La première aventure de l'esprit : étude sur le mythe : Syrie et Mésopotamie
مغامرة العقل الأولى: دراسة في الأسطورة: سوريا وبلاد الرافدين
Genres
تعتبر الإينوما إيليش من أجمل النصوص الأدبية القديمة، وهي إلى جانب ملحمة جلجامش وملحمتي هوميروس وبعض أسفار التوراة، أبدع ما أنتج إنسان الحضارات القديمة من أدب. فإلى جانب الصياغة الشعرية الجميلة، تتمتع الملحمة بحبكة روائية فذة، وهي في مجموعها أشبه بسيمفونية موسيقية مؤلفة من أربع حركات. الحركة الأولى عذبة وهادئة، لا نكاد نسمع فيها سوى أصوات مديدة خافتة، حيث الأمواه البدئية تتمازج في حلم أزلي لذيذ. الحركة الثانية حوار بين النغم الخافت والنغم الصاخب، حيث يعلو الصوت حينا، ويعم الصمت حينا آخر، وتنتهي بنغم نشيط يمثل انتصار إيا على أبسو وتراجع الآلهة البدئية تراجعا مؤقتا. الحركة الثالثة قوية تتصارع فيها الألحان الصاخبة وتملؤها أصوات الظواهر الطبيعية من رياح وعواصف وصواعق، ويرتفع منها زئير المخلوقات العجيبة، ثم تنتهي بشكل عنيف وصاعق يمثل مصرع تعامة. الحركة الرابعة تبدأ مرتبة منظمة، وتنتهي بنشيد فرح وصلاة لمردوخ.
إن التصوير البديع لبعض مشاهد الملحمة يجعلها أشبه بشريط حي تكاد تسمع فيه الأصوات وترى فيه الأشكال وتشم روائح الأشياء، وخصوصا عندما يأتي النص لوصف تحرك مردوخ للقاء تعامة والصراع الذي دار بينهما. فها هو في عدته الكاملة يتقدمه البرق وتتبعه الرياح الأربع ترفع أطراف شبكته الهائلة، ومن ورائه تعصف الرياح الشيطانية السبع التي أعدها ليعصف بها أعماق تعامة. ومن تحته طوفان المطر الهادر يطير فوقه في مركبته العاصفة يجرها طاقم من أربعة أفراس إلهية، أسنانها حادة وفي أنيابها السم. اكتسى بدرع مهيب من الزرد، واعتم بهالة تشيع الرعب والذعر، يتأرجح قوسه على كتفه، وترفع الهراوة في يده والشعلة اللاهبة تندفع من جسده. أما مشهد التحام الإلهين وانتهاؤه بسقوط تعامة في شبكة مردوخ ودفعه للرياح الصاخبة في فمها الفاغر وشطره، من ثم، قلبها بسهمه، فمن المشاهد التي تبقى حية في ذاكرة قارئها أبدا. (3) نصوص بابلية أخرى في التكوين
إلى جانب ملحمة التكوين الأساسية، قدمت لنا الأسطورة البابلية نصوصا أخرى تدور حول الموضوع نفسه، إلا أن معظم هذه النصوص ناقص بسبب الحالة التي وصلتنا عليها الألواح الفخارية التي احتوتها، إضافة إلى أن النصوص نفسها لا ترقى إلى مستوى الإينوما إيليش من الناحية الجمالية. (3-1) نص سيبار
تم العثور على هذا النص في خرائب مدينة سيبار، ويعود تاريخه إلى الدولة البابلية الجديدة في القرن السادس قبل الميلاد. ويعتبر هذا النص من أهم تلك النصوص المتفرقة التي تقدم لنا تنويعات مختلفة لحكاية الخلق والتكوين. وقد كتب النص ليكون مقدمة لتعويذة سحرية بقصد تطهير المعبد؛ فقد اعتقد الفكر الأسطوري القديم أن العودة لذكر تفاصيل الخلق وبدايات الأشياء، من شأنها دوما إعطاء التعويذة قوة؛ وذلك باستحضارها الزمن الغض، عندما كانت قوة الخلق تتخلل الوجود البكر.
يجري النص على النحو الآتي:
43
قبل أن يوجد للآلهة بيت مقدس في مكان مقدس،
قبل أن يخلق القصب، ويظهر للوجود الشجر،
قبل أن يصنع الآجر وتبتكر قوالبه،
لم يكن هناك مدينة ولا بشر.
Page inconnue