المجلد الأول
مقدمة
...
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه أستعين
قال الشيخ الإمام العالم العلامة السيد الحبر الكامل شيخ الإسلام مجد الدين أبو البركات عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن محمد بن تيمية الحراني ﵀.
الحمد لله مولى النعم الباطنة والظاهرة وصلى الله على محمد خاتم الرسل وصاحب المعجزات الباهرة وعلى آله وأصحابه نجوم الهدى الزاهرة وسلم تسليما.
أما بعد فهذا كتاب في الفقه على مذهب الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني ﵁.
هذبته مختصرا ورتبته محررا حاويا لأكثر أصول المسائل خاليا من العلل والدلائل واجتهدت في إيجاز لفظه تيسيرا على طلاب حفظه ونسأل الله النفع به في الأولى والأخرى وأن يوفقنا لصواب القول والعمل ويحرسنا من أسباب الخطأ والزلل إنه سميع مجيب.
_________
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ الإمام العالم العلامة مفتي المذاهب رحلة الطلاب نسيج وحده وفريد عصره شيخ الإسلام أبو عبد الله محمد بن الشيخ الإمام العالم أبي المفاخر مفلح بن مفرج المقدسي الحنبلي تغمده الله برحمته وكان قد صنف هذا الكتاب قبل سنة أربعين وسبعمائة وتوفي ليلة يسفر صباحها عن يوم الخميس ثاني رجب الفرد سنة ثلاث وستين وسبعمائة وله تصانيف باهرة في فنون مشهورة وهذا الكتاب اسمه النكت والفوائد السنية على مشكل المحرر للشيخ مجد الدين بن تيمية تغمده الله برحمته.
1 / 1
كتاب الطهارة
باب المياه
الماء المطهر من الأحداث والأنجاس هو المطلق الباقي على أصل خلقته فإن خالطه طاهر يمكن صونه عنه فغيره زالت طهوريته وعنه لا تزول إلا أن يطبخ فيه أو يغلب على أجزائه واختار الخرقي العفو عن يسير الرائحة خاصة فإن غيره مالا يمازجه كالدهن وقطع الكافور فعلى وجهين ولا بأس بما تغير بمقره أو بملح مائي يكون كطحلب وورق الشجر ونحوهما مما يشق صونه عنه فإن وضعا فيه قصدا زال تطهيره ولا يكره المشمس ولا المسخن بطاهر إلا إذا اشتد حره وفي كراهية المسخن بالنجاسة روايتان.
فإذا استعمل مادون القلتين في رفع حدث فهو طاهر غير مطهر وعنه أنه مطهر وعنه أنه نجس.
فأما المستعمل في طهر مستحب وكماء غمس قائم من نوم الليل يده فيه قبل غسلها ثلاثا فمطهر وعنه ليس بمطهر ولا يرتفع حدث الرجل بماء خلت بالطهارة منه امرأة وعنه ترتفع وله إزالة النجاسة به في أصح الوجهين.
وإذا لاقت نجاسة قلتي ماء فصاعدا ولم تغيره لم ينجس وعنه ينجس بالبول والعذرة الرطبة من الآدمي خاصة إلا ما يشق نزحه لكثرته وما دون القلتين ينجس بملاقاة النجاسة وعنه لا ينجس حتى يتغير كالقلتين وهما خمسمائة رطل بالعراقي تقريبا وقيل: عنه تحديدا وعنه أنهما أربعمائة وما نجس بالتغير لم يطهر إلا بزواله إما بنفسه أو بإضافة قلتين إليه أو بنزح يبقى بعده
1 / 2
قلتان ولا يطهر مادون القلتين إلا بإضافة قلتين إليه مع زوال تغيره ويتخرج التطهير بإضافة مادون القلتين فيهما.
