Muhammad
محمد صلى الله عليه وسلم
Genres
Biographie du Prophète
-روى بعض المؤرخين ونقل عنهم المفسرون أن رسول الله ﷺ لما رأى من قومه كفًا عنه، جلس خاليا وتمنى فقال ليته لا ينزل علىّ شيء ينفرهم عني ورقاب رسول الله ﷺ قومه ودنا منهم ودنوا منه فجلس يومًا مجلسًا في ناد من تلك الأندية حول الكعبة فقرأ عليهم ﴿وَالنَّجْمِ إذَا هَوَى﴾ حتى بلغ ﴿أفَرَأيْتُم اللاَّتَ وَالعُزَّى وَمُنَاةَ الثَّالِثةَ الأُخْرَى﴾ ألقى الشيطان كلمتين على لسانه "تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجي" فتكلم رسول الله ﷺ بها ثم مضى فقرأ السورة كلها وسجد وسجد القوم جميعًا ورفع الوليد بن المغيرة ترابا إلى جبهته فسجد عليه وكان شيخا كبيرًا لا يقدر على السجود، ويقال أن أبا أحيحة سعيد بن العاص أخذ ترابا فسجد عليه رفعه إلى جبهته وكان شيخا كبيرًا. فبعض الناس يقول إنما الذي رفع التراب الوليد وبعضهم يقول أبو أحيحة، وبعضهم يقول كلاهما جيمعًا فعل ذلك فرضوا بما تكلم به رسول الله وقالوا قد عرفنا أن الله يحيى ويميت ويخلق ويرزق. ولكن آلهتنا هذه تشفع لنا عنده. وأما إذا جعلت لها نصيبًا فنحن معك. فكبر ذلك على رسول الله ﷺ من قولهم حتى جلس في البيت، فلما أمسى أتاه جبريل ﵇ فعرض عليه السورة، فقال جبريل جئتك بهاتين الكلمتين فقال رسول الله ﷺ قلت على الله ما لم يقل فأوحى الله إليه ﴿وَإنْ كَادُوا لَيَفْتِنِونَكَ عَنِ الذِي أوْحَيْنَا الَيْكَ لِتَفْتَرِىَ عَلَيْنَا غَيْرهُ وَإذًا لاَتّخَذُوكَ خَليِلاُ﴾ إلى قوله ﴿ثمَ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نّصيرًا﴾ .
نقل هذه الرواية ابن سعد في طبقاته عن عبد الله بن حنطب. وقد قال الترمذي أن عبد الله بن خنطب لم يدرك النبي ﷺ أخرجه الثلاثة (٢) أما الآية التي قيل أنها نزلت بسبب أن رسول الله ﷺ قد قال على الله مالم يقل بذكره شفاعة الغرانيق وهي ﴿وَإنْ كَادْوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذي أوْحَيْنَا إِلَيْكَ﴾ الأية لفم ينزل بهذه المناسبة. فقد قال ابن عباس في رواية عطاء نزلت هذه الآية في وفد ثقيف أتوا رسول الله ﷺ فسألوه شططا وقالوا متعنا باللات سنة وحرم وادينا كما حرّمت مكة شجرها وطيرها ووحشها فأبى رسول الله ﷺ ولم يجبهم فكرروا ذلك الألتماس وقالوا إنا نحب أن نعرف العرب فضلنا عليهم فإن كرهت مانقول وخشيب أن تقول العرب اعطيتهم ما لم تعطنا فقل الله أمرني بذلك فأمسك رسول الله ﷺ عنهم وداخلهم الطمع فصاح عليهم عمر وقال أما ترون رسول الله ﷺ قد أمسك عن الكلام كراهية لما تذكرونه فأنزل الله تعالى هذه الآية (٣) .
وروى صاحب الكشاف أنهم جاءوا بكاتبهم بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد رسول الله إلى ثقيف لا يعشرون ولا يحشرون ولا يجبون، فسكت رسول الله ﷺ ثم قالوا للكاتب أكتب ولا يجبون والكاتب ينظر إلى رسول الله ﷺ. فقام عمر بن الخطاب وسل سيفه وقال أسعر تم قلب نبينا يا معشر قريش أسعر الله قلوبكم نارًا. فقالوا لسنا نكلمك إنما نكلم محمدًا. فنزلت هذه الآية. وهذه القصة إنما وقعت بالمدينة فلهذا السبب قولوا إن هذه الآية مدنية.
