بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
الْحَمد لله بارئ النسم ومسبغ النعم ذِي الْجلَال وَالْإِكْرَام والتفضل والإنعام وَصلى الله على مُحَمَّد خَاتم الْأَنْبِيَاء وَسيد الأصفياء وعَلى آله الطيبين وَأَصْحَابه أَجْمَعِينَ
هَذَا كتاب علم نقط الْمَصَاحِف وكيفيته على صِيغ التِّلَاوَة ومذاهب الْقِرَاءَة فِيمَا اتَّفقُوا عَلَيْهِ وَمَا اخْتلفُوا فِيهِ وعَلى مَا سنه الماضون وَاسْتَعْملهُ الناقطون وَمَا يُوجِبهُ قِيَاس الْعَرَبيَّة وتحققه طَرِيق اللُّغَة مشروحا ذَلِك بأصوله وفروعه مُبينًا بعلله ووجوهه مَعَ ذكر السّنَن الْوَارِدَة عَن السّلف الماضين والائمة الْمُتَقَدِّمين فِي النقط وَمن ابْتَدَأَ بِهِ أَولا وَمن كرهه مِنْهُم وَمن ترخص فِيهِ إِلَى غير ذَلِك مِمَّا ينضاف إِلَيْهِ ويتصل بِهِ من ذكر رسم فواتح السُّور ورؤوس الْآي والخموس والعشور وَمن أَبى ذَلِك وَمن أجَازه
وَبِاللَّهِ تَعَالَى نستعين على بُلُوغ الأمل وإياه نسْأَل التَّوْفِيق للصَّوَاب فِي القَوْل وَالْعَمَل وَهُوَ حَسبنَا وَإِلَيْهِ ننيب وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم
1 / 1
بَاب ذكر الْمَصَاحِف وَكَيف كَانَت عَارِية من النقط وخالية من الشكل وَمن نقطها أَولا من السّلف وَالسَّبَب فِي ذَلِك
حَدثنَا فَارس بن أَحْمد بن مُوسَى الْمُقْرِئ قَالَ ثَنَا أَحْمد بن مُحَمَّد قَالَ حَدثنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن عُثْمَان قَالَ حَدثنَا الْفضل بن شَاذان قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن عِيسَى قَالَ حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن مُوسَى قَالَ أخبرنَا الْوَلِيد بن مُسلم قَالَ حَدثنَا الاوزاعي قَالَ سَمِعت يحيى بن ابي كثير يَقُول كَانَ الْقُرْآن مُجَردا فِي الْمَصَاحِف فَأول مَا أَحْدَثُوا فِيهِ النقط على الْيَاء وَالتَّاء وَقَالُوا لَا بَأْس بِهِ هُوَ نور لَهُ ثمَّ أَحْدَثُوا فِيهَا نقطا عِنْد مُنْتَهى الْآي ثمَّ أَحْدَثُوا الفواتح والخواتم
حَدثنَا فَارس بن أَحْمد قَالَ ثَنَا احْمَد بن مُحَمَّد قَالَ حَدثنَا أَبُو بكر الرَّازِيّ قَالَ ثَنَا أَبُو الْعَبَّاس الْمُقْرِئ قَالَ حَدثنَا احْمَد بن يزِيد قَالَ ثَنَا الْعَبَّاس بن الْوَلِيد قَالَ ثَنَا فديك من أهل قيسارية قَالَ حَدثنَا الاوزاعي قَالَ سَمِعت قَتَادَة يَقُول بدؤوا فنقطوا ثمَّ خمسوا ثمَّ عشروا
قَالَ أَبُو عَمْرو هَذَا يدل على أَن الصَّحَابَة وأكابر التَّابِعين رضوَان الله عَلَيْهِم هم المبتدئون بالنقط ورسم الخموس والعشور لِأَن حِكَايَة قَتَادَة لَا تكون
1 / 2
إِلَّا عَنْهُم إِذْ هُوَ من التَّابِعين وَقَوله بدؤوا الى آخِره دَلِيل على أَن ذَلِك كَانَ عَن اتِّفَاق من جَمَاعَتهمْ وَمَا اتَّفقُوا عَلَيْهِ أَو أَكْثَرهم فَلَا شكول فِي صِحَّته وَلَا حرج فِي اسْتِعْمَاله وَإِنَّمَا أخلى الصَّدْر مِنْهُم الْمَصَاحِف من ذَلِك وَمن الشكل من حَيْثُ أَرَادوا الدّلَالَة على بَقَاء السعَة فِي اللُّغَات والفسحة فِي الْقرَاءَات الَّتِي أذن الله تَعَالَى لِعِبَادِهِ فِي الْأَخْذ بهَا وَالْقِرَاءَة بِمَا شَاءَت مِنْهَا فَكَانَ الْأَمر على ذَلِك إِلَى أَن حدث فِي النَّاس مَا أوجب نقطها وشكلها