_________
كتاب الطهارة
قوله في المحرر: "ويتخرج التطهير بإضافة ما دون القلتين فيهما" يعنى إذا كان الماء النجس قليلا أو كثيرا فأضيف المطهر إلى كثير نجس فأكثر الأصحاب على أنه لا يطهر وذكر بعضهم تحريجا وبعضهم وجها وبعضهم في بعض مصنفاته وجها وفي بعضها تخريجا وأيا ما كان فأصله مسألة زوال التغير بنفسه وقطع في المستوعب بهذا القول وعلله بأنه لو زال بطول المكث طهر فأولى أن يطهر بزواله بمخالطته لما دون القلتين فخالف في هذه الصورة أكثر الأصحاب كما أنه قطع في الصورة الثانية بما قطع به أكثر الأصحاب في أنه لا يطهر وإن أضيف القليل المطهر إلى قليل نجس وبلغ المجموع قلتين فأكثر الأصحاب أو كثير منهم لم يحك في هذه الصورة خلافا في أنه لا يطهر وأظن منهم الشيخ مجد الدين صاحب المحرر في شرح الهداية وذكر بعضهم لما حال١ وقوع النجاسة في الصورة الأولى فقد حكى في عموم خبر القلتين بخلاف هذه الصورة وجها وبعضهم تخريجا أنه يطهر إلحاقا وجعلا لكثير بالانضمام كالكثير من غير انضمام وحرروه قياسا فقالوا لأنه ماء كثير غير متغير بالنجاسة فكان طاهرا كما لو وقعت فيه ابتداء وهو كثير ولم تغيره أو زال تغيره بنفسه واحتجوا بخبر القلتين وعلى هذا قد يخرج طهارة قلة نجسة إلى مثلها وقد يفرق بينهما وأظن بعض الأصحاب صرح به والذي نص عليه الإمام أحمد ﵀ أنه لا تطهر قله نجسة إلى مثلها وذكر في الكافي تخريج طهارة قلة نجسة إلى مثلها.
_________
١- كذا في الأصل. ولعل الصواب "كحال".
1 / 3
_________
قال لما ذكرناه وإنما ذكر الخلاف في القليل المطهر إذا أضيف إلى كثير نجس وهذا فيه نظر واحتج الأصحاب للراجح في المذهب والجواب عن خبر القلتين والاحتجاج به هنا يطول ذكره فليطلب في كلامهم فأما إن لم يبلغ المجموع قلتين فهو نجس وكذا في المحرر فيه إطلاق فإن كان مراده وبلغ المجموع قلتين وردت هذه الصورة على كلامه وإن كان مراده أن التخريج يجري في هذه الصورة أيضا فقال بعضهم يكون التخريج من رواية إن الماء لا ينجس إلا بالتغيير وفيه نظر لأن التفريع إنما هو على المذهب فأما على رواية إن الماء لا ينجس إلا بالتغيير فلا إشكال والقليل كالكثير فتطهيره بزوال تغيره على أي وجه كان وإضافة ماء إليه قل أو كثر.
ويحتمل أن يكون المراد أن الماء مطهر للماء النجس وإن لم يبلغ هذا القدر المخصوص إذا غمره لأنه عين للماء أثر في تطهيرها فأثر وإن لم يبلغ القدر المخصوص كسائر المحال وهذا للماء طهر المحل وأزال النجاسة من غير انفصال فيكون حكمه حكم ما انفصل غير متغير بعد زوال النجاسة لا فارق بينهما إلا الانفصال ولا أثر له هنا لعدم اعتباره كما نقول في الماء الكثير أو في نجاسة الأرض فإنه لا يعتبر في تطهيرها الانفصال.
وقولهم "ماء لا يدفع النجاسة عن نفسه فعن غيره أولى" إن أرادوا:
1 / 4
_________
لا يدفعها عن نفسه فيما إذا كانت واردة عليه فمسلم وعليه يدل خبر القلتين لكن لا يحصل المقصود وإن أرادوا مطلقا فممنوع ولا يقولون به وحمل كلام صاحب المحرر على هذا أو ما أشبهه أولى لكن يستبعد هذا من جهة أني لم أجد أحدا ذكره فينبغي أن يتأمل هذا وينظر هل قال به أحد أم لا فإن كان قد قيل به فقد لا يبعد حمل كلامه عليه وإن كان هو لم يصرح به.
فإن أضيف إلى الماء النجس غير الماء فهل يطهره كلام الأصحاب فيه مشهور وسيأتي كلامه في المحرر في الماء وأنه الذي يطهر الماء النجس لا غيره وأظن أنه لم يحك في إضافة غيره خلافا في شرح الهداية في أنه لا يطهر وهذا ظاهر كلام جماعة من الأصحاب كابن عقيل وهذا متوجه فيما إذا كان الماء النجس قليلا أما إذا كان كثيرا فلا فرق إذا كان لا يستر النجاسة ولا يغير رائحتها وقطع في المستوعب بأن غير الماء لا يطهر الماء النجس.
