وكان لأبي رزق ابن اسمه يونس أتحفنا دي لاردك بترجمته (في كتاب رحلته إلى سورية ولبنان مج2 صفحة 263)، فقال ما ملخصه أنه كان من أسرة شريفة بلبنان، وله أملاك وافرة بناحيتي أطرابلس وجبيل، وقد استعمله وزراء الدولة في أهم أعمال حكومتهم، فثروته ومنزلته أكثرتا حساده وخصومه، فائتمروا عليه وأسخطوا عليه قبلان باشا المطرجي والي أطرابلس، فألقاه في السجن مع كل أسرته وكانوا نحو خمسين نفسا، وهددهم بالقتل إلا أن يسلم الأمير يونس فأكره أن يظهر أنه يسلم بشرط أن تبقى أسرته وذووه نصارى، وأن يخلى سبيلهم، فقبل الوالي بشرطه وأرسل ذويه إلى أعلى كسروان، وجامل الباشا أربعين يوما، وفر إلى بطريرك الموارنة معترفا بذنبه، وجمع رؤس الشكايات عليه وبينات إكراهه على الإسلام، وأرسلها إلى الأستانة على يد أحد أصدقائه، فحكم شيخ الإسلام بعد التحري بالدعوى أن تظاهر الأمير يونس بالإسلام لا يعول عليه لصدوره عن إكراه، وأن لا يؤاخذ بردته عنه فاطمأن الأمير يونس ودار في خلده أن يصلح العثار الذي سببه بأطرابلس، فعاد إليها وجاهر أمام الوالي وديوانه بدينه المسيحي، فأغضى المسلمون على صنيعه والتمس له الوالي أمرا ساميا مثبتا حكم شيخ الإسلام، واستعمله في برية أطرابلس واستمر على ذلك خمس سنين ... ولكن تبدل الوالي ومات من كان له من الأصدقاء في الأستانة، فاغتنم أعداؤه هذه الفرصة، وشكوه بجرائم عديدة فطرحه الوالي بالسجن، وحاول كثيرا أن يحيله عن مذهبه، فلم يذعن فرفعه على الخازوق في شهر أيار سنة 1697، وكان له أخ مسجونا معه اسمه يوسف فاسترضى بعض أصحابه الوالي عنه، فخلى سبيله وسار إلى أوروبا ينال ما يقوم به بأود عائلته، وعائلة أخيه، وصحبه البطريرك إسطفانوس الدويهي بمنشور أثبتناه في تاريخنا الكبير.
وفي سنة 1645 جعل السلطان إبراهيم المشائخ أولاد الحسامي في جبيل في سلك الانكشارية، وباشروا بترميم أسوار المدينة والقلعة، وفي سنة 1647 توفي الشيخ أبو نادر الخازن مدبر حكومة الأمير فخر الدين المعني، وكان قد تولى كسروان وجبيل والبترون وجبة وبشري والمرقب. (5) في ما كان بسورية في أيام السلطان محمد خان الرابع
إن السلطان إبراهيم قد خلعه بعض العلماء والانكشارية في 8 آب سنة 1648، وأقاموا مكانه ابنه السلطان محمد الرابع ولم يكن أتم السنة السابعة من عمره، وفي سنة 1650 ولى عمر باشا صاحب أطرابلس الأمير ملحم المعني على بلاد البترون، فأرسل الشيخ أبا نوفل الخازن يجبي المال من هذه البلاد، وفيها كانت وقعة في وادي التيم بين بشير باشا والي دمشق والأمير ملحم المعني؛ لأن الأمير علي علم الدين أوغر صدر الوزير على الأمير ملحم، فنهض إليه والتقيا بوادي التيم، وكان النصر للأمير ملحم معن، وفي سنة 1653 شكا الأمير علي علم الدين الأمير ملحم معن إلى بشير باشا والي دمشق بأنه أزاحه عن دياره، وأهلك بعض رجاله وأخذ ماله والتمس منه أن يوليه جبل الشرف، ويصحبه بعسكر لقتال الأمير ملحم وأنصاره، فاستجاب الباشا طلبه وفوض إليه ولاية الشوف وأرسل إليه عسكرا من دمشق، وجاء إلى وادي التيم فالتقاه الأمير ملحم وعاونه الأميران قاسم وحسين الشهابيان، والتحم القتال ودام ثلاث ساعات فانتصر الأمير ملحم وأنصاره، وأهلكوا خلقا كثيرا من عسكر الأمير علي وتتبعوا آثارهم إلى خارج دمشق، وجرح الأمير علي علم الدين، وحنق عليه بشير باشا ونسبه إلى الخيانة وحبسه في قلعة دمشق.