وَذَلِكَ مَا حدّثنَاهُ مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَليّ الْبَغْدَادِيّ قَالَ ثَنَا مُحَمَّد بن الْقَاسِم الانباري قَالَ ثَنَا ابي قَالَ حَدثنَا أَبُو عِكْرِمَة قَالَ قَالَ الْعُتْبِي كتب مُعَاوِيَة ﵁ إِلَى زِيَاد يطْلب عبيد الله ابْنه فَلَمَّا قدم عَلَيْهِ كَلمه فَوَجَدَهُ يلحن فَرده إِلَى زِيَاد وَكتب إِلَيْهِ كتابا يلومه فِيهِ وَيَقُول أمثل عبيد الله يضيع فَبعث زِيَاد إِلَى ابي الْأسود فَقَالَ يَا أَبَا الْأسود إِن هَذِه الْحَمْرَاء قد كثرت وأفسدت من ألسن الْعَرَب فَلَو وضعت شَيْئا يصلح بِهِ النَّاس كَلَامهم ويعربون بِهِ كتاب الله تَعَالَى فَأبى ذَلِك أَبُو الْأسود وَكره إِجَابَة زِيَاد إِلَى مَا سَأَلَ
فَوجه زِيَاد رجلا فَقَالَ لَهُ اقعد فِي طَرِيق أبي الْأسود فَإِذا مر بك فاقرأ شَيْئا من الْقُرْآن وتعمد اللّحن فِيهِ فَفعل ذَلِك فَلَمَّا مر بِهِ أَبُو الاسود رفع الرجل صَوته فَقَالَ ﴿أَن الله بَرِيء من الْمُشْركين وَرَسُوله﴾ فاستعظم ذَلِك أَبُو الْأسود وَقَالَ عز وَجه الله أَن يبرأ من رَسُوله ثمَّ رَجَعَ
1 / 3
من فوره إِلَى زِيَاد فَقَالَ يَا هَذَا قد أَجَبْتُك إِلَى مَا سَأَلت وَرَأَيْت أَن أبدأ بإعراب الْقُرْآن إِلَيّ ثَلَاثِينَ رجلا فأحضرهم زِيَاد فَاخْتَارَ مِنْهُم أَبُو الْأسود عشرَة ثمَّ لم يزل يخْتَار مِنْهُم حَتَّى اخْتَار رجلا من عبد الْقَيْس فَقَالَ خُذ الْمُصحف وصبغا يُخَالف لون المداد فَإِذا فتحت شفتي فانقط وَاحِدَة فَوق الْحَرْف وَإِذا ضممتهما فَاجْعَلْ النقطة إِلَى جَانب الْحَرْف وَإِذا كسرتهما فَاجْعَلْ النقطة فِي أَسْفَله فَإِن اتبعت شَيْئا من هَذِه الحركات غنة فانقط نقطتين
فابتدأ بالمصحف حَتَّى أَتَى على آخِره ثمَّ وضع الْمُخْتَصر الْمَنْسُوب إِلَيْهِ بعد ذَلِك
1 / 4
أخبرنَا يُونُس بن عبد الله قَالَ نَا مُحَمَّد بن يحيى قَالَ نَا أَحْمد بن خَالِد قَالَ نَا عَليّ بن عبد الْعَزِيز قَالَ نَا الْقَاسِم بن سَلام قَالَ نَا حجاج عَن هَارُون عَن مُحَمَّد بن بشر عَن يحيى بن يعمر وَكَانَ أول من نقط الْمَصَاحِف
أخبرنَا عبد بن أَحْمد بن مُحَمَّد فِي كِتَابه قَالَ نَا احْمَد بن عَبْدَانِ قَالَ نَا مُحَمَّد بن سهل قَالَ نَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل قَالَ قَالَ حُسَيْن بن الْوَلِيد عَن هَارُون بن مُوسَى أول من نقط الْمُصحف يحيى بن يعمر
أخبرنَا خلف بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الْمُقْرِئ فِي الْإِجَازَة قَالَ نَا مُحَمَّد بن عبد الله
1 / 5
الْأَصْبَهَانِيّ قَالَ أخْبرت عَن أبي بكر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْفضل التسترِي قَالَ نَا مُحَمَّد بن سهل بن عبد الْجَبَّار قَالَ نَا أَبُو حَاتِم قَالَ قَرَأَ يَعْقُوب على سَلام أبي الْمُنْذر وَقَرَأَ سَلام على أبي عَمْرو وَقَرَأَ أَبُو عمر على عبد الله بن ابي إِسْحَاق الْحَضْرَمِيّ وعَلى نصر بن عَاصِم اللَّيْثِيّ وَنصر أول من نقط الْمَصَاحِف وعشرها وخمسها
قَالَ أَبُو عَمْرو يحْتَمل أَن يكون يحيى وَنصر أول من نقطاها للنَّاس بِالْبَصْرَةِ وأخذا ذَلِك عَن أبي الْأسود إِذْ كَانَ السَّابِق إِلَى ذَلِك والمبتدئ بِهِ وَهُوَ الَّذِي جعل الحركات والتنوين لَا غير على مَا تقدم فِي الْخَبَر عَنهُ ثمَّ جعل الْخَلِيل بن احْمَد الْهَمْز وَالتَّشْدِيد وَالروم والإشمام وَقفا النَّاس فِي ذَلِك أثرهما وَاتبعُوا فِيهِ سنتهما وانتشر ذَلِك فِي سَائِر الْبلدَانِ وَظهر الْعَمَل بِهِ فِي كل عصر وَأَوَان وَالْحَمْد لله على كل حَال