وإذا تنجست الأرض بولوغ أو غيره فعمت بالماء مرة ولم يبق للنجاسة أثر فالماء والأرض طاهران وإن لم ينفصل الماء ولا يطهر غير الأرض إلا بشرط الانفصال ويكون المنفصل في حال صهارة المحل طاهرا وفي طهوريته وجهان [أحدهما: أن طاهريته إن كان واردا فإن كان متغيرا فهو نجس وإن كان غير متغير فهو طاهر] وقيل: إنه نجس. ومن خفي عليه موضع النجاسة غسل ما يستيقن به غسلها. _________ قوله: "ومن خفي عليه موضع النجاسة غسل ما يستيقن به غسلها" أطلق العبارة كغيره ومراده في غير الصحراء قطع بذلك الأصحاب وعن أحمد ما يدل على التحري في غير الصحراء قال إسماعيل بن سعيد سألت أحمد عن المذي يصيب الثوب ولا يعلم مكانه قال إن علم بمكانه غسله وإن أشكل عليه ذلك نضح المكان الذي يظن أنه أصابه أما الصحراء فلا يمكن حفظها
وإذا تنجست الأرض بولوغ أو غيره فعمت بالماء مرة ولم يبق للنجاسة أثر فالماء والأرض طاهران وإن لم ينفصل الماء ولا يطهر غير الأرض إلا بشرط الانفصال ويكون المنفصل في حال صهارة المحل طاهرا وفي طهوريته وجهان [أحدهما: أن طاهريته إن كان واردا فإن كان متغيرا فهو نجس وإن كان غير متغير فهو طاهر] وقيل: إنه نجس. ومن خفي عليه موضع النجاسة غسل ما يستيقن به غسلها. _________ قوله: "ومن خفي عليه موضع النجاسة غسل ما يستيقن به غسلها" أطلق العبارة كغيره ومراده في غير الصحراء قطع بذلك الأصحاب وعن أحمد ما يدل على التحري في غير الصحراء قال إسماعيل بن سعيد سألت أحمد عن المذي يصيب الثوب ولا يعلم مكانه قال إن علم بمكانه غسله وإن أشكل عليه ذلك نضح المكان الذي يظن أنه أصابه أما الصحراء فلا يمكن حفظها
1 / 5
ولا تطهر النجاسة بشمس ولا ريح ولا استحالة إلا الخمرة المنقلبة بنفسها فإن خللت لم تطهر وقيل: إن خللت بنقلها من الشمس إلى الفيء أو بالعكس طهرت وإن خللت بما يلقى فيها لم تطهر.
ويطهر بول الغلام الذي لم يأكل الطعام بنضحه ومني الآدمي طاهر وعنه أنه نجس يجزئ فركه من الرجل دون المرأة والمذي نجس وهل يطهر بالنضح؟ على روايتين [إحداهما: لا يطهر إلا بغسله سبع مرات] وعنه أنه طاهر كالمني.
وبلغم المعدة ورطوبة فرج المرأة وبول ما يؤكل لحمه وروثه ومنيه: طاهر. وعنه النجاسة في الجميع ودم السمك طاهر١. وفي دم البق والبراغيث والقمل والذباب ونحوه: روايتان [إحداهما: أنه طاهر] .
وما لا نفس له سائلة كالذباب والعقرب لا ينجس بالموت وفي نجاسة الآدمي بالموت [وأطرافه بالانفصال روايتان إحداهما: لا ينجس إلا شيء من أطرافه وهو المذهب] .
وعظم الميتة وقرنها وظفرها نجس ويحتمل الطهارة وصوفها وشعرها وريشها طاهر وعنه ما يدل على نجاسته ولبنها وأنفحتها نجس وعنه طاهر ولا يطهر جلد ما لا يؤكل لحمه بالذكاة ولا جلود الميتة بالدباغ وعنه يطهر منها بالدباغ ما نجس بالموت.
_________
من النجاسة ولا يمكن غسلها إلا بمشقة شديدة وله أن يصلي فيها بلا تحر في ظاهر كلام الأصحاب وصرح به بعضهم وينبغي أن يستحب مبالغة في تحصيل شرط العبادة قال في الرعاية ويجتنب ما ظن نجاسته وهذا صحيح لأنه كالمتلاعب كما لو أقدم على العبادة ظانا عدم دخول الوقت وكالصلاة والصوم في حق من اشتبهت عليه الأشهر وكذا لو دفع الزكاة إلى من يظن عدم استحقاقه فتبين بخلافه.
_________
١- بهامش الأصل: أي: إذا كان طاهر في الحياة.
1 / 6
وما لا يؤكل لحمه من جوارح الطير والبهائم نجس سؤره وعرقه وشعره إلا الهرة وما دونها في الخلقة وعنه أنه طاهر ما عدا الكلب والخنزير.
ولا يعفى عن يسير كل نجاسة إلا الدم والقيح وأثر الاستجمار وبول ما يؤكل لحمه وروثه إن قلنا بنجاستهما فأما المني والمذي وعرق غير المأكول سوى الكلب والخنزير وريقه إذا قلنا بنجاستها والنبيذ وبول الخفاش فهل يعفى عن يسيرها على روايتين [إحداهما: لا يعفى عن يسيرها وهو المذهب] .
