188

يا ليت ماء الفرات يخبرنا

أين تولت بأهلها السفن ؟ •••

يا حافظ! لقد سافرت قبل أن تتزود لهذا الذي يدعى بالموت، وقبل أن أتزود لهذا الذي يدعى بالحياة بعدك، فهلا جلسنا معا جلسة نتذاكر فيها العيش في تلك الأيام؟

أتذكر إذ كان المترفون يقلبون أعطافهم في ألوان المناعم، أو ما اصطلح هذا الناس على أنه من المناعم، إذ أنا وأنت لا نغبط أحدا على عيشه، ولا ننفس على امرئ ما وصله الله به من مال وجاه، وما لنا نفعل ونحن بحمد الله سريان حق سريين بما رزقنا كلانا من محبة وصدق ووفاء؟ أتندر عليك ما شاء الله أن أتندر، فلا أرى عليك برما ولا تعاظما لهذا الذي أصنع بشاعر النيل، وتتطرف بي ما شاءت لك سطوة اللسان أن تتطرف، فلا والله ما أحسست قط أن نعمة في الدنيا تقوم بإزاء هذا الذي أنا فيه! فما حاجتنا بعد هذا إلى ما يتكاثر الناس به من جاه ومن مال؟

أرأيت يا حافظ كيف قد بعدك متني، وكيف هد فقدك ركني؟

كنت لي نعمة وكنت سماء

بك تحيا أرضي ويخضر عودي

يا حافظ! أتذكر كيف أغنانا هذا العيش وكفانا، وكيف كنا ندل به ونتتايه، حتى ما يعجبنا من الأمر عجب، ولا يستهوينا من مغريات هذه الدنيا أرب، فلو قد سألت اليوم في سر من حارس الموت عن صاحبك، أو عن بقيتك التي ما زالت ثابتة في سجل الأحياء، لخرج الجواب في قول مسلم بن الوليد:

أصبحت كالثوب اللبيس قد اخلقت

جداته منه فعاد مذالا

Page inconnue