Le Muharrar Wajiz
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز
Enquêteur
عبد السلام عبد الشافي محمد
Maison d'édition
دار الكتب العلمية - بيروت
Édition
الأولى - 1422 هـ
داوردان، وقع بها الطاعون فهربوا منه وهم بضعة وثلاثون ألفا» . في حديث طويل، ففيهم نزلت الآية.
وقال إنهم فروا من الطاعون: الحسن وعمرو بن دينار. وحكى النقاش أنهم فروا من الحمى. وحكى فيهم مجاهد أنهم لما أحيوا رجعوا إلى قومهم يعرفون. لكن سحنة الموت على وجوههم. ولا يلبس أحد منهم ثوبا إلا عاد كفنا دسما حتى ماتوا لآجالهم التي كتبت لهم، وروى ابن جريج عن ابن عباس أنهم كانوا من بني إسرائيل، وأنهم كانوا أربعين ألفا وثمانية آلاف، وأنهم أميتوا ثم أحيوا وبقيت الرائحة على ذلك السبط من بني إسرائيل إلى اليوم، فأمرهم الله بالجهاد ثانية فذلك قوله وقاتلوا في سبيل الله [البقرة: 190- 244 ] .
قال القاضي أبو محمد: وهذا القصص كله لين الأسانيد، وإنما اللازم من الآية أن الله تعالى أخبر نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أخبارا في عبارة التنبيه والتوقيف، عن قوم من البشر خرجوا من ديارهم فرارا من الموت، فأماتهم الله تعالى ثم أحياهم، ليرواهم وكل من خلف بعدهم أن الإماتة إنما هي بيد الله لا بيد غيره، فلا معنى لخوف خائف ولاغترار مغتر، وجعل الله تعالى هذه الآية مقدمة بين يدي أمره المؤمنين من أمة محمد بالجهاد. هذا قول الطبري، وهو ظاهر رصف الآية، ولموردي القصص في هذه القصة زيادات اختصرتها لضعفها. واختلف الناس في لفظ ألوف. فقال الجمهور: هي جمع ألف. وقال بعضهم: كانوا ثمانين ألفا. وقال ابن عباس: «كانوا أربعين ألفا» . وقيل: كانوا ثلاثين ألفا. وهذا كله يجري مع ألوف إذا هو جمع الكثير، وقال ابن عباس أيضا: «كانوا ثمانية آلاف» ، وقال أيضا: أربعة آلاف، وهذا يضعفه لفظ ألوف لأنه جمع الكثير. وقال ابن زيد في لفظ ألوف: «إنما معناها وهم مؤتلفون» أي لم تخرجهم فرقة قومهم ولا فتنة بينهم. إنما كانوا مؤتلفين، فخالفت هذه الفرقة فخرجت فرارا من الموت وابتغاء الحياة، فأماتهم الله في منجاهم بزعمهم.
وقوله تعالى: فقال لهم الله موتوا الآية، إنما هي مبالغة في العبارة عن فعله بهم. كأن ذلك الذي نزل بهم فعل من قيل له: مت، فمات، وحكي أن ملكين صاحا بهم: موتوا، فماتوا. فالمعنى قال لهم الله بواسطة الملكين. وهذا الموت ظاهر الآية، وما روي في قصصها أنه موت حقيقي فارقت فيه الأرواح الأجساد، وإذا كان ذلك فليس بموت آجالهم، بل جعله الله في هؤلاء كمرض حادث مما يحدث على البشر. وقوله تعالى: إن الله لذو فضل على الناس الآية، تنبيه على فضل الله على هؤلاء القوم الذين تفضل عليهم بالنعم وأمرهم بالجهاد، وأمرهم بأن لا يجعلوا الحول والقوة إلا له، حسبما أمر جميع العالم بذلك، فلم يشكروا نعمته في جميع هذا، بل استبدوا وظنوا أن حولهم وسعيهم ينجيهم. وهذه الآية تحذير لسائر الناس من مثل هذا الفعل، أي فيجب أن يشكر الناس فضل الله في إيجاده لهم ورزقه إياهم وهدايته بالأوامر والنواهي، فيكون منهم الجري إلى امتثالها لا طلب الخروج عنها، وتخصيصه تعالى الأكثر دلالة على الأقل الشاكر.
قوله عز وجل:
[سورة البقرة (2) : الآيات 244 الى 246]
وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم (244) من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة والله يقبض ويبصط وإليه ترجعون (245) ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم والله عليم بالظالمين (246)
Page 328