ويجب غسل نجاسة أسفل الخف والحذاء وعنه يعفى عنها إذا دلكت بالأرض وقال ابن حامد تطهر بالدلك.
1 / 7
باب تطهير موارد الأنجاس
إذا أصابت نجاسة الكلب أو الخنزير غير الأرض وجب غسله سبعا واحدة بتراب وهل يقوم الأشنان ونحوه أو الغسلة الثامنة؟ على وجهين١.
فأما بقية النجاسات فعنه تغسل سبعا وفي استيراد التراب وجهان وعنه: تغسل ثلاثا وعنه لا يحسب العدد.
_________
١- بهامش الأصل: أحدهما: يقوم الأشنان ونحوه مقامة. ولا تقوم الغسلة الثامنة مقامة وهو المذهب.
1 / 4
باب الآنية
يحرم اتخاذ آنية الذهب والفضة واستعمالها وعنه يجوز اتخاذها وفي صحة الطهارة منها [وجهان أحدهما: تصح وهو المذهب] وكل إناء طاهر من غيرهما فمباح وإن كان ثمينا وما ضبب بذهب أو فضة فحرام إلا يسيرة الفضة لحاجة كشعبة قدح ونحوها فأما يسيرها لغير حاجة فعلى وجهين أحدهما لغير الحاجة حرام وهو المذهب.
ولا بأس باستعمال آنية الكفار وثيابهم ما لم يتيقن نجاستها وعنه الكراهة وعنه المنع فيما ولي عوراتهم كالسراويل ونحوها حتى يغسل دون ما علا وعنه المنع في الأواني والثياب ممن لا تباح ذبيحته كالمجوس ونحوهم ولا يؤكل من طعامهم إلا الفاكهة ونحوها.
وإذا اشتبه طهور بنجس تيمم ولم يتحر وهل يلزمه إعدام الطهور بخلط أو إراقة أم لا على روايتين [إحداهما: لا يلزمه وهو المذهب] وقيل: يتحرى إذا كانت أواني الطهور أكثر وإن اشتبه طهور بطاهر توضأ بكل واحد منهما ثم صلى.
_________
قوله: "وإن اشتبه طاهر بطهور توضأ بكل واحد منهما ثم صلى"
1 / 7
_________
كذا عبر جماعة من الأصحاب وتبعهم وكذا تبعهم في مسألة اشتباه الثياب الطاهرة بالنجسة وهذا الإطلاق يقتضي أن الحكم كذلك مع القدرة على استعمال ماء طهور بيقين أو ثوب طاهر وليس كذلك عنده على ما ذكره في شرح الهداية وكذا لم أجد أحدا من الأصحاب صرح بالقول بمقتضى هذا الإطلاق.
ووجه عدم القول به أما في مسألة الثياب فلعدم الجزم بالنية من غير حاجة وأما مسألة الوضوء من الطاهر والطهور عند الاشتباه مع القدرة على استعمال طهور غير مشتبه فإن توضأ وضوءين لم يصح لما تقدم وهو إخلاله بالجزم بالنية من غير حاجة وإن كان١ وضوءا واحدا غرفة من هذا وغرفة من هذا لكل وضوء إلى كمال الطهارة صح لجزمه بالنية.
وتشاغله في خلال الطهارة بما ليس منها بشيء يسير لا يطول الفصل به ولا يؤثر.
_________
١ كذا بالأصل. ولعله "وإن توضأ ".
باب الاستطابة والحدث يحرم استقبال القبلة واستدبارها عند التخلي في الفضاء دون البنيان وعنه المنع فيهما ويقدم رجله اليسرى في دخوله الخلاء ويقول بسم الله أعوذ بالله _________ قوله: "يحرم استقبال القبلة ثم ذكر بعد هذا أنه لا يفعل كذا ولا كذا" قد يقال فيه إشعار بأن هذه الأمور غير محرمة لأنه لو أراد التحريم ثم صرح١ به ولو أوضح حكم ذلك بالتحريم أو الكراهة كان أجود. وبيان ذلك أما استصحاب ما فيه ذكر الله تعالى فمكروه صرح به المصنف في شرح الهداية وغيره وعن الإمام أحمد لا يكره ذكرها الشريف وقطع في المستوعب بأن إزالة ذلك أفضل وهذا قول ثالث ولعله أقرب. وأما قوله: "ولا يتكلم" فكذا عبر جماعة وصرح جماعة بالكراهة، _________ ١- كذا بالأصل. ولعله " لصرح به".