حَدثنَا مُحَمَّد بن عَليّ قَالَ نَا ابْن الْأَنْبَارِي قَالَ نَا ابي عَن عمر بن شبة عَن الثَّوْريّ قَالَ سَمِعت أَبَا عُبَيْدَة معمر بن الْمثنى يَقُول أول من وضع النَّحْو أَبُو الْأسود الدولي ثمَّ مَيْمُون الاقرن ثمَّ عَنْبَسَة الْفِيل ثمَّ عبد الله بن ابي إِسْحَاق
قَالَ أَبُو عَمْرو وكل هَؤُلَاءِ قد نقطوا وَأخذ عَنْهُم النقط وَحفظ وَضبط وَقيد وَعمل بِهِ وَاتبع فِيهِ سنتهمْ واقتدى فِيهِ بمذاهبهم
قَالَ مُحَمَّد بن تزيد الْمبرد لما وضع أَبُو الْأسود الدؤَلِي النَّحْو قَالَ ابغوا لي رجلا وَليكن لقنا فَطلب الرجل فَلم يُوجد إِلَّا فِي عبد الْقَيْس فَقَالَ أَبُو الْأسود إِذا رَأَيْتنِي لفظت بالحرف فضممت شفتي فَاجْعَلْ أَمَام الْحَرْف نقطة فَإِذا ضممت شفتي بغنة فَاجْعَلْ نقطتين فَإِذا رَأَيْتنِي قد كسرت شفتي
1 / 6
فَاجْعَلْ أَسْفَل الْحَرْف نقطة فَإِذا كسرت شفتي بغنة فَاجْعَلْ نقطتين فَإِذا رَأَيْت قد فتحت شفتي فَاجْعَلْ على الْحَرْف نقطة فَإِذا فتحت شفتي بغنة فَاجْعَلْ نقطتين قَالَ أَبُو الْعَبَّاس فَلذَلِك النقط بِالْبَصْرَةِ فِي عبد الْقَيْس إِلَى الْيَوْم
قَالَ وَأخذ عَن ابي الْأسود مَيْمُون الأقرن وَأخذ عَن مَيْمُون الاقرن الْخَلِيل بن أَحْمد وَزَاد الْخَلِيل فِي ذَلِك فَجعل على الْحَرْف المشدد ثَلَاث شُبُهَات وَأَخذه من أول شَدِيد فَإِذا كَانَ خَفِيفا جعل عَلَيْهِ خاء وَأَخذه من أول خَفِيف
وَقَالَ أَبُو الْحسن بن كيسَان قَالَ مُحَمَّد بن يزِيد الشكل الَّذِي فِي الْكتب من عمل الْخَلِيل وَهُوَ مَأْخُوذ من صور الْحُرُوف فالضمة وَاو صَغِيرَة الصُّورَة فِي أَعلَى الْحَرْف لِئَلَّا تَلْتَبِس بِالْوَاو الْمَكْتُوبَة والكسرة يَاء تَحت الْحَرْف والفتحة ألف مبطوحة فَوق الْحَرْف
وَقَالَ أَبُو حَاتِم سهل بن مُحَمَّد أصل النقط لعبد الله بن ابي اسحق الْحَضْرَمِيّ معلم ابي عَمْرو بن الْعَلَاء أَخذه النَّاس عَنهُ قَالَ وَيُقَال أول من نقط الْمَصَاحِف نصر بن عَاصِم اللَّيْثِيّ قَالَ والنقط لأهل الْبَصْرَة أَخذه النَّاس كلهم عَنْهُم حَتَّى أهل الْمَدِينَة وَكَانُوا ينقطون على غير هَذَا النقط فَتَرَكُوهُ ونقطوا نقط أهل الْبَصْرَة
قَالَ أَبُو عَمْرو هَذَا الَّذِي قَالَه أَبُو حَاتِم من أهل الْمَدِينَة أخذُوا النقط عَن أهل الْبَصْرَة صَحِيح وَذَلِكَ أَن أَحْمد بن عمر القَاضِي حَدثنَا قَالَ ثَنَا مُحَمَّد
1 / 7
ابْن أَحْمد بن مُنِير قَالَ حَدثنَا عبد الله بن عِيسَى قَالَ ثَنَا قالون قَالَ فِي مصاحف الْمَدِينَة بالسود إِلَّا بهمزتين فِي الْكتاب يَعْنِي نقطها أَلا ترى أَن أهل الْمَدِينَة لَا يجمعُونَ بَين همزتين بل قد كَانَ بَعضهم وَهُوَ أَبُو جَعْفَر يزِيد بن العقعقاع الْقَارئ يسهلهما مَعًا وَهِي لُغَة قُرَيْش فَدلَّ مَا استعملوه فِي نقط مصاحفهم من تحقيقهما وإثباتهما مَعًا بالصفرة الَّتِي جعلوها لنقط الْهَمْز الْمُحَقق خلافًا لقِرَاءَة أئمتهم وَمذهب سلفهم على أَنهم اخذوا ذَلِك عَن غَيرهم وَأَنَّهُمْ اتبعُوا فِي ذَلِك أهل الْبَصْرَة إِذْ كَانُوا المبتدئين بالنقط والسابقين إِلَيْهِ كَمَا تقدم ذَلِك فِي الْأَخْبَار الْوَارِدَة عَن السّلف
ثمَّ أَخذ ذَلِك عَن أهل الْمَدِينَة عَامَّة أهل الْمغرب من الاندلسيين وَغَيرهم ونقطوا بِهِ مصاحفهم وجمعوا بَين الهمزتين وضموا ميمات الْجمع قَالَ قالون أهل الْمَدِينَة يشكلون مصاحفهم بِرَفْع الميمات كلهَا وَجعلُوا النبرات بالصفرة والحركات نقطا بالحمرة وَلم يخالفوهم فِي شَيْء جرى استعمالهم عَلَيْهِ من ذَلِك وَمن غَيره
