وأما ما أخرجه مسلم من حديث أبى سعيد، قال: قال رسول الله ﷺ: «لا تكتبوا عنى شيئا غير القرآن. . .» الحديث، فلا ينافى ذلك لأن الكلام فى كتابة مخصوصة على صفة مخصوصة وقد كان القرآن كتب كله فى عهد رسول الله ﷺ لكن غير مجموع فى موضع واحد ولا مرتب السور.
قال الحاكم فى المستدرك: جمع القرآن ثلاث مرات:
إحداها: بحضرة النبى ﷺ ثم أخرج بسند على شرط الشيخين عن زيد بن ثابت قال:
«كنا عند رسول الله ﷺ نؤلف القرآن من الرقاع» الحديث.
وقال البيهقى: أشبه أن يكون المراد به تأليف ما نزل من الآيات المفرقة فى سورها وجمعها فيها بإشارة النبى ﷺ.
الثانية: بحضرة أبى بكر.
روى البخارى فى صحيحه عن زيد بن ثابت قال: أرسل إلىّ أبو بكر، مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب عنده، فقال أبو بكر: إن عمر أتانى، فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن، وإنى أخشى أن يستحر القتل بالقراء فى المواطن، فيذهب كثير من القرآن، وإنى أرى أن تأمر بجمع القرآن، فقلت لعمر: كيف نفعل شيئا لم يفعله رسول الله ﷺ؟. قال عمر: هو والله خير، فلم يزل يراجعنى حتى شرح الله صدرى لذلك، ورأيت فى ذلك الذى رأى عمر.
قال زيد: قال أبو بكر: إنك شاب عاقل لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحى لرسول الله ﷺ فتتبع القرآن فأجمعه. فو الله لو كلفونى نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علىّ مما أمرنى به من جمع القرآن.
قلت: كيف تفعلان شيئا لم يفعله رسول الله ﷺ؟. قال: هو والله خير، فلم يزل أبو بكر يراجعنى حتى شرح الله صدرى للذى شرح الله له صدر أبى بكر وعمر، فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال، ووجدت آخر سورة التوبة مع أبى خزيمة الأنصارى لم أجدها مع غيره: ﴿لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ﴾ حتى خاتمة براءة، فكانت الصحف عند أبى بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر.
وأخرج ابن أبى داود فى المصاحف بسند حسن عن عبد خير قال: سمعت عليّا يقول:
«أعظم الناس فى المصاحف أجرا أبو بكر، رحمة الله على أبى بكر، هو أول من جمع كتاب الله».
لكن أخرج أيضا من طريق ابن سيرين، قال: «قال على: لما مات رسول الله ﷺ آليت أن لا آخذ علىّ ردائى إلا لصلاة جامعة حتى أجمع القرآن فجمعته».
قال ابن حجر: هذا الأثر ضعيف لانقطاعه، وبتقدير صحته، فمراده بجمعه حفظه فى
1 / 6