باب الاستطابة والحدث يحرم استقبال القبلة واستدبارها عند التخلي في الفضاء دون البنيان وعنه المنع فيهما ويقدم رجله اليسرى في دخوله الخلاء ويقول بسم الله أعوذ بالله _________ قوله: "يحرم استقبال القبلة ثم ذكر بعد هذا أنه لا يفعل كذا ولا كذا" قد يقال فيه إشعار بأن هذه الأمور غير محرمة لأنه لو أراد التحريم ثم صرح١ به ولو أوضح حكم ذلك بالتحريم أو الكراهة كان أجود. وبيان ذلك أما استصحاب ما فيه ذكر الله تعالى فمكروه صرح به المصنف في شرح الهداية وغيره وعن الإمام أحمد لا يكره ذكرها الشريف وقطع في المستوعب بأن إزالة ذلك أفضل وهذا قول ثالث ولعله أقرب. وأما قوله: "ولا يتكلم" فكذا عبر جماعة وصرح جماعة بالكراهة، _________ ١- كذا بالأصل. ولعله " لصرح به".
1 / 8
من الخبث والخبائث ولا يصحبه ما فيه اسم الله إلا من عذر ويعتمد على رجله اليسرى ولا يتكلم ولا يمكث فوق الحاجة فإذا فرغ مسح ذكره ونثره ثلاثا فإذا خرج قدم رجله اليمنى ثم قال غفرانك الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني ويبعد في الفضاء ويستتر ويطلب مكانا رخوا ولا يستقبل الشمس ولا القمر ولا يبول في شق ولا سرب،
_________
ولم أجد أحدا منهم ذكر التحريم مع أن دليلهم يقتضيه وعن الإمام أحمد ما يدل عليه قال صالح سألت أبي عن الكلام في الخلاء قال يكره وقال إسحاق بن إبراهيم سألت أحمد عن الكلام في الخلاء قال لا ينبغي له أن يتكلم.
قوله: "ولا يمكث فوق الحاجة" كذا عبر جماعة وعبر جماعة بالكراهة وهذه المسألة هي مسألة كشف العورة خلوة لغير حاجة وفيها ثلاث روايات التحريم والكراهة والجواز لكن هنا يتعين نفي الجواز لأمر اختص به هذا الموضع وبه يعرف قوة الكراهة أو التحريم.
قوله: "ولا يستقبل الشمس ولا القمر" كذا عبر جماعة وعبر جماعة بالكراهة ولم يذكر بعضهم هذه المسألة مع شهرتها فلعله لم يرها والكراهة تفتقر إلى دليل والأصل عدمه وظاهر قول النبي ﷺ: " ولكن شرقوا أو غربوا " يدل على عدمها وقطع أبو الفرج الشيرازي المقدسي في كتابه الإيضاح بالتحريم.
قوله: "ولا يبول في شق ولا سرب" كذا عبر جماعة وصرح جماعة بالكراهة ولا فرق بين أن يكون فم بالوعة أو غيرها صرح به الأزجي في النهاية وفي الرعاية.
1 / 9
ولا طريق ولا ظل نافع ولا تحت شجرة مثمرة ثم يتحول للاستنجاء وهو واجب لكل نجاسة تخرج من السبيل فإن تعدت مخرجها لم يجزه إلا الماء وإن لم تتعده أجزأه الاستجمار بالحجر والماء أولى منه وجمعهما أفضل.
ويجوز الاستجمار بكل جامد طاهر منق كالخرق ونحوها إلا الروث والعظام وماله حرمة ولا بد من ثلاث مسحات وإن أنقى بدونها لم يجزئه فإن لم ينق بها زاد حتى ينقى والحجر الذي له ثلاث شعب بمنزلة الثلاثة وعنه بمنزلة الواحد.
ويكره الاستجمار باليمين ويجزئ فإن استعان بها في الماء ولم يمس فرجه لم يكره ويصح الوضوء قبل الاستنجاء وعنه لا يصح وعليهما يخرج التيمم وقيل: لا يصح التيمم وجها واحدا.
_________
قوله: "ولا طريق ولا ظل نافع" كذا ذكر جماعة وشرط غير واحد في الطريق أن يكون مأتيا ولم يقيد غير واحد الظل بالنفع وصرح في المبهج والكافي والشرح للمقنع وغيرها بالكراهة وصرح في المغنى بالتحريم وقطع به ابن تميم.
قوله: "ولا تحت شجرة مثمرة" كذا ذكر جماعة وصرح جماعة بالكراهة وصرح ابن تميم بالتحريم وقطع في المستوعب والنهاية بأنه لا يبول تحت شجرة مثمرة ولا غير مثمرة.
