La société civile et la culture de la réforme : une vision critique de la pensée arabe
المجتمع المدني وثقافة الإصلاح: رؤية نقدية للفكر العربي
Genres
شوقي جلال
القاهرة 29 / 5 / 2005
المجتمع المدني وثقافة الإصلاح: رؤية نقدية
(1) العالم والفراغ الفكري
مع انتصاف القرن العشرين دخل العالم مرحلة تحول أو انتقال جذري شامل لكل مناحي الحياة: الفكر والاقتصاد والسياسة والثقافة والعلاقات والبنى الدولية في الشرق وفي الغرب، مرحلة يصدق معها وعليها قول ابن خلدون: «إن الأحوال إذا تبدلت جملة، فكأنما تبدل الخلق من أصله، وتحول العالم بأسره وكأنه خلق جديد.»
والعالم حقا منذ انتصاف القرن العشرين - ولا يزال - يعيش هذه الصورة، أو يعيش أزمة وآلام مخاض تحول لم تتحدد معالمه وإن تجسدت أمراضه، وتفاقمت تناقضاته، وهذه المرحلة، شأن كل مراحل الانتقال الاجتماعي، تغيم فيها الرؤية حينا، وتسقط الغشاوة عن نظريات وأفكار، أو ينتهي صدقها المرحلي، ويعيش المجتمع أو العالم مرحلة فراغ فكري، وتفكك في العلاقات والهياكل، وعدم استقرار، وظهور تيارات فكرية متناقضة ومتدافعة في محاولة يائسة أو ناجحة جزئيا للإمساك بطبيعة أمور وأحداث الواقع المتجدد الذي تجاوز أسس الفكر والنظر السابقين أو التقليديين، ويتراوح الوضع ما بين رجوع، أو ردة إلى ماض أو سلف التماسا ليقين ولى زمانه، وما بين مراجعة عقلانية نقدية تاريخية للواقع الراهن في ضوء مستجدات العصر واحتمالات المستقبل.
وحري أن نشير بداية إلى أن بعض مظاهر الإنجاز والتقدم هي أيضا - ومن خلال تداعياتها - سبب أو مظهر للأزمة وتفاقمها، أذكر مثالا: التقدم العلمي وما حققه من إنجازات إيجابية في عالم الاتصالات، والتحولات في الاقتصاد العالمي؛ إذ ضاعف من قدرات وإمكانات البشرية، وفاقم في الوقت نفسه من مشكلات بيئية واجتماعية وغيرها ، وأدى كذلك إلى تغيير جذري في هيكلية العلاقات في الأنشطة البشرية المختلفة، كذلك استقلال المستعمرات السابقة، وهو واقع أو إنجاز إيجابي، ثم ظاهرة فشل العديد من حركات التحرر الوطني؛ إذ أخفقت في بناء نظم جديدة قادرة على مواكبة التقدم والاندماج في حضارة العصر بوصفها قوة قادرة على الإنتاج والفعل والتأثير على الصعيد العالمي السياسي والاقتصادي، ناهيك عن عجزها عن بناء مجتمع ديمقراطي وعن بناء أسس للعدالة الاجتماعية وتحولت إلى قوى طرد سكاني هو موضوع جدل واسع عن أزمة الهجرة والمهاجرين من الجنوب إلى الشمال.
ويمثل كل هذا في آن واحد زوال الوهم بشأن حقيقة البرامج الإصلاحية وصوابها التي دعا إليها كل منهم، أو يمثل انتهاء مرحلة الصلاحية النظرية لفكر كل منهم بعد أن تجاوزته وقائع تطور الحياة، ويعني هذا أيضا سقوط الركائز التي تنبني عليها مشروعية نظم الحكم التي أقامت مشروعيتها على أساس تلك البرامج والنظريات، وانتفت مع هذا أسباب الاستقطاب العالمي، ما بين اشتراكي ويساري أو ديمقراطي، وما بين ليبرالي ومحافظ أو تقليدي.
ويعني هذا أيضا سقوط فلسفات حركة التنوير الغربي التي نادت بما زعمته نزعة كلية للثقافة الغربية عن العقل والمعرفة، وأكدت أن هناك ما يسمى مبدأ العقل الكلي النظري المجرد الذي يتطابق بين الجميع في تجلياته واستنتاجاته، ويتجسد أساسا ونهاية في عقل الباحث والمفكر الغربي.
وزعمت فلسفات التنوير الغربي أن الغرب هو الحداثة، وأن التحديث تغريب، وثقافة الحداثة هي ثقافة الغرب، وأن الحضارة في ذروتها وكمال صورتها هي حضارة الغرب أو عقله، أو هي التي تتجسد سياسيا واجتماعيا ومؤسساتيا وتنظيميا وثقافيا فيما سمته «المجتمع المدني» الذي يضم المواطن المثالي، أي الغربي المعبر عن كل هذه التجليات، والتي هي معيار المواطنة المدنية.
Page inconnue