وذكر الطبري مسألة شفاعة الغرانيق فقال: حدثني محمد بن اسحاق عن يزيد بن زياد المدني عن محمد بن كعب القُرَظى. ثم سرد رواية محمد بن كعب القُرظى بما يقارب رواية عبد الله بن حنطب التي نقلناها عن طبقات ابن سعد الا أنه قال فأنزل الله عم وجل ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلاَ نَبّيٍ إلاَّ إذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ الله مَا يُلْقِى الَّشيْطَانُ ثُمّ يُحْكِمُ الله آيَاتِهِ وَالله عَليِمٌ حَكِيمٌ﴾ فأذهب الله ﷿ عن نبيه الحزن وآمنه من الذي كان يخاف ونسخ ما ألقى الشيطان على لسانه من ذكر آلهتهم وأنها الغرانيق العلى وإن شفاعتهن ترتضى بقول لاله ﷿ حين ذكرت اللات والعَّزى ومَنَاة الثالثة الأخرى ﴿أَلَكُمْ الذَكَرُ ولَهُ الْأُنْثَى تِلْكَ إذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى (٤) إِنْ هيَ إلاّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ﴾ إلى قوله ﴿لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَي﴾ أي فكيف تنفع شفاعة آلهتكم عنده الخ.
أما محمد بن كعب القَرظِىّ منسوب إلى بني قريظة الطائفة المعروفة من اليهود فهو تابعي توفى سنة ثمان ومائة. جاء في تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني ما يأتي: "وما تقدم نقله عن قتيبة من أنه ولد في عهد النبي ﷺ لا حقيقة له وإنما الذي ولد في عهده أبوه فقد ذكروا أنه من سبى قريظة ممن لم يحتلم ولم ينبت فخلوا سبيله. حكى ذلك البخاري في ترجمة محمد. قال الفخر الرازي في تفسيره الآية المتقدمة بعد أن ذكر قصة شفاعة الغرانيق: هذه رواية عامة المفسرين الظاهريين. أما أهل التحقيق فقد قالوا هذه الرواية باطلة موضوعة واحتجوا عليه بالقرآن والسنة والمعقول. أما القرآن فوجوه:
أحدها - قوله تعالى ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعنَا مِنْهُ الوَتِينَ﴾ .
وثانيها - قوله ﴿قُلْ مَا تَكُونَ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي انء أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيّ﴾ .
وثالثها - قوله ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌّ يُوحَى﴾ فلو أنه قرأ عقيب هذه الآية: تلك الغرانيق العلى، لكان قد ظهر كذب الله تعالى في الحال.
ورابعها - قوله تعالى ﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِي عَلَيْنَا غَيْرَهُ لاَتَّخَذُوكَ خَلِيلًا﴾ وكلمة كاد عنه بعضهم معناه قرب أن يكون الأمر كذلك مع أنه لم يحصل.
وخامسها - قوله ﴿وَلَوْلاَ أَنْ ثَبّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْ كَنُ إِلَيْهِمء شيئا قَلِيلًا﴾ وكلمة لولا تفيد انتفاء الشيء لانتفاء غيره فدل على أن ذلك الركون القليل لم يحصل.
وسادسها - قوله ﴿كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ به فُؤَادَكَ﴾ .
وسابعها - قوله ﴿سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنْسَى﴾ .
أما السنة فهي ما روى عن محمد بن اسحاق بن خزيمة أنه سئل عن هذه القصة فقال: هذا وضع من الزنا دقة وصنف فيه كتابا.
وقال الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل ثم أخذ يتكلم في أن رواة هذه القصة مطعون فيهم. وأيضا فقد روى البخاري في صحيحه أن النبي ﷺ قرأ سورة النجم وسجد فيها المسلمون والمشركون والأنس والجن وليس فيها حديث الغرانيق.