باب السواك وأعواده السواك سنة في جميع الأوقات وهي مؤكدة للمتوضئ في المضمضة والقائم من النوم أو إلى الصلاة ولمن تغير فمه بمأكول أو غيره. ويستاك عرضا بعود أراك أو زيتون أو عرجون لا يجرح الفم ولا يتفتت
باب السواك وأعواده السواك سنة في جميع الأوقات وهي مؤكدة للمتوضئ في المضمضة والقائم من النوم أو إلى الصلاة ولمن تغير فمه بمأكول أو غيره. ويستاك عرضا بعود أراك أو زيتون أو عرجون لا يجرح الفم ولا يتفتت
1 / 10
فيه ومن استاك بإصبعه أو بخرقة فهل يصيب السنة؟ على وجهين ولا يسن السواك للصائم بعد الزوال وهل يكره على روايتين.
ويجب الختان ما لم يخف منه وعنه لا يجب على النساء.
ومن السنة أن يكتحل وترا ويدهن غبا ويسرح شعره ويحف الشارب ويقلم الأظفار وينتف الإبط ويحلق العانة وينظر في المرآة ويتطيب ويكره القزع وهل يكره للرجل حلق الرأس في غير النسك لغير حاجة؟ على روايتين.
1 / 11
الخامس: مسح جميع الرأس والأذنان منه وعنه يجزي مسح أكثره وعنه قدر الناصية.
والسنة: أن يمر يديه من مقدمه إلى مؤخره ثم يردهما إلى حيث بدأ وهل يسن تكرار مسحه وأخذ ماء جديد للأذنين ومسح العنق؟ على روايتين.
السادس: غسل الرجلين مع الكعبين وهما العظمان الناتئان ويسن له التيامن وتخليل أصابعه وغسل كل عضو ثلاثا وأن يرفع نظره إذا فرغ إلى السماء فيقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله ولا يكره تنشيف أعضائه وعنه يكره.
السابع: الترتيب كما ذكره الله سبحانه.
الثامن: الموالاة بأن لا يؤخر غسل عضو قدرا ينشف فيه ما قبله في الزمن المعتدل وعنه لا يجب ترتيب ولا موالاة.
1 / 12
باب صفة الوضوء
وفروضه: ثمانية
أحدها: النية بأن يقصد رفع الحدث أو استباحة أمر تجب له الطهارة ويجب تقديمها على سائر الفروض.
الفرض الثاني: التسمية وعنه أنها سنة وعنه تجب مع الذكر وتسقط بالسهو ويسن عقيبها غسل يديه ثلاثا ويتأكد استحباب غسلهما من نوم الليل وعنه يجب.
الثالث: غسل الوجه من منابت شعر الرأس إلى ما انحدر من اللحيين والذقن طولا وما بين الأذنين عرضا والفم والأنف منه وتجب المضمضة والاستنشاق [وعنه أنهما سنة وعنه يجب الاستنشاق وحده] .
والسنة: تقديمها على ظاهر الوجه والمبالغة فيهما إلا للصائم ويجب غسل المسترسل من اللحية ويسن غسل باطن الشعور إلا أن تصف البشرة فيجب ولا يسن غسل داخل العينين وقيل: يسن إذا أمن الضرر.
الرابع: غسل يديه مع مرفقيه فإن قطعت يده من مفصل المرفق وجب غسل رأس المرفق الباقي وقيل: يسقط.
1 / 11
باب المسح على الخفين وغيرهما
ومن لبس خفين أو عمامة على طهر كامل فله المسح يوما وليلة في الحضر وثلاثة أيام ولياليهن في سفر القصر فإن أدخل إحدى رجليه في الخف قبل غسل الأخرى أو لبس العمامة قبل غسل رجليه لم يجز المسح حتى يخلع ما لبسه قبل تمام طهره فيلبسه بعده وعنه أنه يجوز.
وابتداء المدة من الحدث بعد اللبس وعنه من المسح بعد الحدث ومن أحدث مقيما فلم يمسح حتى سافر أتم مسح مسافر وإن مسح مسافرا ثم أقام أتم مسح مقيم إلا أن يكون قد جاوزه فيخلع وإن مسح مقيما ثم سافر فعلى روايتين ويمسح على ما يستر محل الفرض ويثبت بنفسه من جورب وجرموق ونحوه فإن كان واسعا يسقط من قدمه أو يبدو منه شيء لخرق أو غيره لم يجز المسح عليه وإن لبس تحته صحيحا فإن ثبت الجور بان بنعلين.
