أما «التعويضجية» وكفاك الله السوء، وعصمك من المكروه، فهم أكثر من إخوانهم مالا، وأوسع نعمة، وربما رأيت فيهم من يلبس الحرير، ويتختم باليواقيت، ومن يحوز السيارة، ويقتني خيل السباق، ذلك أن مهنتهم الاستهداف - بقدر ما - للأخطار، والتعرض لألوان من الأذى، ليقتضي المكلوم على ما حل به التعويضات، فتراه يقف على سلم الترام مثلا، حتى إذا أغذ السير قفز منه إلى الجهة المعارضة فشدخ رأسه، أو رض كتفه، وإذا أبصر بسيارة مقبلة تغفل سائقها فسنح «لرفرفها» فخمش ساقه، وإذا أصاب جماعة يلعبون «بالبليارد» جلس خلف أيسرهم حالا، وحرر عينه لكعب العصى «الأستيكة» وهي مرتدة عن مضربها، وهكذا، وإما الصلح بعد هذا، وإلا فالقضاء لطلب التعويض!
فما علة انقراض هاتين المهنتين؟ إنني في انتظار الجواب.
وتفضل ... (م) «اليوميات» أؤكد لك يا سيدي أنني لا علم لي بشيء مما ذكرت، على أنني سأبحث الأمر وأجيبك بكل ما أحصل من العلم فيما سألت، على أنني من الآن ألفت نظر جمعية تنشيط الصناعات الوطنية إلى هاتين المهنتين، فلعل فيهما مرتزقا لهؤلاء الذين ضاق بهم العيش فركنوا إلى التبطل، أو نشطوا إلى الاتجار في السموم الكاوية من الكوكايين والهاروين، وموعدنا إن شاء الله بالبيان قريب.
رزق ...!1
وكان
صلى الله عليه وسلم
يمزح ولا يقول إلا حقا، وسأمزح أيضا ولا أقول إن شاء الله إلا حقا، وكيف أتفرج من همي بمثل هذا؟ ولا أحسب القراء إلا أطلب مني لمثل هذا الفرج!
على أنني لا أكون مصورا في هذه المرة، إنما أنا ناقل فقط، فليس لي فضل إذا راقتك هذه الصورة، وليست علي تبعة إذا هي عدلت منك عن موضع الإعجاب: من عشرين سنة مضت كان في مصر رجل صاحب نجوم، وعلم بالكف، وزجر الطير، والسحر، والعيافة، وتسخير الجن، واستخراج كنوز الأرض، وكانت له جريدة جليلة تضرب هذه المباحث، وتشق الطرق بين يدي طلاب الغنى، وأصحاب المنى، فما تترك مرضا إلا تصف له علاجا، ولا تذكر من أغراض الدنيا غرضا إلا تدل فيه أحسن حيلة، وتهدي إليه بأنجح وسيلة، ولكن العلم أمانة!
ولعلوم الغيب أسرار لا يضطلع بها إلا الراسخون من أصحاب الأقدام، فكيف تريدون ابتذالها للدهماء من سواد القراء؟ الحق أن الخطب في هذه المسألة سهل، فإذا وصلنا إلى مواطن السر أغنى الرمز والإشارة، عن التصريح بالعبارة فإذا وصفت الجريدة علاج الصرع وإخراج «إخواننا»، ذكرت لك عقارا أو بضعة عقاقير معروفة تشتريها من العطار بنصف قرش، على أنها لا تنجع في العلاج إلا إذا أضيف إليها نصف أوقية من «السرواق»، وعليك أنت أن تطلبه ولو في جزائر واق الواق!
وإذا هي علمتك استحضار الجن وصرفها، جلت عليك آية مبينة، ودعاء واضحا «وقسما مفهوما»، ولكن هيهات أن تقبل عليك الجن، وإذا هي أقبلت فهيهات أن تنصرف عنك إلا إذا تلوث «القسم» الأعظم، وهو سر تقد دونه الغلاصم وتقطع البلاعيم!
Page inconnue