وأما الإبلية فقد توفرت قبلا الأقوال، وتضاربت في موقعها، وأما الآن فلم يبق من ريب في أنها كانت في موضع سوق وادي بردا، وتحقق ذلك من خطوط كثيرة وجدت في هذا المحل تبين أن هناك كانت الإبلية (طالع معجم الكتاب لفيكورو في كلمة إبيلا). (4) في ولاية اليهود بعد أرشيلاوس
بعد أن نفي أغوسطوس أرشيلاوس بن هيرودس عن ولاية اليهودية والسامرة وأدوم جعلها إقليما رومانيا، وأرسل لتدبير شئونها كوبونيوس بصفة نائب عن الملك، وخلفه ماديوس دمبيفيوس ثم استدعاه أغوسطوس، ونصب مكانه إينوس ردفوس، وبعد وفاة أغوسطوس أرسل طيباريوس سنة 15 للميلاد إلى اليهودية، فالريوس كراتوس، فاستمر إلى سنة 25م، فولى طيباريوس بيلاطوس البنطي، وفي عهده تم سر الفداء بموت المخلص مصلوبا، ومن أخبار بيلاطوس أنه أرسل جنودا إلى أورشليم وعلى أعلامهم صورة العاهل، فاستاء اليهود لحظر سنتهم الصور، وطلبوا إليه رفعها، فلم يصغ إليهم وأمر جنوده بالقبض عليهم وهددهم بالقتل، فانطرحوا على الأرض كاشفين أعناقهم، فعجب من تثبتهم بدينهم وأمر بأخذ تلك الأعلام إلى قيصرية ... ومنها أنه أراد أن يأخذ مالا من خزينة الهيكل؛ ليجر الماء إلى أورشليم فقاومه اليهود، وأفضى ذلك إلى قتل كثيرين، ومنها أيضا ما ذكره لوقا (ف13) عن قتله الجليليين، وخلطه دماءهم بذبائحهم؛ لأنهم شايعوا مبتدعا علم أنه لا يحل لليهود أداء الجزية لقيصر.
وروى كثيرون من الآباء والعلماء أن بيلاطوس كتب رسالة إلى طيباريوس ملكه يخبره بما صنعه المسيح من الآيات الباهرة، وبصلب اليهود له وقيامته، وذكر هذه الرسالة ترتوليانوس والقديس يوستينوس من القدماء، وكلامهما مؤذن بأن تلك الرسالة كانت أيديهم تتداولها، واشتبه بعض العلماء بصحة رسالة بيلاطوس، هذه وأحسن ما يقال بهذا الشأن هو ما كتبه العلامة منسى في حواشيه على تاريخ نطاليس إسكندر، وهو لا مراء في أن بيلاطوس كتب تقريرا إلى طيباريوس منبئا بما صنعه المسيح، وما صنعه به اليهود بحسب عادة ولاة الرومانيين أن يكتبوا لملوكهم ... ولكن هل بقيت هذه الرسالة إلى الآن، فهذا لا يمكن تأكيده، وهبها باقية فلا يمكن القطع بأنها هي التي كتبتها يد بيلاطوس، واستمر بيلاطوس يدبر اليهودية عشر سنين فدعي إلى رومة، والتقليد القديم أنه نفي إلى فيان بإفرنسة، وانتحر هناك ليأسه.