1 / 12
فله المسح ما لم يخلع النعلين ولا يمسح على اللفائف ولا على خفين ملبوسين على خفين ممسوحين ويجوز مسح أكثر الخف والسنة أن يمر يده من أصابعه إلى ساقه ولا يسن مسح أسفله ولا يجزئ الاقتصار عليه ويجزئ مسح أكثر العمامة وقيل: يجب استيعابها ويشترط أن تكون محنكة تستر كل الرأس إلا ما العادة كشفه فإن كانت بذؤابة ولا حنك لها فعلى وجهين وإذا ظهر قدمه أو رأسه أو مضت المدة استأنف الوضوء وعنه يجزئه مسح رأسه وغسل رجليه.
والمرأة كالرجل في مسح الخفين وفي مسحها على الخمار روايتان ومن شد جبيرة طاهرا ولم يتعد قدر الحاجة مسحها في الطهارتين إلى أن يحلها فإن كان محدثا فهل له المسح على روايتين.
باب نواقض الوضوء وهي ثمانية أحدها: الخارج من السبيلين وإن قل. الثاني: خروج النجاسة الفاحشة في نفوس متوسطي الناس من بقية البدن وفي يسيرها روايتان إلا يسير البول والغائط فانه كالكثير. الثالث: زوال العقل إلا بنوم يسير من قائم أو قاعد أو راكع أو ساجد وعنه ينقض اليسير إلا من الجالس والقائم وعنه ينقض إلا من الجالس. الرابع: لمس الرجل المرأة أو المرأة الرجل لشهوة فينقض وضوء اللامس _________ قوله: "الرابع: لمس الرجل للمرأة المرأة للرجل بشهوة فينفض وضوء اللامس وفي الملموس روايتان" أطلق الخلاف ومراده مع الشهوة من
باب نواقض الوضوء وهي ثمانية أحدها: الخارج من السبيلين وإن قل. الثاني: خروج النجاسة الفاحشة في نفوس متوسطي الناس من بقية البدن وفي يسيرها روايتان إلا يسير البول والغائط فانه كالكثير. الثالث: زوال العقل إلا بنوم يسير من قائم أو قاعد أو راكع أو ساجد وعنه ينقض اليسير إلا من الجالس والقائم وعنه ينقض إلا من الجالس. الرابع: لمس الرجل المرأة أو المرأة الرجل لشهوة فينقض وضوء اللامس _________ قوله: "الرابع: لمس الرجل للمرأة المرأة للرجل بشهوة فينفض وضوء اللامس وفي الملموس روايتان" أطلق الخلاف ومراده مع الشهوة من
1 / 13
وفي الملموس روايتان وعنه ينقض اللمس وإن لم يكن لشهوة وعنه لا ينقض بحال ومس الشعر والظفر والسن والأمرد لا ينقض.
الخامس: مس فرج الآدمي قبلا كان أو دبرا من رجل أو امرأة ببطن الكف أو ظهره ولا ينقض مسه بذراعه وعنه ينقض وفي مس الذكر المقطوع المنفصل وجهان وعنه لا ينقض مس الفرج بحال ومس فرجى الخنثى المشكل ينقض ومس أحدهما لا ينقض إلا أن يمس الرجل ذكره لشهوة أو المرأة قبله لشهوة.
_________
الملموس لأنه فرع على ما قدمه وهو ظاهر المذهب فإن قيل باعتبار الشهوة من اللامس فهل يلحق الملموس به مع الشهوة فيه روايتان وإن قيل لا تعتبر الشهوة من اللامس لم تعتبر في الملموس وفي إلحاقه به الروايتان ولهذا قال القاضي أبو الحسنين الملموس هل ينتقض وضوءه في الموضع الذي ينتقض فيه وضوء اللامس على روايتين وعن الشافعي كالروايتين انتهى كلامه.
أما اعتبار الشهوة من اللامس وعدم اعتبارها من الملموس فلا وجه له لأن غاية حكم الملموس أن يساوي حكم اللامس لأنه فرعه وغاية الفرع مساواته لأصله ولهذا صحح جماعة عدم نقض وضوءه الملموس مطلقا وإن قلنا ينقض وضوء اللامس منهم المصنف في شرح الهداية والأزجي في النهاية وذكر ابن هبيرة أنه أظهر الروايتين ولم أجد أحدا صحح خلاف هذا غير ابن عقيل ومذهب مالك اعتبار الشهوة من الملموس كاللامس فإن وجدت لزمه الوضوء وإلا فلا.
قال المصنف: ويجب أن تحمل رواية النقض عندنا على ذلك.
قال الشيخ تقي الدين في شرح العمدة: إذا قلنا بالنقض اعتبرنا الشهوة في المشهور١ كما نعتبرها في اللامس حتى ينتقض وضوءه إذا وجدت الشهوة فيه دون اللامس ولا ينتقض إذا لم توجد فيه وإن وجدت في اللامس انتهى كلامه.
