Muhalhil, le seigneur de Rabia
المهلهل سيد ربيعة
Genres
ولما التأم الجمع وقف الحارث يتكلم فقال: يا فوارس بكر! قد علمتم ما عقدنا عليه النية من السير إلى هؤلاء الظلمة، لا ندع لهم متنفسا من السلام حتى نذيقهم وبال ظلمهم ونقذف بهم في مصارع بغيهم، ولكني أشفق أن تسيروا في وقدة هذه الحرور، فهل ترون أن نؤجل الميسر حتى تهدأ هذه الريح؟
ولما أتم قوله نظر إلى الحارث بن همام بن مرة سيد شيبان كأنه يدعوه إلى إعلان رأيه، فتحرك الحارث يريد الكلام ولكن علت ضجة من الجمع لم يستطع معها أن يتكلم، فتريث وهو ينظر إلى من حوله في شيء من الارتباك. فوثب جحدر بن ربيعة قائما وكان قصيرا دميما، فما كاد يقف حتى زادت الضجة اشتدادا، وتقاذفت نحوه ألفاظ الدعابة والفكاهة، فلم يرهبه ذلك بل أعلى صوته وقال بصوت حاد: على رسلكم حتى أقول كلمة.
وما كاد ينطق حتى رمته الرياح الثائرة بلفحة رملية اضطرته إلى أن يحول وجهه عنها، وانفجرت ضحكة عالية لم يتخلف عنها أحد من الشيوخ أو الشبان، فضحك جحدر مشاركا في المرح الشامل، ولكنه لم يجلس ولم يتردد، بل صاح بصوته الحاد: كأنني بهذه الريح تريد أن تعدل بي عن رأيي، ولكني وحق أوال لا أنثني عنه وإن قذفتني السماء بصواعقها. لا بد أن نسير اليوم إلى قضة.
فعلت ضجة استحسان صحبتها ضحكات ومداعبات، وصاح فتى من آخر الجمع: «قف يا جحدر فوق صخرة حتى نراك.»
فزادت ضجة الضحك علوا، ولم يشأ جحدر أن يدع الفرصة بغير أن ينتهزها، فوثب على كتفي فتى شديد قريب منه، فوقف عليهما وقال ضاحكا: «هل أغيب الآن عن عين أحد؟»
ثم نزل سريعا وهو يشارك في الضحكات العالية التي لم تفتر، وأشار بيده للقوم أن يهدءوا، فسكنت الأصوات ونظرت إليه العيون، ومالت إليه الأسماع فقال جادا: نحن اليوم في جماعة لم يجتمع لنا مثلها من قبل، فإذا نحن سرنا إلى العدو فاجأناه بما لا قبل له به، وكانت الموقعة القاضية.
فتجاوبت الأركان بصيحات: مرحى! أحسنت!
واستمر جحدر فقال: «ولكن لي عليكم شريطة قبل أن أفرغ من قولي.»
فصاح به أفراد من جوانب الجمع: «لك ما شرطت فاحتكم.»
فقال جحدر وهو يضحك: «لقد هممت أن أشترط لنفسي نصف هذا الفيء الذي سنغنمه اليوم، ولكني عدلت عن ذلك، وحسبي أن أشترط أمرا هو أهون عليكم منه؛ إذا نحن سرنا اليوم في جماعتنا هذه خشيت أن يختلط علينا الأمر فلا يميز أحدنا أصحابه من أعدائه، وأخشى أن يخالطنا العدو وهو قليل، فلا نجد دوننا من نضربه فيضرب بعضنا بعضا في حماسة القتال.»
Page inconnue