سلكت دربا ما، وقادني لدرب ما، ولا أتذكر كيف أو متى وجدت نفسي فوق سطوح بناية شاهقة، واتخذت من السطوح مأوى، وهناك التقيت بإيناس للمرة الثانية في حياتي.
2
في لحظة غير عادية أصابت غريب نوبة مفاجئة وحادة من الجدية، فقرر أن يعثر على عمل ، ولكن لا أحد يعمل دون هوية، وقبل أن يتعافى من نوبة الجدية بهنيهة عثر على كومة من كراتين الأحذية الفارغة ملقاة بجانب القمامة، فأخذ بعضها، واتجه بها صوب وزارة الداخلية.
قام بقلبها ليرتب فوقها عددا من مغلفات بطاقة الهوية، وراح ينادي أمام المارة بأعلى صوت: «بيت هوية .. جدد هويتك .. جدد حياتك.»
وكان الأطفال، «كما يصفهم غريب»، يستلمون بطاقات هوياتهم ويشترون منه المغلفات، كان يضحك كلما أسعد طفلا بمغلف جديد. وهناك التقى بإيناس للمرة الأولى ولم تنتبه له. اقترب منها مسرعا ومد مغلفا أمام وجهها، وحتى إنه تجرأ وغازلها قائلا: «جددي حياتك.»
حركت كف يدها مبعدة المغلف من أمام وجهها وكأنها تبعد ذبابة طائشة ولم تر غريب، كأنه لا أحد.
3
أنا لا أحد بالفعل، أجدد حياة الآخرين ببطاقة هوية لا أمتلكها، ومن لا يمتلك هوية لا وجود له .. تلك حقيقة لم أكتشفها إلا بعد تراكم التهم الصادرة بحقي.
التهمة الأولى ..
لقد أصدرت الدولة قرارا بمنع الباعة المتجولين وأصحاب البسطات من العمل حرصا على المنظر العام، ولكني لم ألتزم به ظنا مني أن الهوية مكسب وطني عظيم لا يمكن له أن يفسد المنظر العام «أجل .. لقد كنت أحمق.»
Page inconnue