_________
١- كذا بالأصل. ولعله "الملموس".
1 / 14
السادس: أكل لحم الجزور وفي شرب ألبانها روايتان وفي كبدها وسنامها وجهان [المعتمد لا ينقض] وعنه لا ينقض لحمها أيضا.
السابع: غسل الميت نص عليه وقال أبو الحسن التميمي لا ينقض.
الثامن: الردة فظاهر قول أبي الخطاب أنها لا تنقض.
ومن كان متطهرا فشك في الحدث أو بالعكس: بنى على اليقين فإن تيقنهما وشك في السابق منهما كان على عكس حالة قبلهما إلا أن يتيقن فعليهما فيكون على مثل حاله قبلهما.
_________
وقول ابن تميم "ولم يعتبر أصحابنا الشهوة في الملموس" هذا يجب أن يكون اكتفاء منهم ببيان حكم اللامس وأن الشهوة معتبرة منه وأن من الواضح أن حكم الملموس مفرع عليه لا أنها تعتبر منه وإن اعتبرت من اللامس ولم أجد أحدا صرح بهذا ويؤخذ من كلامه أن الممسوس فرجه لا ينتقض وضوءه رواية واحدة وصرح به غير واحد وهو مذهب مالك والشافعي مع أن مذهبهما نقض وضوء الملموس كاللامس على أصلهما لأن الملامسة تقتضي المشاركة إلا ما خرج بدليل وهنا ورد بلفظ المس والممسوس لم يمس.
ومن أصحابنا من ذكر في الممسوس فرجه وجهين ومنهم من ذكر روايتين وذكر القاضي في شرحه أن مس المرأة لفرج الرجل أو الرجل لفرج المرأة هل هو من قبيل مس النساء أو من قبيل مس الفرج على وجهين والأظهر أنه ينتقض وضوء الماس منهما لفرج الآخر وإن لم يكن بشهوة والممسوس فرجه لا ينتقض وضوءه في ظاهر المذهب إلا أن يكون عليه شهوة ففيه الروايتان.
قوله: "فإن تيقنهما وشك في السابق منهما كان على عكس حاله قبلهما إلا أن يتيقين أسبق فعليهما فيكون على مثل حاله قبلهما هكذا ذكر الأصحاب
1 / 15
ويحرم على المحدث مس المصحف وفي حمله بعلاقته أو في غلافه وتصفحه بكمه أو عود ونحوه وحمل الدراهم المكتوب عليهما القرآن روايتان [المعتمد الجواز] .
_________
قبله هاتين المسألتين وتبعهم وتكلم عليهما في شرح الهداية كلاما حسنا وهذا كلامه أو معناه:
أما المسألة الأولى فصورتها: أن يتيقين أنه على طهارة في وقت وزنه أنه محدث في وقت آخر ولا يتيقن ابتدائها فإنه يكون على خلاف حاله قبلهما لأن الحالة السابقة زالت يقينا لمخالفتهما من الحالين المشكوك فيهما وأما الموافقة لها فيحتمل أن تكون هي بعينها وقد استمرت إلى أن زالت بالمخالفة ويحتمل أنه بعد المخالفة بسبب متجدد فحينئذ لا نزيل يقين الحالة المخالفة بأمر مشكوك فيه.
مثاله إذا قال: أتحقق أني بعد الزوال مرة محدثا ومرة متطهرا ولا أعلم السابق منهما إلى حالة قبل الزوال فإن كان متطهرا فهو الآن محدث لأن تلك الطهارة المتيقنة قبل الزوال زالت بيقين الحدث بعد الزوال وأما الطهارة المتيقنة بعد الزوال فجائز أن تكون هي السابقة وقد استمرت إلى ما بعد الزوال وجائز أن تكون طهارة مستأنفة فلا نزيل يقين الحدث بالشك.
وإن قال: كنت قبل الزوال محدثا فهو الآن متطهر لماسبق من الاستدلال.
وهذا كما لو علمنا لزيد على عمرو ألف درهم فأقام عمرو بينه بالأداء أو الإبراء فأقام زيد بينة أن عمرا أقر له بألف درهم مطلقا لم تثبت له هذه البينة شيئا لاحتمال أن الألف الذي أقر به هو الألف الذي علمنا وجوبه وقامت البينة ببراءته فلا تشتغل ذمته بالاحتمال وقال الأزجي من أصحابنا المتأخرين في كتاب النهاية له لو قيل إنه يجب عليه الطهارة لكان له وجه لأن يقين الطهارة قد عارضه يقين الحدث وإذا تعارضا سقطا ووجب عليه الوضوء احتياطا.
1 / 16