وروى هذا الحديث من طرق كثيرة وليس فيها البتة حديث الغرانيق وأما المعقول فمن وجوه:
أحدها - أن من جوز على الرسول ﷺ تعظيم الأوثان فقد كفر لأن من المعلوم بالضرورة أن أعظم سعيه كان في نفي الأوثان.
وثانيها - أنه ﵇ ما كان يمكنه في أول الأمر أن يصلي ويقرأ القرآن عند الكعبة آمنا أذى المشركين له حتى كانوا ربما مدوا أيديهم إليه وإنما كان يصلي إذا لم يحضروها ليلا أو في أوقات خلوة وذلك يبطل قولهم.
وثالثها - أن معاداتهم للرسول كانت أعظم من أن يقروا بهذا القدر من القراءة دون أن يقفوا على حقيقة الأمر فكيف أجمعوا على أنه عظم آلهتهم حتى خرو سجدًا مع أنه لم يظهر عندهم موافقته لهم.
رابعها - قوله ﴿فَيَنْسَخُ الله مَا يُلْقِى الّشيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ الله آيَاتِهِ﴾ وذلك لأن إحكام الآيات بازالة ما يلقيه الشيطان عن الرسول أقوى من نسخه بهذه الآيات التي تبقى الشبهة معها فإذا أراد الله إحكام لئلا يلتبس ما ليس بقرآن بالقرآن فبأن يمنع الشيطان من ذلك أصلا أولى.
وخامسها - وهو أقوى الوجوه أنا لو رجوزنا ذلك ارتفع الأمان عن شرعه وجوزنا في كل واحد من الأحكام والشرائع أن يكون كذلك ويبطل قوله تعالى ﴿يا أيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أنْزِلَ إلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَانْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِساَلّتَهُ وَالله يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ﴾ فإنه لا فرق في العقل بين النقصان عن الوحى وبين الزيادة فيه. فهذه الوجوه عرفنا على سبيل الأجمال أن هذه القصة موضوعة وكل ما في الباب إن جمعا من المفسرين ذكروها هنا لكنهم ما بلغوا حد التواتر وخبر الواحد لا يعارض الدلائل النقلية والعقلية المتواترة.
ثم شرع الفخر الرازي في التفصيل فليرجع. وأنا نعتقد إن هذة القصة باطلة ومدسوسة ومن وضع الزناقة الذين يريدون بالإسلام سوءًا ومع هذا فليس من المعقول أن يعترف النبي ﷺ بشفاعة الغرانيق وهو يدعو إلى عبادة الله تعالى ويحارب الأصنام ولو كان الشيطان له سلطان عليه ﷺ بدرجة أنه يملي عليه ويحرك لسانه بالكفر لكان ألعوبة له ليس في هذة القصة فقط بل في غيرها أيضا والنبي المعصوم من الشياطين. قال البيضاوي في تفسيره بعد ذكر قصة الغرانيق: (ثم نبهه جبرائيل فاغتم به فغراه الله بهذه الآية وهو مرود عند المحققين وإن صح فابتلاء يتميز به الثابت على الإيمان عن المتزلزل فيه) قال أسماعيل القنوي في حاشيته: وهو مرود عند المحققين، بل يجب أن يكون مردودًا عند جميع المسلمين لما عرفته من أمارات الكذب. قوله وأن صح الخ إشارة إلى منع صحته رواية لما قال القاضي عياض في الشفا أنه لم يوجد في شئ من الكتب المعتمدة بسند صحيح وقال إنه من وضع الزنادقة. وقال القاضي عياض إن هذا الحديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة ولا رواه ثقة بسند سليم متصل. فأمثال هذة القصص المدسوسة المكذوبة على رسول الله هي التي جعلت للطاعنين في الإسلام مجالًا للنقد وتشويه الحقائق وتقبيح المحاسن.
وهاك دليلا آخر على كذب هذه القصة من الوجهة التاريخية وهو:
أن الهجرة الأولى إلى الحبشة كانت في رجب سنة خمس للنبوة وكانت السجدة في رمضان من السنة نفسها (٥) أي قبل غسلام حمزة وعمر لأنهما أسلما في السنة السادسة (٦) .
