Histoire Abrégée de Damiette : Politique et Économique
مجمل تاريخ دمياط : سياسيا واقتصاديا
Genres
هذه هي دمياط في أوائل القرن الثامن الهجري قد استعادت مكانتها، وأصبحت مزدهرة عامرة بالدور والقصور والمساجد والمدارس والمتاجر، ولم تقف عند هذا الحد، بل اتخذت طريقها نحو التقدم حتى غدت في النصف الثاني من هذا القرن ميناء مصر الأول؛ فقد تفوقت على الإسكندرية، وورثتها في مكانتها. وتفصيل ذلك أن روح الحروب الصليبية - بعد طرد الصليبيين نهائيا من عكا آخر مدنهم في الشام في عهد الأشرف خليل بن قلاوون - قد ضعفت شيئا ما، ولكنها لم تخمد تماما ، وقد حاول الأوروبيون تجديد هذه الحروب في القرن الثامن، ففي سنة 767 أغار علي الإسكندرية أسطول ضخم من قبرص، واستطاع القبارصة أن ينزلوا إلى البر ويستولوا على المدينة، وقد لبثوا بها أياما قضوها في تخريب المدينة تخريبا تاما، ثم عادوا محملين بالأسلاب والغنائم والأسرى.
هذه الحملة هزت كيان الإسكندرية هزا عنيفا، وأسرت العدد الكبير من سكانها، وشتتت عددا أكبر؛ فضعف شأن المدينة منذ ذلك الحين ضعفا شاملا، ولم تعد لها مكانتها الأولى، وإنما أصبحت دمياط هي الميناء المصري الأول، وقد دفعها هذا العامل الجديد إلى النمو والازدهار دفعا قويا. (5-7) في القرن التاسع الهجري: دمياط ميناء مصر الأول
ولم يكد يبدأ القرن التاسع الهجري (15م) حتى غدت دمياط المدينة المصرية الثانية بعد العاصمة، وعادت ثانية المقر الذي تخرج منه أساطيل المصريين للغزو في البحر الأبيض المتوسط، ففي سنة 825 (1422-1423) - في عهد الأشرف برسباي - خرجت أساطيل مصر من دمياط للإغارة على جزيرة قبرص، والدافع الأكبر لإرسال هذه الحملات هو الانتقام من القبارصة لما فعلوه بالإسكندرية في عهد الأشرف شعبان، ولكن السبب المباشر يتصل أيضا بدمياط. يروي صالح بن يحيى أن «موجب ابتداء الحال مع صاحب قبرص أن شخصا من تجار دمياط يسمى أحمد بن الهميم كان له مركب كبير قد أوسقه من طرابلس الشام صابونا وبضائع بمال كثير، فلما وصل إلى فم دمياط صادفه مركب من حرامية الفرنج من طائفة البسقاوية، فأخذ مركب ابن الهميم وتوجه به إلى قبرص.»
وقد أرسل برسباي ثلاث حملات لفتح قبرص: الأولى في سنة 827 / 1424 والثانية سنة 828 / 1425، والثالثة في سنة 829 / 1426، وقد خرجت الحملتان الأولى والثانية من دمياط، أما الثالثة فقد خرجت من الإسكندرية، وقد نجحت الحملة الثالثة في الاستيلاء على جزيرة قبرص وضمها لملك مصر، وعادت أساطيلها إلى دمياط في شوال سنة 830 (أغسطس 1826) ثم انحدرت منها إلى بولاق محملة بالأسلاب والغنائم والأسرى، وفي مقدمتهم ملك قبرص نفسه (الملك جانوس) وقائد قواد الجزيرة. واحتفلت القاهرة باستقبال رجال الأسطول المنتصرين، وخرج أهلوها جميعا للاحتفال بمواكب النصر التي شقت الشوارع وفي مقدمتها الملك الأسير وقائده يمتطيان بغلين وأمامهما تاج قبرص وأعلامها، ويتبعهما ألوف الأسرى.
وإبان قيام الحملة الثانية بالإغارة على قبرص أمر برسباي بتشييد برج عظيم في مدينة الطينة القريبة من دمياط، وشحنه بالمقاتلين لمراقبة سفن الأعداء إذا حاولت تهديد السواحل المصرية. (5-8) زيارة المقريزي لدمياط ووصفه لها في القرن التاسع الهجري
وقد زار دمياط في النصف الأول من القرن التاسع الهجري المؤرخ المصري الكبير تقي الدين المقريزي، وأرخ لها، ووصف الكثير من معالمها في كتابه الخطط، وقال إنها «أحسن بلاد الله منظرا.» ثم قال أيضا: «وقد أخبرني الأمير الوزير المشير الأستادار ينبغا السالمي - رحمه الله - أنه لم ير في البلاد التي سلكها من سمرقند إلى مصر أحسن من دمياط هذه، فظننت أنه يغلو في مدحها، إلى أن شاهدتها فإذا هي أحسن بلد وأنزهه.» ثم أثبت في كتابه السالف الذكر قصيدة قالها في مدحها، نقتطف هنا معظم أبياتها لما حوته من وصف نادر لدمياط ومعالمها الهامة في ذلك العصر، قال:
سقى عهد دمياط وحياه من عهد
فقد زادني ذكراه وجدا على وجد
ولا زالت الأنواء تسقي سحابها
ديارا حكت من حسنها جنة الخلد
Page inconnue