وفي سنة 1655 حارب محمد باشا الكوبرلي والي أطرابلس الأمير إسماعيل الكردي من رأس نحاش، والحاج سعد حمادة في حريشة الهري (بكورة أطرابلس) لعدم أدائهما المال، فانهزم الأمير إسماعيل بعياله إلى عند الأمير أحمد ملحم المعني، فولاه على صور، وفي سنة 1656 رقى هذا الوالي إلى مسند الصدارة، فولى على أطرابلس محمد باشا الطباخ وعلى صيدا وبيروت إسماعيل أغا، وعلى صفد محمد أغا، والتزم منه المقدم فارس مراد بللمع جبة بشري، ثم ولاه عليها وعلى عكار سنة 1658، وولى المقدم عليا بن الشاعر على البترون تحت يد الأمير ملحم المعني، وفي هذه السنة سار الأمير ملحم المعني إلى صفد، فمرض بعكا ونقلوه إلى صيدا، وتوفي وحزن عليه الشعب كثيرا.
وفي سنة 1659 تولى قبلان باشا أطرابلس وأمرته الدولة بالاقتصاص من المشائخ آل حمادة لسطوهم، ففروا إلى كسروان بعيالهم وأحرق الوالي بيوتهم في قرى وادي علمات، وقرر المقدم فارس اللمعي في ولاية عكار وكاوراوغلي في جبيل والمقدم علي قيدبية بن الشاعر على جبة بشري، ثم قتل كاوراوغلي لعدم دفعه المال.
وفي سنة 1660 كانت نكبة القيسية، فقد رفعت الشكوى إلى الباب العالي بأن الأمير علي والأمير منصور الشهابيين، وآل حمادة وغيرهم يسطون على حقوق والي دمشق، فأرسل محمد باشا كوبرلي الصدر الأعظم ابنه أحمد باشا واليا على دمشق، ولما وصل إليها استدعى عمال سورية واليمنية، وزحف إلى الأميرين المذكورين، ففرا من وجهه إلى كسروان ونزلا على المشائخ الحمادية، فحرق الوزير دور الشهابيين بحاصبيا وراشيا وقطع أشجارهم بوادي التيم، ومرج عيون والبقاع وكتب إلى الأميرين أحمد وقرقماس ابني الأمير ملحم معن أن يحضرا الأميرين الشهابيين، فأجاباه أنهما لم يأتيا إلى بلادهما، فأرسل أحمد باشا يطلب منهما أربعمائة ألف قرش نفقة عساكره، فأرضياه أخيرا بمائتين وخمسين ألفا منجمة فعاد إلى دمشق، ولم يتيسر لهما دفعها كاملة فعاد ثانية بعساكره إلى قب إلياس، فاضطر إلى الفرار والاجتماع مع الأمراء الشهابيين وآل حمادة في كسروان، وقر رأيهم على الاختفاء فاختبئوا في كسروان وبلاد جبيل، فكتب وجوه البلاد حينئذ إلى أحمد باشا أن الأمراء الشهابيين والمعنيين فروا، ولا يعلم لهم خبر وسألوه أن يأمن البلاد، فأجابهم إلى ذلك وولى الشيخ سرحال العماد على الشوف، والأميرين محمد ومنصور ولدي الأمير علي علم الدين (الذي كان قد توفي بدمشق) على الغرب والجرد والمتن، ومحمد أغا على كسروان.
وبلغ أحمد باشا أن الأمراء مختفون بكسروان، فوجه إلى هناك خمسة آلاف مقاتل فنكلوا بالأهالي وأحرقوا دور اللمعيين والخوازنة والحمادية، وفر الأميران الشهابيان إلى الجبل الأعلى، واستمر الأميران المعنيان في كسروان، وفي سنة 1622 نصب محمد باشا واليا على صيدا، فمكر بالأميرين المعنيين حتى حضرا إليه إلى عين مزبود، وأحاط رجاله بهما فقتلوا الأمير قرقماس ونجا أخوه الأمير أحمد بشق النفس ، وفي سنة 1664 كانت نهضة القيسية؛ لأن أحمد باشا والي دمشق ارتقى إلى منصب الصدارة، ومحمد باشا عزل من صيدا، فتظاهر الأمير أحمد معن من مخبئه فاجتمع إليه جمهور من القيسية فنهض بهم إلى الشوف، وتألب إليه غيرهم فالتحم القتال بينهم وبين اليمنية، فكان النصر للقيسية وبقي القتال مترددا بين الحزبين نحو سنتين حتى حطمت شوكة اليمنية وخمدت نارهم، وتولى الأمير أحمد معن الشوف والغرب والجرد والمتن وكسروان، وكتب إلى الأميرين منصور وعلي الشهابيين يبشرهما بالنصر، ويستقدمهما وأمدهما للعود إلى بلادهما فعادا إليها.
