ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون} (¬1) . فيقال للقوم: على ماذا تحملون ما ذكرنا من أخبار الله تعالى عن كونه في هذه الأشياء كلها، أعلى ما يعقل من كون الجسم في المكان؟ فإذا قالوا: نعم، قيل لهم: فكيف وقد قال الله: {على العرش} (¬2) {وفي السماء} (¬3) {وفي الأرض} (¬4) {وفي المشرق}، عند نجوى الثلاثة {وفي المغرب} عند نجوى الخمسة ، وفي {القطر الآخر} عند أدنى من ذلك، وفي {الآخر} عند أكثر، وقد قال عز وجل: {إلا هو معهم أينما كانوا} (¬5) فإن قالوا: على معنى القدرة، أو على معنى العلم، أو على غير ذلك من التأويل، قلنا: قد صرتم إلى المجازات وتركتم المعقولات مما عليه ظاهر الكلام، فلم أبيتم ذلك علينا حين زعمنا أن تأويل قوله: {الرحمن على العرش استوى} (¬6) ليس هو على كون الملك على سريره؟ بل هو على معنى العلم والحفظ والقدرة والإحاطة والظهور بالسلطان والقدرة، وهذا أيدك الله من الأصل الذي وصينا بحفظه أولا.
وأما تأويل قوله: {استوى على العرش} (¬7) فقد زعم أصحاب التفسير عن عبد الله بن عباس -وهو صاحب التأويل، والناس عليه عمال- أن تأويل (استوى): استولى، وأنشدوا:
قد استوى بشر على العراق ... ... ... من غير سيف ودم مهراق (¬8)
قال الله عز وجل: {ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما} (¬9)
وقال الشاعر يرثي ابنه:
حين استوى وعلا الشباب به ... ... ... وبدا منير الوجه كالبدر
¬__________
(¬1) سورة الواقعة آية رقم 85.
(¬2) {الرحمن على العرش استوى} (سورة طه آية رقم 5).
(¬3) {وفي السماء رزقكم وما توعدون}، {وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله} (سورة الزخرف آية رقم 84).
(¬4) قال تعالى: {وهو الله في السماوات وافي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون} (الأنعام آية رقم 3).
(¬5) سورة المجادلة آية رقم 7.
(¬6) سورة طه آية رقم 5.
(¬7) سورة الأعراف آية رقم 54.
(¬8) سبق تخريج هذا البيت.
(¬9) سورة يوسف آية رقم 22.
Page 130