وَقد تَأَمَّلت مَصَاحِفنَا الْقَدِيمَة الَّتِي كتبت فِي زمَان الْغَازِي بن قيس صَاحب نَافِع بن ابي نعيم وراوية مَالك بن أنس فَوجدت جَمِيع ذَلِك مثبتا فِيهَا مُقَيّدا على حسب مَا أثبت وهيئة مَا يُقيد فِي مصاحف أهل الْمَدِينَة وَكَذَلِكَ رَأَيْت ذَلِك فِي سَائِر الْمَصَاحِف العراقية والشامية ونقاطهم على ذَلِك إِلَى الْيَوْم وَكَذَلِكَ نقاط أهل مَكَّة على أَن سلفهم كَانُوا على غير ذَلِك قَالَ ابْن أشته
1 / 8
رَأَيْت فِي مصحف إِسْمَاعِيل الْقسْط إِمَام أهل مَكَّة الضمة فَوق الْحَرْف والفتحة قُدَّام الْحَرْف ضد مَا عَلَيْهِ النَّاس
قَالَ أَبُو عَمْرو وَأول من صنف النقط ورسمه فِي كتاب وَذكر علله الْخَلِيل بن احْمَد ثمَّ صنف ذَلِك بعده جمَاعَة من النَّحْوِيين والمقرئين وسلكوا فِيهِ طَرِيقه وَاتبعُوا سنته وَاقْتَدوا بمذاهبه مِنْهُم أَبُو مُحَمَّد يحيى بن الْمُبَارك اليزيدي وَابْنه أَبُو عبد الرَّحْمَن عبد الله بن ابي مُحَمَّد وَأَبُو حَاتِم سهل بن مُحَمَّد السجسْتانِي وَأَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عِيسَى الْأَصْبَهَانِيّ وَأَبُو الْحُسَيْن احْمَد بن جَعْفَر بن الْمُنَادِي وَأَبُو بكر احْمَد بن مُوسَى بن مُجَاهِد وَأَبُو بكر مُحَمَّد بن عبد الله بن اشته وَأَبُو الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد بن بشر مقرئ أهل بلدنا وَجَمَاعَة غَيره غير هَؤُلَاءِ
وَمِمَّنْ اشْتهر من الْمُتَقَدِّمين بالنقط واقتدي بِهِ فِيهِ من الْمَدَنِيين عِيسَى بن مينا قالون رِوَايَة نَافِع ومقرىء أهل الْمَدِينَة وَمن الْبَصرِيين بشار بن أَيُّوب أستاذ يَعْقُوب بن اسحق الْحَضْرَمِيّ وَمعلى بن عِيسَى صَاحب الجحدري وَمن الكوفين صَالح بن عَاصِم الناقط صَاحب الْكسَائي وَمن الاندلسيين حَكِيم بن عمرَان صَاحب الْغَازِي بن قيس وسنأتي بِجَمِيعِ مَا رُوِيَ لنا من اتِّفَاقهم وَاخْتِلَافهمْ بعلله ومعانيه فِي موَاضعه إِن شَاءَ الله وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق وَعَلِيهِ التكلان
1 / 9
بَاب ذكر من كره نقط الْمَصَاحِف من السّلف
حَدثنَا خلف بن احْمَد بن ابي خَالِد القَاضِي قَالَ نَا زِيَاد بن عبد الرَّحْمَن اللؤلئي قَالَ نَا مُحَمَّد بن يحيى بن حميد قَالَ نَا مُحَمَّد بن يحيى بن سَلام قَالَ نَا أبي قَالَ نَا عُثْمَان عَن ابْن ٠٠٠ عَن ابْن عمر أَنه كَانَ يكره نقط الْمَصَاحِف قَالَ عُثْمَان وَكَانَ قَتَادَة يكره ذَلِك
حَدثنَا خلف بن إِبْرَاهِيم قَالَ نَا احْمَد بن مُحَمَّد الْمَكِّيّ قَالَ نَا عَليّ بن عبد الْعَزِيز قَالَ نَا الْقَاسِم بن سَلام قَالَ نَا إِسْحَاق الْأَزْرَق عَن سُفْيَان عَن سَلمَة ابْن كهيل عَن أبي الزَّعْرَاء عَن عبد الله قَالَ جردوا الْقُرْآن وَلَا تخلطوه بِشَيْء
حَدثنَا مُحَمَّد بن احْمَد بن عَليّ قَالَ نَا مُحَمَّد بن الْقَاسِم قَالَ نَا سُلَيْمَان بن يحيى قَالَ نَا مُحَمَّد بن سَعْدَان قَالَ نَا أَبُو مُعَاوِيَة عَن جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك قَالَ قَالَ عبد الله بن مَسْعُود جردوا الْقُرْآن
حَدثنَا الخاقاني خلف بن إِبْرَاهِيم قَالَ نَا أَحْمد بن مُحَمَّد قَالَ نَا عَليّ بن
1 / 10
عبد الْعَزِيز قَالَ نَا الْقَاسِم بن سَلام قَالَ نَا هشيم قَالَ أَنا مُغيرَة عَن إِبْرَاهِيم أَنه كَانَ يكره نقط الْمَصَاحِف وَيَقُول جردوا الْقُرْآن وَلَا تخلطوا بِهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ
