ومشى الخوري بضع خطوات، فصاح الجريح بصوت يذيب الجماد قائلا: «اقترب مني، اقترب، فنحن أصدقاء منذ زمن بعيد، أنت الخوري سمعان الراعي الصالح، وأنا - أنا - لست بلص ولا بمجنون، اقترب فأقول لك من أنا.»
فاقترب الخوري سمعان من المنازع، وانحنى فوقه متفرسا،
4
فرأى وجها غريب الخطوط، يأتلف بين تقاطيعه الذكاء بالدهاء، والقباحة بالجمال، والخباثة بالدماثة،
5
فتراجع إلى الوراء، وصرخ قائلا: من أنت؟
فقال المنازع بصوت خافت: «لا تخف يا أبت، فنحن أصدقاء منذ عهد بعيد، أعني على النهوض وسر بي إلى الساقية القريبة، واغسل جراحي بمنديلك.»
فصرخ الخوري: «قل لي من أنت، فأنا لا أعرفك، ولا أذكر أنني رأيتك في حياتي.»
فأجاب الجريح، وحشرجة الموت تعانق صوته: «أنت تعلم من أنا، فقد لقيتني ألف مرة، وشاهدت وجهي في كل مكان، أنا أقرب المخلوقات إليك، بل أنا أعز عليك من حياتك.»
فصاح الخوري قائلا: «أنت كاذب محتال، وخليق بالمنازعين الصدق، فأنا لم أر وجهك في حياتي، قل من أنت وإلا تركتك تموت مضرجا بدمائك.»
Page inconnue