وبعد نفي بيلاطوس أقام ديتالوس والي سورية مرشلوس على اليهودية وأثبته غايوس، لكن نصب بعد ذلك أغريبا الأول كما مر، ولما توفي سنة 44م لم يشأ أن ينصب ابنه في مكانه لصغر سنه، فولى على اليهودية نيابة عنه كسبيوس فاروس؛ لأنه كان صديقا لآل أغريبا، وبقي فاروس على هذه الولاية سنتين، وخلفه بها سنة 46م طيباريوس إسكندر من الإسكندرية، وقتل يعقوب وسمعان ابني يهوذا الجليلي لحملهم اليهود على ثورة على الرومانيين، وقام بالولاية سنتين أيضا، وخلفه فيها كومانوس سنة 48، وخلفه كلود فيلكس وكان واليا على الجليل فألحقت اليهودية بولايته سنة 52، وكثر الهرج في أيامه، وتسبب باغتيال يوناتان عظيم الأحبار وهو الذي شكى إليه بولس الرسول، فأوثقه قائد الألف وأرسله إليه وهو بقيصرية، وكان يريد أن يسمع كلامه متواترا (أعمال الرسل ف23 و24)، ثم استدعى نيرون فيلكس إلى رومة سنة 60، وأرسل مكانه فستوس، وهو الذي شكا اليهود بولس الرسول بحضرته، وسمع له أولا وحده ثم بحضرة أغريبا، واستغاث الرسول بمحكمة قيصر (أعمال الرسل ف25 و26)، ومات فستوس سنة 61، فأقام نيرون مكان البين وكان معتسفا جائرا يتجر بحقوق العباد وأثقل اليهود بضرائب، وتزلف إليه الأغنياء بتقادمهم، وسر به المشاغبون؛ لأن تصرفه أفسح مجالا لثورتهم فدعاه نيرون إلى رومة سنة 64، وخلفه سنة 65 جسيون فلورس، فأنسى اليهود بجوره مظالم أسلافه، وابتدأت في أيامه الحروب بين اليهود والرومانيين (يوسيفوس ك2 في الحرب فصل 34)، وأما ولاة سورية فكانوا يقيمون بأنطاكية وكان قورينوس في أيام المولد وبعده خلفاؤه إلى لوشيدس غاليوس، الذي أمره نيرون بحرب اليهود، ولم نر كبير فائدة في ذكر أسماء جميعهم. (5) في حروب اليهود والرومانيين
إن هذه الحروب ابتدأت في 8 تشرين الثاني سنة 66 إلى 8 أيلول سنة 70، وقد كتب يوسيفوس تاريخها في سبعة كتب، وأنهينا نحن الكلام في تاريخها في المجلد الثالث من صفحة 337 إلى صفحة 375، وابتدأت في أيام نيرون، وأرسل فسبسيان والتقاه ابنه طيطوس من الإسكندرية فدوخ فسبسيان الجليل، وكان يوسيفوس المؤرخ من قادة اليهود، فأرغم أن يستسلم إلى فسبسيان وكان يريد أن يرسله إلى نيرون، فتنبأ يوسيفوس له بأن يخلف نيرون وابنه طيطوس يخلفه، فاستبقاه عنده وأعزه، ثم قدم فسبسيان إلى اليهودية وبلغه حينئذ خلع الندوة لنيرون الملك، ولم ينكف عن أعماله الحربية متقدما نحو أورشليم، ولما كان الجنود في إسبانيا أقاموا غلبا ملكا فقتله أوتون أحد المقربين إليه، وأقام الجنود بجرمانيا فتيلوس ملكا فانتصر على أوتون، وقتل أوتون نفسه، فأقام فسبسيان جنوده ملكا سنة 69 وأتى حينئذ إلى بيروت، فأطلق الحرية ليوسيفوس وكسر أغلاله، وحاصر ابنه طيطوس أورشليم وشد عليها الحصار، فحصلت بها مجاعة مريعة أكل بها بعض النساء أولادهن، وبقي الحصار على أورشليم نحو ستة أشهر وافتتحها طيطوس في 10 من آب سنة 70، ونقض الهيكل برمته إلا أسسه وبعض العضائد في الحائط الغربي، وأحرق كل ما كان في المدينة بيد الرومانيين، فاجتمع المشاغبون في المدينة العليا وهي صهيون، فحاصرهم طيطوس وضيق عليهم وخارت قواهم من الجوع والجهاد، وتسلق الرومانيون على الجدران فبسلوا كل من وجدوا، وفي 8 أيلول من تلك السنة أحرقوا صهيون ودكوا أسوارها.
