L'Imagination de Khandaris : Qui craint Ousmane Bashri ?
مخيلة الخندريس: ومن الذي يخاف عثمان بشري؟
Genres
كانا مثل شيطانين قدا من هزيم الرعد وفساء الشياطين، قد صرخا مرة في أذني - كل من جانب - إلى أن أغمي علي. - الرفس؟!
كانا مثل جحشين وحشيين من فصيلة منقرضة، يرسلان الركلات من كل جهات الدنيا وبكل الأوضاع، لا يفرقان بين ما هو رأس وما هي كلية أو ساق، ينزلان بي من الأذى ما يجعلني ألزم السرير أسبوعا كاملا.
الحل الوحيد أن أمتثل لطرائقهما في التفكير وأذعن لأمرهما بأن أدفع لهما الجزية اليومية: نصف وجبة إفطاري اليومي، أو نصف سعر الإفطار. بعد ذلك قد يلعبان معي، يضحكان ويحكيان لي حكايات ما أنزل الله بها من سلطان، مثلا كيف يتحولان لقطين أو عقربين وأحيانا عفريتين من الجن، ولقد قالا لي ذات مرة: إنهما تحولا إلى رجلين عجوزين! حكاياتهما هذه أحيانا ترعبني بقدر ما تفعل رفساتهما. ربما لهذا السبب انتقمت منهما وصورتهما بتلك الصورة البشعة في هذا النص كمتشردين عفنين متسخين قذرين، وحبستهما في رواية «الجنقو مسامير الأرض» في سجن بالحمرة بإثيوبيا، وجعلت أحدهما يطلق الهواء من دبره مثل آلة الضغط الهوائي «كمبرسون»، تماما كما كنت أطلق الهواء عندما يوقعان بي في إحدى كمائنهما البغيضة. أتمنى أن يكونا بصحة جيدة الآن ويستطيعان القراءة - لقد تركا المدرسة في سن مبكرة - ليطلعا على اعتذاري الكبير لهما !
بقية الشخصيات لا تحتاج مني إلى اعتذار؛ لأنها في الواقع ليست سوى شخصيات تخيلية بحتة، ابتكرتها مخيلتي، مثلها مثل شخصية ود أمونة، وسارة، ونوار سعد، وجبارة الحفار وغيرها من الشخصيات الحبرية.
على الرغم مما يبدو، على أنني قد أنهيت ملحوظاتي عن الأبطال هنا، لكني تذكرت شخصية في غاية الأهمية والغنى الفني في واقع الحياة، ولو أنها مرت في هذه الرواية مرورا عابرا، وأنها ستظهر ظهورا مفاجئا قبل نهاية الرواية بقليل، وهي شخصية الصحفي أحمد الباشا، الذي جيء به في هذه الرواية كشخصية مشاكسة، قد فقد وظيفته من جراء سؤال أحرج إدارة الجريدة وفصمها (فطمها) من إعلان تقتات عليه. الباشا في الواقع الفعلي، أي خارج رواية «ذاكرة الخندريس»، رجل سياسي شرس، ومغن في غاية الرقة، ولو أنه يغني عينة تلك الكلمات التي يغنيها أمير موسى، التي تجعلك بعد الاستماع إليها تسرع لأقرب متجر عطور، تشتري خمسين لترا من الأثينول، تحتسيها في جرعتين كبيرتين، ناسيا أن لك كبدا قد يهلك؛ لأنك إذا لم تفقد الوعي ستفقد روحك في أقرب مخفر للسلطة، إذا ما سولت لك نفسك بأن تخرج في مظاهرة غير محسوبة العواقب ولا سبب لها معروف غير انفعالك الوقتي أو جنونك الطارئ. أقصد عينة الأغاني التي يؤلفها شباب مثل: عاطف خيري، الصادق الرضي، طه القدال، أزهري الحاج، والمريبين عاصم الحزين وعثمان بشرى. تتجنب الشاعرات كنجلاء عثمان التوم، حكمة رابح وسارة حسبو كتابة نوع هذه الأغاني لرقة إنسانية ورثنها من الأم الأولى حواء وبعض الجدات اللاحقات. تتشكل عقليته من حروبات وأدبيات العصر الجيفاري الحار. مثله الأعلى هذا الرجل الثائر. تعرفت عليه عن طريق حبيبتي سلوى وبعض صديقاتها، حيث كن يجبرونني على حضور الحفلات التي يقيمها كجلسات استماع، في مقر الحزب الشيوعي بأم درمان أو في بيته أو بيت أحد أصدقائه، أحيانا قليلة عند مكتبة عم سيف سمعريت بالصحافة. بالتأكيد، أي منكم يستطيع أن يتخيل أين الباشا في هذه اللحظة، وما هو المصير الذي آل إليه! إنه مفقود منذ ديسمبر 2009، لا أحد يعلم عنه شيئا ، ويقال ما يقال في شأنه. البعض يؤمن به كمهدي منتظر في يوم ما سيعود، ابنتي مريم واحدة من المؤمنين به.
قال لي ذات مرة، كنا قد احتسينا بعض الجن الحبشي الذي أتيت به من موقع عملي في مدينة الكرمك بالنيل الأزرق، أو لربما اشتريته من أحد الموردين السريين بالخرطوم: صديقي بركة ساكن (وضع العود جانبا، مسح فمه العريض وشفتيه الغليظتين من بقايا الجن) الكتابة زي الغنا يا بركة (وهو ينطق حرف الراء مشددا)، ما عندها جدوى، من الأحسن نمشي نحارب؛ لأن الحكومات الشريرة لا تسمع غير قعقعة الرصاص ولا تسجد إلا للبندقية. بل لا تحاور أصحاب الرأي المدنيين، لا تعترف بهم في الأصل ... الرصاص، الرصاص يا صديق!
قلت له، والقهوة تلعب بعقلي الذي يظل دائما يقظا ولو أنني احتسيت خندريس العالم كله: لا تنس قول المهاتما غاندي: «لا تحارب عدوك بالسلاح الذي تخاف أنت منه!»
قال، وهو يأخذ عوده فجأة، يعزف لحنا مرتجلا عنيفا بنغمة دو شرسة: ومن الذي يخاف من الرصاص؟
على الرغم من سكري البهي، إلا أنني كدت أن أنفجر من الضحك أو الخوف، شربنا كثيرا بعد ذلك، غنينا أغنية لا أذكر بدايتها، لكنني متأكد أنها انتهت بجملة: «وين نتلاقى تاني؟!»
نعم، تذكرت الآن الأغنية، لقد طلبتها بنفسي؛ لأنها الأغنية المفضلة لدى أمي، هي من أجمل أغنيات صديقها وابن مدينتها الفنان المرحوم عبد العظيم حركة. أمي من مواليد مدينة كسلا بشرق السودان. تذكرت أيضا أنني الذي غنيتها، ليس صديقي الباشا، كان يعزف لي بالعود، أنا لا أجيد العزف، بل لم أجربه مطلقا؛ لأنني في الواقع أشتر في العزف، في الرقص، أشتر أيضا في الغناء، أكدت بعض الحبيبات أنني أيضا أشتر في العاطفة.
Page inconnue