نَا خلف بن إِبْرَاهِيم قَالَ نَا أَحْمد بن مُحَمَّد قَالَ نَا عَليّ قَالَ نَا أَبُو عبيد قَالَ نَا يزِيد عَن هِشَام عَن الْحسن وَابْن سِيرِين انهما كَانَا يكرهان نقط الْمَصَاحِف
حدثت عَن الْحسن بن رَشِيق قَالَ نَا أَبُو الْعَلَاء مُحَمَّد بن أَحْمد الذهلي قَالَ لنا أَبُو بكر بن ابي شيبَة قَالَ أَنا أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ عَن شُعْبَة عَن أبي رَجَاء قَالَ سَأَلت مُحَمَّدًا عَن نقط الْمَصَاحِف فَقَالَ إِنِّي أَخَاف أَن يزِيدُوا فِي الْحُرُوف أَو ينقصوا
حَدثنِي عبد الْملك بن الْحُسَيْن قَالَ نَا عبد الْعَزِيز بن عَليّ قَالَ نَا الْمِقْدَام ابْن تليد قَالَ نَا عبد الله بن عبد الحكم قَالَ قَالَ أَشهب سُئِلَ مَالك فَقيل لَهُ أَرَأَيْت من استكتب مُصحفا الْيَوْم أَتَرَى أَن يكْتب على مَا أحدث النَّاس من الهجاء الْيَوْم فَقَالَ لَا أرى ذَلِك وَلَكِن يكْتب على الكتبة الأولى قَالَ مَالك وَلَا يزَال الْإِنْسَان يسألني عَن نقط الْقُرْآن فَأَقُول لَهُ أما الإِمَام من الْمَصَاحِف فَلَا أرى أَن ينقط وَلَا يُزَاد فِي الْمَصَاحِف مَا لم يكن فِيهَا وَأما الْمَصَاحِف الصغار الَّتِي يتَعَلَّم فِيهَا الصّبيان وألواحهم فَلَا أرى بذلك بَأْسا قَالَ عبد الله وَسمعت مَالِكًا وَسُئِلَ عَن شكل الْمَصَاحِف فَقَالَ أما الْأُمَّهَات فَلَا أرَاهُ وَأما الْمَصَاحِف الَّتِي يتَعَلَّم فِيهَا الغلمان فَلَا بَأْس
1 / 11
بَاب ذكر من ترخص فِي نقطها
حَدثنَا فَارس بن أَحْمد قَالَ نَا احْمَد بن مُحَمَّد قَالَ نَا احْمَد بن عُثْمَان الرَّازِيّ قَالَ نَا الْفضل بن شَاذان قَالَ نَا أَحْمد بن ابي مُحَمَّد قَالَ نَا هِشَام بن عمار قَالَ نَا مسلمة بن عَليّ قَالَ نَا الْأَوْزَاعِيّ عَن ثَابت بن معبد قَالَ الْعَجم نور الْكتاب
حَدثنَا الخاقاني خلف بن إِبْرَاهِيم قَالَ نَا احْمَد بن مُحَمَّد قَالَ نَا عَليّ بن عبد الْعَزِيز قَالَ نَا الْقَاسِم بن سَلام قَالَ نَا هشيم قَالَ أَنا مَنْصُور قَالَ سَأَلت الْحسن عَن نقط الْمَصَاحِف قَالَ لَا بَأْس بِهِ مَا لم تَبْغُوا
حدثت عَن الْحسن بن رَشِيق قَالَ نَا أَبُو الْعَلَاء الْكُوفِي قَالَ نَا أَبُو بكر ابْن ابي شيبَة قَالَ أَنا وَكِيع عَن الْهُذلِيّ عَن الْحسن قَالَ لَا بَأْس بنقطها بالأحمر
حَدثنَا خلف بن إِبْرَاهِيم قَالَ نَا أَحْمد بن مُحَمَّد قَالَ نَا عَليّ بن عبد الْعَزِيز
1 / 12
قَالَ نَا أَبُو عبيد قَالَ نَا الانصاري عَن أَشْعَث عَن الْحسن قَالَ لَا بَأْس بنقط الْمَصَاحِف وَكَرِهَهُ ابْن سِيرِين
حَدثنَا خلف بن إِبْرَاهِيم قَالَ نَا احْمَد الْمَكِّيّ قَالَ نَا عَليّ قَالَ نَا الْقَاسِم قَالَ نَا عبد الرَّحْمَن بن مهْدي عَن حَمَّاد بن زيد عَن خَالِد الْحذاء قَالَ كنت أمسك على ابْن سِيرِين فِي مصحف منقوط
أخبرنَا أَبُو الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد الربعِي قَالَ نَا عَليّ بن مسرور الدّباغ قَالَ نَا احْمَد بن ابي سُلَيْمَان قَالَ نَا سَحْنُون بن سعيد قَالَ نَا عبد الله بن وهب قَالَ حَدثنِي نَافِع بن أبي نعيم قَالَ سَأَلت ربيعَة بن ابي عبد الرَّحْمَن عَن شكل الْقُرْآن فِي الْمُصحف فَقَالَ لَا بَأْس بِهِ قَالَ ابْن وهب وحَدثني اللَّيْث قَالَ لَا أرى بَأْسا أَن ينقط الْمُصحف بِالْعَرَبِيَّةِ قَالَ ابْن وهب وَقَالَ لي مَالك أما هَذِه الْمَصَاحِف الصغار فَلَا أرى بَأْسا وَأما الْأُمَّهَات فَلَا
