلي إلى العمل الآلي. ولكن هذه الدنيا الكاملة أعوزها شيء واحد لتبلغ حالتها الآلية الكمال - أعني الثبات والدوام - والظاهر أنه على مر الأيام، اضطرب إحساس العالم السفلي، وعادت الضرورة تفعل فعلها بعد احتجابها بضعة آلاف من السنين، ولما كان العالم السفلي محتكا بالآلات التي تحوج مهما بلغ من كمالها إلى شيء من التفكير خارج نطاق العادة، فقد احتفظ بحظ من الاقتدار والجرأة، دون العالم العلوي، ولما أعوزه لحم الحيوان طلب ما كانت العادة القديمة تحرمه، هذا ما بدا لي، وأنا أودع العالم الذي سيقوم في سنة 701-802، وعسى أن أكون قد ركبت من الخطأ والشطط شر ما يركب، ولكن هذه هي الصورة التي طالعتني، وها أنا ذا أنقلها إليكم كما رأيتها.
وكان هذا المقعد، والسكينة والدفء من أمتع ما نعمت به، بعد المشقات والمثيرات والمفزعات التي كابدتها في الأيام الأخيرة. وكنت مكدودا، وكان النعاس يغالبني، فأغفيت، ثم انطرحت على العشب ونمت نوما طويلا منعشا.
واستيقظت قبل المغرب بقليل، وكنت أشعر أني في أمان من السفليين وأنا راقد، فتمطيت، وانحدرت عن التل إلى التمثال الأبيض، وكان قضيب الحديد في يدي، ويدي الأخرى في جيبي تعبث بعيدان الكبريت.
ولما دنوت من قاعدة التمثال لم يرعني إلا أن أرى الألواح البرونزية مفتوحة! فقد نزلت في مجار لها.
رأيت ذلك فوقفت مترددا محجما عن الدخول.
وكان في جوف القاعدة غرفة صغيرة، وفي ركن منها على ارتفاع قليل آلة الزمان. وكان معي، في جيبي، الرافعتان، فبعد كل ما اتخذته من الأهبة والعدة لمحاصرة التمثال الأبيض واقتحامه يجيء هذا الاستسلام! فرميت القضيب وأنا آسف لأني لم أستعمله. وطاف برأسي خاطر مباغت وأنا أنحني لأدخل، فقد أدركت على الأقل أسلوب التفكير الذي يجري عليه هؤلاء السفليون. وغالبني الضحك ولكني كتمته ودخلت من الفتحة إلى حيث آلة الزمان، فأدهشني أني وجدتها مزينة منظفة! وقد كبر في ظني بعد ذلك أن السفليين فكوا بعض أجزائها وهم يحاولون أن يعرفوا ما هي وما الغرض منها.
وبينما كنت واقفا أفحص الآلة، وأنعم بلمسها بمجردها، حدث ما توقعت أن يحدث، وصعدت الألواح فجأة واستوت في إطارها ووقعت، فيما توهم السفليون، في الفخ، فضحكت مسرورا.
وسمعت همهمات ضحكهم وهم يقبلون علي، فحاولت أن أشعل عود كبريت، ولم يكن علي إلا أن أضع الرافعتين في مكانهما ثم أختفي كالشبح؟ ولكني غفلت عن أمر، ذلك أن الكبريت كان من النوع البغيض الذي لا يشعله إلا الاحتكاك بطبته!
Page inconnue