قال يوسيفوس (ك6 في الحرب فصل 45): إن عدد القتلى في هذا الحصار كان مليونا ومائة ألف من النفوس أكثرهم من خارج المدينة كانوا أتوا إليها للجهاد والعيد، وأرى في قوله مبالغة على عادته ... وقال: إن عدد الأسرى سبعة وتسعون ألفا سلمهم طيطوس إلى فرنطون أحد حاشيته، فأمات بعضهم وأبقى من كانوا منهم شبانا أقوياء ليكونوا شهودا على الظفر، وأرسل بعضهم للأشغال الشاقة وباع من كانوا منهم دون السابعة عشرة بأبخس الأثمان، وأرسل طيطوس منهم إلى بعض المدن اليهودية وسورية؛ ليستخدمهم في المشاهد وتبددت أمتهم وتمت بخراب أورشليم والهيكل نبوات المخلص والأنبياء، وهذا جزاء الأمة التي غمطت نعمة ربها وصلبت مخلصها. (6) في بعض مشاهير الكتاب السوريين في هذا القرن الأول
من هؤلاء المشاهير نقولا الدمشقي ولد بدمشق سنة 74ق.م، واستمر حيا في صدر القرن الأول بعد الميلاد، وكتب باليونانية روايات ومآسي ومقالات فلسفية وترجمتي هيرودس الكبير وأغوسطس قيصر، وتاريخا عاما في مائة وأربعة وأربعين كتابا، ولم تبق الأيام من تآليفه إلا فقرا أذاعها كواري ببريس سنة 1804 في ثلاثة مجلدات عنوانها فقر التاريخ اليونانية، وكشف له أخيرا عن فقر من ترجمة قيصر ترجمها ديدوت إلى الإفرنسية، وطبعت سنة 1749 وسنة 1862.
ومنهم يوسيفوس الذي استشهدنا كثيرا بأقواله، وهو ابن ماتيا من النسل الكهنوتي، ويتصل نسبه بفرع من المكابيين وقد كتب ترجمة نفسه، وهي معلقة بصدر تأليفه الموسوم بحرب اليهود مع الرومانيين، وقد ولد سنة 37 للميلاد واقتبس العلوم وكان من شيعة الفرنسيين وزار رومة سنة 63، ونال حظوة كبرى لدى بوبية امرأة نيرون، وسنة 67 نصبه مجمع اليهود واليا على الجليل، فحارب الرومانيين وحاصروه في مدينة يوتاباط (جفت)، فأرغم أن يستسلم إليهم، وأعزه فسبسيان وطيطوس ابنه وصحبه إلى رومة وقد توفي نحو سنة 100 للميلاد، وقد كتب تاريخ أمته في عشرين كتابا وشهد في الثاني عشر منها فصل 4 شهادة صريحة للمسيح أنه رجل - إن ساغ أن سميته رجلا - عمل المعجزات وتبعه كثيرون، فشكاه بعض وجهاء أمتنا حسدا لبيلاطون وصلبه، وقد قام في اليوم الثالث وظهر حيا كما تنبأ، وله تاريخ حرب اليهود مع الرومانيين في سبعة كتب دونها أولا بالسريانية لغة أمته حينئذ، ثم ترجمها إلى اليونانية كما قال عن نفسه في ترجمته ومطاعن إبيون بأمته في كتابين، وأفرد كتابا لمدح الشهداء المكابيين السبعة، وترجمت مؤلفاته إلى عدة لغات وطبعت مرارا.
ومنهم يوستوس الطبراني (من طيبارية) وهو يهودي مذهبا كتب كتابا في تاريخ حرب اليهود سنة 73 أثبت به أن يوسيفوس حمل أهل الجليل على الثورة على الرومانيين، فخطأه يوسيفوس وأنبه على تحامله عليه، وأثبت أنه كان هو من رؤساء الثورة وشكاه إلى فسبسيان، ولو لم يشفع به إغريبا لقتله فسبسيان، ومع ذلك ألقي في السجن مرتين فعفا عنه إغريبا واتخذه كاتبا له، ولم ينشر تاريخه إلا في أيام دوميطيان، ولا يعلم هل بقي برمته أو بقيت فقر منه.
ومنهم فيلون اليهودي وكان من النسل الكهنوتي، وولد بالإسكندرية سنة 30 قبل الميلاد وتعمق بفلسفة اليونان على مذهب أفلاطون، وقد أرسله اليهود الإسكندريون إلى غايوس الملك لتخميد غضبه على اليهود لامتناعهم من وضع تمثاله في الهيكل، فكتب تاريخ وفادته، وله عدة تآليف في اللاهوت على مذهب العبرانيين وفي التاريخ والفلسفة، وقد ترجمت تآليفه إلى اللاتينية وطبعت بلندرة سنة 1742 وباريس سنة 1867.
Page inconnue