فأصبح محمد علي بذلك بمباشيا.
الفصل الثاني
في السبيل إلى الذروة
هذه الخطوة الأولى تلتها خطوات أخرى سريعة، فإن بسالة محمد علي وإقدامه استوقفا حالا انتباه رؤسائه، وجعلاهم يكلون إليه جل المهمات.
ولكن بطلنا ما لبث أن أدرك أن البسالة والإقدام قد ينفعان، وأما التقدم السريع فلا يدرك إلا بالتقرب من الرؤساء، فأخذ من وقته يبحث عن سند ينفعه لدى ذوي الأمر، فوجده في شخص رجل يقال له حسن أغا، أحد ضباط القبطان باشا الأخصاء، فتوسط له حسن أغا هذا، فألحقه القبطان باشا بخدمة خسرو باشا، وأفهم خسرو باشا هذا أن محمدا رجل يعتبر اكتسابه مغنما.
وكان خسرو باشا قد تعين واليا على القطر المصري بفضل مساعي القبطان باشا سيده، في الأستانة، فرأى أن يعتز برجل أوصاه به ولي نعمته خيرا. وإظهارا لمحظوظيته من محمد علي أهداه بعد قليل حصانا من جياد أربعة قدمت له على سبيل الهدية، ورفعه في أواخر سنة 1801 إلى رتبة ساري ششمه، أي جنرال أو لواء كما يقولون الآن.
فتمكن محمد علي - من هذا الموقف العالي الذي بلغه في أقل من سنتين - أن يلقي نظرة على مجاري الأمور حوله، وأن يزن الأحوال والرجال بميزان تقديره الراجح.
فرأى أن الأحوال فوضى، يتنازع الأمر فيها ثلاث قوات: الجيش الإنجليزي والجيش التركي والأمراء المماليك. •••
أما الجيش الإنجليزي، فبعد فراغه من إجلاء الفرنساويين عن مصر لم تكن له مهمة محدودة، لأن سياسة الحكومة الإنجليزية في ذلك العهد، كسياسة الحكومة الإنجليزية في أيامنا هذه، كانت متخبطة بين الاحتفاظ بمصر أو الجلاء عنها، وبين نصرة الباب العالي على المماليك أو المماليك على الباب العالي، لا تدري أين تستقر، ولا بأية صبغة تصطبغ. وما لبثت كذلك حتى أبرمت بين إنجلترا وفرنسا معاهدة (أميين) التي قضت على الجيش الإنجليزي بالجلاء عن مصر، فسلم الإسكندرية وقلاعها إلى الأتراك في 14 مارس سنة 1803 وغادر البلاد.
وأما الجيش التركي، فإن قواده كانوا مزودين من لدن الباب العالي بتعليمات تلزمهم - بعد الفراغ من إخراج الفرنساويين - بالقضاء على المماليك، ليستقيم عود الأحكام في القطر المصري على مثال ما كان في باقي الولايات العثمانية، فلم يكن إذا لأولئك القواد من دأب سوى العمل على تنفيذ تلك التعليمات. ولولا وقوف الجيش الإنجليزي أمامهم موقف المعارض في ذلك والمدافع عن قضية المماليك؛ لتمكن يوسف باشا الصدر الأعظم وقائد الجيش البري، وقجك حسين قبطان باشا أمير الجيش البحري؛ من تنفيذها - إلى حد ما - من باب الاحتيال والقدر.
Page inconnue