أخْبرت عَن مسلمة بن الْقَاسِم قَالَ نَا صَالح بن احْمَد بن عبد الله بن صَالح قَالَ نَا ابي قَالَ قَالَ أَبُو يُوسُف كَانَ ابْن ابي ليلى من انقط النَّاس لمصحف
حَدثنَا مُحَمَّد بن عَليّ الْكَاتِب قَالَ نَا أَبُو بكر بن مُجَاهِد قَالَ قَالَ خلف يَعْنِي ابْن هِشَام الْبَزَّار كنت أحضر بَين يَدي الْكسَائي وَهُوَ يقْرَأ على النَّاس وينقطون مصاحفهم بقرَاءَته عَلَيْهِم
1 / 13
بَاب ذكر مَا جَاءَ فِي تعشير الْمَصَاحِف وتخميسها وَمن كره ذَلِك وَمن أجَازه
حَدثنَا خلف بن إِبْرَاهِيم قَالَ نَا أَحْمد بن مُحَمَّد قَالَ نَا عَليّ قَالَ نَا الْقَاسِم ابْن سَلام قَالَ نَا أَبُو بكر بن عَيَّاش قَالَ نَا أَبُو حُصَيْن عَن يحيى بن وثاب عَن مَسْرُوق عَن عبد الله أَنه كره التعشير فِي الْمُصحف
حَدثنَا خلف بن إِبْرَاهِيم قَالَ نَا احْمَد قَالَ نَا عَليّ قَالَ نَا أَبُو عبيد قَالَ نَا عبد الرَّحْمَن بن مهْدي عَن زَائِدَة بن قدامَة عَن ابي حُصَيْن عَن يحيى بن وثاب عَن مَسْرُوق عَن عبد الله انه كَانَ يحك التعشير من الْمُصحف
حدثت عَن الْحسن بن رَشِيق قَالَ نَا أَبُو الْعَلَاء قَالَ نَا أَبُو بكر بن ابي شيبَة قَالَ نَا أَبُو بكر بن عَيَّاش عَن ابي حُصَيْن عَن يحيى عَن مَسْرُوق عَن عبد الله انه كَانَ يكره التعشير فِي الْمُصحف
وَبِه عَن ابْن ابي شيبَة قَالَ نَا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر عَن حجاج عَن عَطاء انه كره التعشير فِي الْمُصحف أَو يكْتب فِيهِ شَيْء من غَيره
1 / 14
وَبِه عَن ابْن أبي شيبَة قَالَ أَنا الْمحَاربي عَن لَيْث عَن مُجَاهِد انه كَانَ يكره أَن يكْتب فِي الْمُصحف تعشير أَو تَفْصِيل
وَبِه عَن ابْن شيبَة قَالَ نَا عَفَّان قَالَ نَا حَمَّاد بن زيد عَن شُعَيْب بن الحبحاب أَن أَبَا الْعَالِيَة كَانَ يكره العواشر
حَدثنَا خلف بن إِبْرَاهِيم قَالَ نَا احْمَد الْمَكِّيّ قَالَ نَا عَليّ قَالَ نَا الْقَاسِم قَالَ نَا عبد الرَّحْمَن عَن سُفْيَان عَن لَيْث عَن مُجَاهِد انه كره التعشير وَالطّيب فِي الْمُصحف
حَدثنَا خلف بن إِبْرَاهِيم قَالَ نَا احْمَد قَالَ نَا عَليّ قَالَ نَا أَبُو عبيد قَالَ نَا يزِيد عَن هِشَام عَن ابْن سِيرِين انه كَانَ يكره الفواتح والعواشر الَّتِي فِيهَا قَاف كَاف
حَدثنِي عبد الْملك بن الْحُسَيْن قَالَ نَا عبد الْعَزِيز بن عَليّ قَالَ نَا الْمِقْدَام بن تليد قَالَ نَا عبد الله بن عبد الحكم قَالَ سَمِعت مَالِكًا وَسُئِلَ عَن العشور الَّتِي تكون فِي الْمُصحف بالحمرة وَغَيرهَا من الألوان فكره ذَلِك وَقَالَ تعشير الْمُصحف بالحبر لَا بَأْس بِهِ
حَدثنَا فَارس بن أَحْمد قَالَ نَا أَحْمد بن مُحَمَّد قَالَ نَا أَبُو بكر الرَّازِيّ قَالَ نَا الْفضل بن شَاذان قَالَ نَا أَحْمد بن يزِيد قَالَ نَا الْعَبَّاس بن الْوَلِيد قَالَ نَا فديك قَالَ نَا الْأَوْزَاعِيّ قَالَ سَمِعت قَتَادَة يَقُول بدؤوا فنقطوا ثمَّ خمسوا ثمَّ عشروا
قَالَ أَبُو عَمْرو وَهَذَا يدل على التَّرَخُّص فِي ذَلِك وَالسعَة فِيهِ
1 / 15
بَاب ذكر مَا جَاءَ فِي رسم فواتح السُّور وَعدد آيهن وَمن شدد فِي ذَلِك وَمن تسهل فِيهِ
حَدثنَا خلف بن احْمَد قَالَ نَا زِيَاد بن عبد الرَّحْمَن قَالَ نَا مُحَمَّد بن يحيى ابْن حميد قَالَ نَا مُحَمَّد بن يحيى بن سَلام قَالَ نَا ابي قَالَ حَدثنِي حَمَّاد بن سَلمَة عَن ابي حَمْزَة قَالَ رأى إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ فِي مصحفي فَاتِحَة سُورَة كَذَا وَكَذَا وفاتحة سُورَة كَذَا وَكَذَا فَقَالَ لي امحه فَإِن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ لَا تخلطوا فِي كتاب الله مَا لَيْسَ مِنْهُ