وقد أجمع المؤرخون على أن المسلمين قبل إسلام عمر كانوا يستخفون في دار الأرقم ويؤدون شعائرهم الدينية في منازلهم، وكان أصحاب النبي ﷺ لا يقدرون أن يصلوا عند الكعبة حتى أسلم عمر. فلما أسلم قاتل قريشا حتى صلى عند الكعبة وصلوا معه واتفقوا على تسميته الفاروق فإذا كان المسلمون قبل إسلام عمر ما كانوا يستطيعون الصلاة عند الكعبة فكيف مع هذا يقال أن رسول الله سجد عند الكعبة وسجد معه القوم جميعًا؟؟ الحقيقة أن الرواية كذب واختلاق محض.
قال موير في الجزء الثاني من حياة محمد: أن حمزة وعمر أسلما في السنة السادسة من النبوة، وقال أن المسلمين لم يعودوا يخفون صلاتهم في منازلهم بل كانوا بعدئذ يجتمعون حول الكعبة ويصلون وهم آمنون مطمئنون.
إن المسلمين الذين هاجروا إلى الحبشة عادوا إلى مكة بسبب ما بلغهم من تحسن الأحوال أو أنهم سمعوا إشاعة كاذبة تطمئنهم فقدموا في شوال سنة خمس إلا أنه لم يدخل أحد منهم إلا بجوار إلا عثمان بن مظعون فإنه دخل بلا جوار ومكث قليلا ثم اسرع الرجوع إلى الحبشة لأن المسلمين كانوا لا يزالون مضطهدون وكان النبي ﷺ يعيب الأصنام.
فكل هذه البراهين تؤيد أن قصة شفاعة الغرانيق أو أن النبي ﷺ ذكر آلهة قريش بالخير، افتراء واختلاق ولا يمكن أن يصدق هذه القة أحد من المؤرخين المحققين وقد ذكرت في كتاب تاريخ القرون الوسطى لجامعة كامبردج الجزء الثاني ص (٢١٠ -٣١١) (٧) باعتبار أنها صحيحة. وأنه ﷺ ندم على ما قال ونسخ ما ألقى الشيطان على لسانه، واستنتج الكاتب أنه ﷺ لم يكن يعتقد أنه إنما يتبع أمرا الهيا سواء عند تلفظه بهذه الكلمات أو عند عدوله عنها. لكنه علق في الهامش بما يأتي:
"إن كثيرا من المحققين المسلمين يعتبرون هذه القصة خرافية وهذا ما كان ينتظر منهم. لكن من المدهش أن مؤرخا غير متحيز مثل (كايتاني) ينكرها أيضا".
وأنا أقول لا وجه للدهشة لأن المؤرخ الذي يقدر موقفه ولا يتحيز لأحد يعترف بالحقيقة بغض الطرف عن أي اعتبار فإذا الأستاذ (كايتاني) وهو ذلك المؤرخ الإيطالي الكبير الذي يصدر المؤلفات الضخمة عن تاريخ الإسلام ينكر هذه القصة فما ذلك إلا أنه لم يرد أن يثبت إلا ما وصل إليه تحقيقه في هذه المسألة بدون تحيز.
(١) الغرانيق في الأصل الذكور من طير الماء واحدها غرنوق وغرنيق سمي به لبياضه وقيل هو الكركي. والغرنوق أيضا الشاب الأبيض الناعم وكانوا يزعمون أن الأصنام تقربهم من الله وتشفع لهم فشبهت بالطيور التي تعلو في السماء وترتفع. (٢) راجع الجزء الثالث من كتاب أسد الغابة. (٣) تفسير الفخر الرازي. (٤) أي عوجاء. (٥) راجع الجزء الأول من طبقات ابن سعد طبع ليدن سنة ١٩١٧ ص ١٣٨. (٦) راجع تهذيب الأسماء للنووي طبع جوتنجن ص ٤٤٩ وراجع ابن اسحاق وكتاب موير الجزء الثاني، وراجع قاموس الاسلام Dictionary of Islam P. ٦٥٠ (٧) (١٩١٣) PP. (٣١٠-٣١١) . Cambridge Medieval History
1 / 126