Les Paralogismes Logiques: Chapitres de Logique Non Formelle
المغالطات المنطقية: فصول في المنطق غير الصوري
Genres
ذلك أن كثيرا من الأمور تخضع للملاحظة المباشرة أو الحساب المحض، هنالك يلتقي المرء التقاء مباشرا بالبينة ويكون الالتجاء إلى السلطة لطلب البينة هو عبث لا معنى له وكسل يستوجب اللوم، إنه أشبه بالتيمم وقد حضر الوضوء! ذلك أن الملاحظة المباشرة أعلى يقينا من السلطة وتجب أي سلطة، هكذا كانت ثورة «النهضة» ضد سلطة أرسطو وسلطة الكتاب المقدس، تلك الثورة التي أعقبت تطورا علميا حقيقيا لم تشهد البشرية مثله في العصور السوالف، لقد كان رأي أرسطو في العصور الوسطى يؤخذ مأخذ التسليم حتى في الأمور الإمبيريقية التي تمكن معرفتها بسهولة بواسطة الملاحظة، وكأن ذهن أرسطو أصدق رؤية من نواظر الخلق!
كذلك كان يستشهد بالكتاب المقدس كسلطة لا معقب لها، حتى في المسائل التجريبية والرياضية ومن الطريف أن قيمة ال
pi (النسبة بين طول محيط الدائرة وقطرها، ط) كانوا يدعون أنها ثلاثة استنادا إلى فقرات معينة بالعهد القديم! غير أن قيمة ط هي مسألة رياضية يحددها علم الحساب (وهي اثنان وعشرون على سبعة) والالتجاء فيها إلى السلطة هو أمر غير ذي صلة.
وكيف تنسى البشرية زمنها الذي ضاع ودماءها التي أريقت من جراء الخضوع لسلطة الكنيسة طيلة العصور الوسطى، حين ارتهن الناس لديها حواسهم وملكاتهم الإدراكية التي أودعوها لتكون أوثق الأدلة وأصدق الرسل، وأخذوا على الاعتقاد بأن الشمس تدور حول الأرض فهكذا يقول الكتاب المقدس ولو كان كتاب الكون يقول غير ذلك، وأخذوا على الاعتقاد بأن تاريخ البشر على الأرض لا يعدو السبعة آلاف سنة، ولو دل علم الحفريات على أنهم أقدم من ذلك بما لا يقاس. (2) إذا كانت الدعوى غير داخلة في مجال خبرة الشخص الذي يحتكم إليه كسلطة
حين يطرح الشخص دعوى معينة في مسألة تخرج عن نطاق خبرته فإنه لا يعود خبيرا في هذا السياق الجديد، ولا يعود بإمكانه أن يدعم رأيه بالدرجة المطلوبة من الخبرة، ولا يعود هناك فرق بين رأيه في هذا الأمر ورأي سواه من عامة الناس، لقد تركته سلطته لدى الباب فدخل وحده وصار في هذا المجال الغريب واحدا من «غير المتخصصين»
laymen .
ومن الأهمية بمكان أن نتذكر في هذا الصدد أن تضخم المعارف في العصر الحديث قد جعل التخصص الدقيق فرضا محتما على كل من يريد أن ينجز في العلم إنجازا حقيقيا وتستوي لديه خبرة كافية في مجال ما، الأمر الذي يجعل الخبراء الحقيقيين في أغلب الأحيان على غير دراية كبيرة بما يقع خارج تخصصاتهم، ليس هذا فحسب، بل إنه كثيرا ما يحدث أن يكون تعليم المرء وخبرته في ميدان معين عائقا فعليا في وجه قدرته على إصدار أحكام خبيرة في ميدان معين آخر، يطلق على هذا الصنف من العجز الناجم عن التمرس الكبير بمجال معين «العجز المكتسب»
learned incapacity ، فالتعليم العلمي مثلا قد يحول بين المرء وبين إصدار أحكام في الميدانين الفني والأدبي.
ومن الأمور الشائعة في عصرنا - ذلك الاستغلال للسلطة، المسمى بالإعلان عن طريق الشهادة
testimonial advertising ، حيث يقوم نجوم الشاشة والرياضة ومعبودو الجماهير في مختلف الميادين بالإعراب عن إعجابهم بأنواع من السجائر والصابون وغير ذلك من السلع، ففي كل الأحوال تقريبا لا تكون لهذه الأحكام أية قيمة مشروعة؛ لأن العلاقة بين من يصدر الحكم وبين السلعة هي ذاتها العلاقة بين المستهلك العادي وبين هذه السلعة ذاتها، فعندما تعلن ممثلة السينما الآنسة «س» أنها تدخن سيجارة من نوع «ص» وحده، فإنها لا تعبر دون شك إلا عن تفضيل شخصي، قد لا يكون أعمق في نقده أو تحليله من رأي المدخن العادي، والنتيجة الضمنية التي يود المعلن أن يحملها إلى أذهان الجمهور هي أن ذوقها في السجائر على مستوى يتناسب مع شهرتها من حيث هي شخصية من شخصيات الشاشة، أما مسألة كون المعلن ينجح في ذلك أم لا، فينبغي أن تترك للمسئولين عن ميزانيات هذا النوع من الإعلان، فلا بد أن يكون أصحاب الإعلانات مقتنعين بأن الإهابة بسلطة النفوذ هي وسيلة مربحة.
Page inconnue