حَدثنَا خلف بن إِبْرَاهِيم قَالَ نَا احْمَد بن مُحَمَّد قَالَ نَا عَليّ بن عبد الْعَزِيز قَالَ نَا الْقَاسِم بن سَلام قَالَ نَا يحيى بن سعيد عَن أبي بكر السراج قَالَ قلت لأبي رزين أأكتب فِي مصحفي سُورَة كَذَا وَكَذَا قَالَ إِنِّي أَخَاف أَن ينشأ قوم لَا يعرفونه فيظنوا أَنه من الْقُرْآن
حدثت عَن الْحسن بن رَشِيق قَالَ نَا أَبُو الْعَلَاء الْكُوفِي قَالَ نَا ابو بكر
1 / 16
ابْن ابي شيبَة قَالَ أَنا وَكِيع عَن إِبْرَاهِيم انه كره النقط وخاتمة سُورَة كَذَا وَكَذَا
حَدثنَا فَارس بن احْمَد الْمُقْرِئ قَالَ نَا احْمَد بن مُحَمَّد قَالَ نَا احْمَد بن عُثْمَان قَالَ نَا ابْن شَاذان قَالَ نَا مُحَمَّد بن عِيسَى قَالَ نَا ابراهيم بن مُوسَى قَالَ أَنا الْوَلِيد بن مُسلم قَالَ نَا الاوزاعي سَمِعت يحيى بن ابي كثير يَقُول كَانَ الْقُرْآن مُجَردا فِي الْمَصَاحِف فَأول مَا أَحْدَثُوا فِيهَا النقط على التَّاء وَالْيَاء وَقَالُوا لَا بَأْس بِهِ هُوَ نور لَهُ ثمَّ أَحْدَثُوا فِيهَا نقطا عِنْد مُنْتَهى الْآي ثمَّ أَحْدَثُوا الفواتح والخواتم
قَالَ أَبُو عَمْرو وَهَذَا يدل على التَّوسعَة فِي ذَلِك
حَدثنَا عبد الْملك بن الْحُسَيْن قَالَ نَا عبد الْعَزِيز بن عَليّ قَالَ نَا الْمِقْدَام قَالَ نَا ابْن عبد الحكم قَالَ قَالَ ابْن وهب وَابْن الْقَاسِم سمعنَا مَالِكًا سُئِلَ عَن الْمَصَاحِف تكْتب فِيهَا خَوَاتِم السُّور فِي كل سُورَة مَا فِيهَا من آيَة فَقَالَ إِنِّي اكره ذَلِك فِي أُمَّهَات الْمَصَاحِف أَن يكْتب فِيهَا شَيْء أَو يشكل فَأَما مَا يتَعَلَّم فِيهِ الغلمان من الْمَصَاحِف فَلَا أرى بذلك بَأْسا قَالَ عبد الله بن عبد الحكم وَأخرج إِلَيْنَا مَالك مُصحفا محلى بِالْفِضَّةِ ورأينا خواتمه من حبر على عمل السلسلة فِي طول السطر قَالَ ورأيته معجوم الْآي بالحبر وَذكر أَنه لجده وانه كتبه إِذْ كتب عُثْمَان الْمَصَاحِف
حَدثنَا خلف بن إِبْرَاهِيم قَالَ نَا احْمَد بن مُحَمَّد قَالَ نَا عَليّ قَالَ نَا أَبُو عبيد قَالَ نَا مُحَمَّد بن كثير عَن الاوزاعي عَن يحيى بن ابي كثير قَالَ مَا كَانُوا يعْرفُونَ شَيْئا مِمَّا أحدث فِي هَذِه الْمَصَاحِف إِلَّا هَذِه النقط الثَّلَاث عِنْد رُؤُوس الْآيَات
1 / 17
بَاب جَامع القَوْل فِي النقط وعَلى مَا يبْنى من الْوَصْل وَالْوَقْف وَمَا يسْتَعْمل لَهُ من الألوان وَمَا يكره من جمع قراءات شَتَّى وَرِوَايَات مُخْتَلفَة فِي مصحف وَاحِد وَمَا يتَّصل بذلك من الْمعَانِي اللطيفة والنكت الْخفية
اعْلَم أيدك الله بتوفيقه أَن الَّذِي دَعَا السّلف ﵃ إِلَى نقط الْمَصَاحِف بعد أَن كَانَت خَالِيَة من ذَلِك وعارية مِنْهُ وَقت رسمها وَحين توجيهها إِلَى الْأَمْصَار للمعنى الَّذِي بَيناهُ وَالْوَجْه الَّذِي شرحناه مَا شاهدوه من أهل عصرهم مَعَ قربهم من زمن الفصاحة ومشاهدة أَهلهَا من فَسَاد ألسنتهم وَاخْتِلَاف ألفاظهم وَتغَير طباعهم وَدخُول اللّحن على كثير من خَواص النَّاس وعوامهم وَمَا خافوه مَعَ مُرُور الْأَيَّام وتطاول الْأَزْمَان من تزيد ذَلِك وتضاعفه فِيمَن يَأْتِي بعد مِمَّن هُوَ لَا شكّ فِي الْعلم والفصاحة والفهم والدراية دون من شاهدوه مِمَّن عرض لَهُ الْفساد وَدخل عَلَيْهِ اللّحن
1 / 18
