Dialogues d'Alfred North Whitehead
محاورات ألفرد نورث هوايتهد
Genres
فأجاب في خشونة غير معهودة فيه: «لم يحدث ذلك قط.»
ولمدة ستة عشر عاما في كمبردج - فيما يظهر - كان في صراع دائم مع الأرق، وكلما حل شهر سبتمبر بعد قضاء عطلة الصيف في الريف الإنجليزي، في كنت، أو في قرية صغيرة على البحر، ساوره الشك أن يحتمل عاما دراسيا بعد ذلك، بيد أن الأرق لم يؤثر قط في عمله، وأخذ يزول في لندن، وبرأ منه نهائيا آخر الأمر. وخلال ثماني سنوات من سني كمبردج كان يطلع على علوم الدين، وكانت مطالعاته كلها في هذه العلوم خارج المنهج الدراسي، بيد أنها كانت شاملة بحيث أمكنه أن يجمع مكتبة دينية ضخمة، وفي نهاية هذه السنوات الثماني طلق الموضوع وباع الكتب، وعرض عليه أحد باعة الكتب في كمبردج مبلغا طيبا نظير هذه المجموعة، ولكن تبين له أن هوايتهد يريد أن يبيعها لقاء كتب من مكتبته، واسترسل هوايتهد في شراء الكتب حتى أنفق فيها أكثر ما يمتلك من مال. •••
وفي منتصف حياته، بعدما أنجب ثلاثة أطفال، حزم وزوجه أمرهما على الهجرة إلى لندن، وكانت مغامرة صادرة عن إيمان، ولكنها بغير هدف معين، وفي جامعة لندن «اشتغلت بغسل الزجاجات» على حد تعبيره، ولبث على ذلك ثلاث سنوات، ثم أنشئ له بعد ذلك كرسي أستاذية، وبعد اثني عشر عاما أصبح رئيس مجلس الجامعة. «وهذه الخبرة بمشكلات لندن، التي مارستها أربعة عشر عاما (من 1910م إلى 1924م) حورت آرائي في مشكلات التعليم العالي في مدينة صناعية حديثة، وكان السائد في ذلك الحين ضيق الأفق في النظر إلى وظيفة الجامعات، بل إن هذا الأفق الضيق ما يزال قائما. كان هناك طراز أكسفورد وكمبردج من ناحية، والطراز الألماني من ناحية أخرى ... غير أن الكثرة الهائجة المائجة من أرباب الحرف، الذين يبحثون عن الاستنارة العقلية، وذلك الشباب الناهض من كل مستوى اجتماعي الذي يتشوق إلى المعرفة الشافية، والمشكلات المتنوعة التي ترتبت على ذلك - كل هذا كان عاملا جديدا في المدنية، ولكن دنيا العلماء كانت غارقة في الماضي السحيق.»
وانتهى القرن التاسع عشر في 4 من أغسطس من عام 1914م. واشترك ولداه نورث وأريك في الحرب العالمية الأولى، ومات أصغرهما أريك في الحرب وكان طيارا، والتحقت ابنته جسي بوزارة الخارجية. ولا تستطيع أن تدرك إلا إدراكا طفيفا جدا كيف أثر فقدان أريك في والديه، وذلك بعدما تتعرف إليهما شيئا فشيئا عاما بعد عام، واستطاعا في نهاية الأمر أن يتحدثا عنه في حماسة وبابتسام، ولكن هوايتهد قال مرة إن الكلمات التي تعبر عن الحزن مهما بلغت حيويتها، ومحاولات العزاء حتى حينما تصدر عن أساتذة اللفظ، عن الشعراء الإنجليز، ليست عنده إلا محاولات مخفقة «تجعل من العاطفة الحقيقية شيئا تافها.»
وبهذا انتهى المجلد الثاني من حياة هوايتهد. •••
وكانت دعوته لجامعة هارفارد في عام 1924م مفاجأة تامة، سلمته زوجته الخطاب ذات مساء مقبض في الداخل وفي الخارج، وقرأ الخطاب وهما يجلسان إلى جوار الموقد، ثم رده إليها، فقرأته، ثم سألته: «وما رأيك فيه؟» ولشد ما كانت دهشتها حينما قال: «إني لأوثر هذا على أي شيء آخر في الدنيا.»
أما طريقة مجيئهما فلم تعرف بعد على وجه عام. صدرت الدعوة - بطبيعة الحال - من المستر لولي باعتباره رئيسا للجامعة، غير أن فكرة الدعوة قد نبتت أولا في ذهن لورنس هندرسن وأمدت أسرة هنري أوزبرن تيلر المبالغ اللازمة لكرسي هوايتهد، ولم يعلم بذلك هوايتهد وزوجه نفسهما إلا بعد سنوات عدة.
والآن يبدأ المجلد الثالث من حياته.
في عام 1924م يبدأ ألفرد نورث هوايتهد وهو في الثالثة والستين من عمره في أرض جديدة حياة جديدة، وهي في سيرته أشد سني حياته بريقا وإنتاجا، وقد شع هذا الضوء العظيم فوق هارفارد في رفق وفي هدوء، وبدأت السماء تضيء بإشعاع الخلود الأبيض الناصع، وتحدث الناس مرة أخرى عن قسم الفلسفة كما كانوا يتحدثون عنه قبل ذلك بعشرين عاما، إبان ازدهاره في عهد وليم جيمز وجوسيا رويس وجورج سنتايانا وهوجو مونستربرج، وبدأت مؤلفات هوايتهد الكبرى تتوالى واحدا في إثر آخر؛ «العلم والعالم الحديث» في عام 1925م، و«التطور والحقيقة» في عام 1929م، ثم أشق مؤلفاته ولكنه المؤلف الذي قال عنه صاحبه إنه «أشد ما يكون حاجة إلى كتابته»، وهو «مغامرات الأفكار» في عام 1933م، وهو كتاب فيه قطعا من نفس هوايتهد أكثر مما في غيره من المؤلفات، وفي عام 1938م أخرج «طرائق التفكير» ... وقائمة الكتب المنشورة أطول من ذلك بكثير بطبيعة الحال.
وكان المتوقع أن يكتب في هارفارد ولا يعلم إلا قليلا. وقد قام بالعملين معا؛ فكان يحاضر ثلاث مرات كل أسبوع، ولم يكفه أن يسمح لطلابه بالاجتماع به عشرين دقيقة، بل كان يخصص لهم فترة ما بعد الظهر بأسرها أو فترة المساء كلها، «ومن وحي هذه الاجتماعات يعود المرء بنغم جديد.» وكانت الأفكار تسير في اتجاهين متقابلين؛ لأن هوايتهد كان يحس أنه بحاجة إلى الاحتكاك بالعقول الشابة كي تبقى ينابيعه في تدفق مستمر، وهو يقول: «من الخطأ الفاحش أن نظن أن الكبار لا يستطيعون التعلم من الصغار.»
Page inconnue