وفي سنة 1673 تولى حسن باشا أطرابلس فولى الحمادية على الأعمال التي كانوا بها قبلا، ورفع عنهم بعض التكاليف فطمعوا وقتلوا أناسا عند نهر رشعين ونهبوا كثيرا من القرى فخربت، وفي سنة 1674 ولى الباشا المذكور الشيخ سرحال حمادة على بلاد جبيل، لكنه قبض على الشيخ أحمد بن قانصوه حمادة والشيخ محمد بن حسن ديب بسبب التعديات المار ذكرها، وولى على جبة بشري إبراهيم أغا، وكان معه أبو كرم بن بشارة من أهدن وأبو شديد غصيبة بن كيروز من بشري، وفي سنة 1675 جهز الباشا المذكور عسكرا لطرد آل حمادة من إقطاعاتهم، فطردوهم إلى عين الغفير فوق أفقا وقتل الباشا الشيخين أحمد ومحمد اللذين كان قد قبض عليهما، فنهب أصحاب الحمادية وقتلوا وحرقوا بعض القرى في جبيل والبترون والجبة ... فصدر الأمر السلطاني إلى ولاة سورية؛ ليعاونوا والي أطرابلس على قمع الحمادية، فكفل الأمراء الشهابيون وبعض أعيان البلاد المال المطلوب منهم ودفعوه لوالي أطرابلس، فولى سنة 1676 الحاج حسن بن الحسامي وأبا حيدر النمس على بلاد جبيل، والحاج باز بن أبي رعد ومرعبا بن الشاطر على بلاد البترون، وأبا كرم (جد آل كرم) على جبة بشري، وأمر جميعهم أن يحذروا سطو الحمادية، لكن هؤلاء قتلوا عامل البترون المذكور والشدياق أنطون خان مطران أهدن وحرقوا دير القديس إليشاع وحارة أولاد كيروز ببشري، فزحف إليهم حسن باشا بعسكره إلى بلاد جبيل، فقتل شيخ البربارة والحاج حسن الشامي الذي كان قد ولاه، وقبض على شيخي غرزوز وبخعاز، وغرمهم بمال ؛ لأنهم من حزب الحمادية، وحرق فرحت وعلمات ومشان وغيرها من وادي علمات وجبة المنيطرة، وبعد أن عاد حسن باشا إلى أطرابلس حرق بعض الحمادية قصوبا وتولا وعبدللي وبسبينا وصغار وشبطين.
ولكن توفي أحمد باشا الصدر الأعظم، وخلفه مصطفى باشا فغير العمال في كل الولايات ونصب محمد باشا بأطرابلس، فولى الشيخ سرحال حمادة على بلاد جبيل وولده حسين على البترون، وحسين بن أحمد حمادة على جبة بشري، وفي سنة 1680 انتقل محمد باشا المذكور إلى صيدا، وخلفه بأطرابلس وزير آخر يسمى محمد باشا أيضا فأقر الحمادية في إقطاعتهم، وفي سنة 1684 قتل الحمادية أبا نادر شيخ مزرعة عكار وابن أخت محمد باشا في قرية حلبا بعكار، ولما عزل محمد باشا عن أطرابلس وثب الحمادية على قلعتها، وأخرجوا رهائنهم منها وكبسوا قرية عشقوت بكسروان، وقتلوا منها أحد عشر رجلا ورفعت الشكوى إلى أطرابلس، فصدر الأمر بتولية الأمير أحمد معن على جميع إقطاعات الحمادية، فسار الأمير أحمد إلى غزير وأرسل رجالا دهموا الحمادية، ففروا إلى بلاد بعلبك فحرق وادي إيليج ولاسا وأفقا والمغيرة، وقطع أشجارهم وشفع بهم بعض أصحابه فعفا عنهم، ورجع إلى الشوف ولم يقبل الولاية على إقطاعات الحمادية.
وفي سنة 1686 غاب علي باشا النكدلي والي أطرابلس، فثار الحمادية وقتلوا أبا داغر شيخ حردين وابن رعد شيخ الضنية وغيرهما، فقبض الوالي على اثني عشر رجلا من أتباع الحمادية وأماتهم، ولما رجع والي أطرابلس إليها صدر إليه الأمر أن يحارب الأمير شديد الحرفوش؛ لأنه نهب قرية رأس بعلبك فدعا المقدم قيدبية بن الشاعر، وأبا فاضل رعد من الضنية وابن دندش من عكار، وكتب إلى الأمير بشير الشهابي أن يمده بالرجال فمده وزحف إلى بعلبك، فهرب الأمير شديد إلى بلاد جبيل، ولجأ إلى الحمادية فنزل الباشا على العاقورة فحرقها وحرق أربعين قرية للمتاولة، وقطع أشجارها ودك دار الشيخ حسين حمادة في إيليج، واهتدى عسكره إلى خباياهم في مغارة قنات فغنموها، وبينما كان العسكر نازلا على عين الباطية بتنورين دهمهم الحمادية، فقتلوا منهم خمسة وأربعين رجلا، وأما الوزير فنزل إلى جبيل، وعاد إلى أطرابلس فنزل بعده الحمادية، وحرقوا قلعة جبيل ونكبوا المدينة. (6) في ما كان بسورية في أيام السلطانين سليمان الثاني وأحمد الثاني
Page inconnue