لكَي يرجع إِلَى نقطها ويصار إِلَى شكلها عِنْد دُخُول الشكوك وَعدم الْمعرفَة ويتحقق بذلك إِعْرَاب الْكَلم وتدرك بِهِ كَيْفيَّة الالفاظ
ثمَّ إِنَّهُم لما رَأَوْا ذَلِك وقادهم الِاجْتِهَاد إِلَيْهِ بنوه على وصل الْقَارئ بالكلم دون وَقْفَة عَلَيْهِنَّ فأعربوا أواخرهن لذَلِك لَان الْإِشْكَال اكثر مَا يدْخل على الْمُبْتَدِئ المتعلم وَالوهم اكثر مَا يعرض لمن لَا يبصر الْإِعْرَاب وَلَا يعرف الْقِرَاءَة فِي إِعْرَاب أَوَاخِر الْأَسْمَاء وَالْأَفْعَال فَلذَلِك بنوا النقط على الْوَصْل دون الْوَقْف وَأَيْضًا فَإِن الْقَارئ قد يقْرَأ الْآيَة وَالْأَكْثَر فِي نفس وَاحِد وَلَا يقطع على شَيْء من كلمها فَلَا بُد من إِعْرَاب مَا يصله من ذَلِك ضَرُورَة
قَالَ أَبُو عَمْرو فَأَما نقط الْمَصَاحِف بِالسَّوَادِ من الحبر وَغَيره فَلَا أستجيزه بل أنهى عَنهُ وَأنْكرهُ اقْتِدَاء بِمن ابْتَدَأَ النقط من السّلف واتباعا لَهُ فِي اسْتِعْمَاله لذَلِك صبغا يُخَالف لون المداد إِذْ كَانَ لَا يحدث فِي المرسوم تغييرا وَلَا تَخْلِيطًا والسواد يحدث ذَلِك فِيهِ أَلا ترى انه رُبمَا زيد فِي النقطة فتوهمت لأجل السوَاد الَّذِي بِهِ ترسم الْحُرُوف انها حرف من الْكَلِمَة فزيد فِي تلاوتها لذَلِك وَلأَجل هَذَا وَردت الْكَرَاهَة عَمَّن تقدم من الصَّحَابَة وَغَيرهم فِي نقط الْمَصَاحِف
وَالَّذِي يَسْتَعْمِلهُ نقاط أهل الْمَدِينَة فِي قديم الدَّهْر وَحَدِيثه من الألوان فِي نقط مصاحفهم الْحمرَة والصفرة لَا غير فَأَما الْحمرَة فللحركات والسكون وَالتَّشْدِيد وَالتَّخْفِيف وَأما الصُّفْرَة فللهمزات خَاصَّة كَمَا نَا احْمَد بن عمر الجيزي قَالَ نَا مُحَمَّد ابْن احْمَد بن مُنِير قَالَ نَا عبد الله بن عِيسَى الْمدنِي قَالَ نَا قالون أَن فِي مصاحف
1 / 19
أهل الْمَدِينَة مَا كَانَ من حرف مخفف فَعَلَيهِ دارة حمرَة وَإِن كَانَ حرفا مسكنا فَكَذَلِك أَيْضا قَالَ وَمَا كَانَ من الْحُرُوف الَّتِي بنقط الصُّفْرَة فمهموزة
قَالَ أَبُو عَمْرو وعَلى مَا اسْتَعْملهُ أهل الْمَدِينَة من هذَيْن اللونين فِي الْمَوَاضِع الَّتِي ذَكرنَاهَا عَامَّة نقاط أهل بلدنا قَدِيما وحديثا من زمَان الْغَاز بن قيس صَاحب نَافِع بن ابي نعيم ﵀ إِلَى وقتنا هَذَا اقْتِدَاء بمذاهبهم واتباعا لسننهم
فَأَما نقاط أهل الْعرَاق فيستعملون للحركات وَغَيرهَا وللهمزات الْحمرَة وَحدهَا وَبِذَلِك تعرف مصاحفهم وتميز من غَيرهَا
وَطَوَائِف من أهل الْكُوفَة وَالْبَصْرَة قد يدْخلُونَ الْحُرُوف الشواذ فِي الْمَصَاحِف وينقطونها بالخضرة وَرُبمَا جعلُوا الخضرة للْقِرَاءَة الْمَشْهُورَة الصَّحِيحَة وَجعلُوا الْحمرَة للْقِرَاءَة الشاذة المتروكة وَذَلِكَ تَخْلِيط وتغيير وَقد كره ذَلِك جمَاعَة من الْعلمَاء
أَخْبرنِي الخاقاني أَن مُحَمَّد بن عبد الله الْأَصْبَهَانِيّ حَدثهمْ بِإِسْنَادِهِ عَن احْمَد بن جُبَير الانطاكي قَالَ إياك والخضرة الَّتِي تكون فِي الْمَصَاحِف فَإِنَّهُ يكون فِيهَا لحن وَخلاف للتأويل وحروف لم يقْرَأ بهَا أحد
قَالَ أَبُو عَمْرو وأكره من ذَلِك واقبح مِنْهُ مَا اسْتَعْملهُ نَاس من الْقُرَّاء وجهلة من النقاط من جمع قراءات شَتَّى وحروف مُخْتَلفَة فِي مصحف وَاحِد وجعلهم لكل قِرَاءَة وحرف لونا من الألوان الْمُخَالفَة للسواد كالحمرة والخضرة والصفرة واللازورد وتنبيههم على ذَلِك فِي أول الْمُصحف ودلالتهم عَلَيْهِ هُنَاكَ لكَي تعرف الْقرَاءَات وتميز الْحُرُوف إِذْ ذَلِك من اعظم التَّخْلِيط وَأَشد التَّغْيِير للمرسوم
1 / 20