Sophismes linguistiques : La troisième voie vers un nouvel arabe classique
مغالطات لغوية: الطريق الثالث إلى فصحى جديدة
Genres
تلك مجرد شواهد على أن محاولة فهم التطور اللغوي للعربية تنتهي بالباحثين إلى نتائج بعيدة وهامة، وأنه لا سبيل إلى رد الحياة على العربية وتيسير النماء الحي لها إلا إذا عرف كيف دبت الحياة في هذه العربية، وكيف سارت الحياة بها لنعرف من ذلك كيف تتابع سيرها في هذه الحياة. (3) التزمت يخلق الثورة
مات الكسائي شيخ الكوفيين وهو لا يحسن «نعم» و«بئس»، وفارق تلميذه الفراء الدنيا وفي نفسه شيء من «حتى».
الضغط يولد الانفجار، والتصلب الانكسار، والتزمت الثورة. ويوشك المحافظون الغيورون أن يقتلوا العربية اختناقا، وفيما يلي أورد قطوفا من أقوال حقيقية لمجمعيين حقيقيين، ثقات أئمة، في مناقشاتهم في دورات المجمع: «... ولنقف عند هذا خشية أن ينتهي الأمر إلى اعتراف كامل بها (العامية) له أخطاره ومغبته.» (د. بيومي مدكور) «ومجمع اللغة العربية لا يؤخذ بأخطاء الناس، ولكنه يؤخذ إذا هو وضع خاتمه الشرعي على أخطاء الناس، ولا يجوز لنا أن نجيز أخطاء الناس وإن كنا أحيانا نسكت عنها. لعل إخواننا في مصر لا يدركون مدى الحملة على اللغة العربية في أقطار أخرى، ولم يحسوا بالخطر الكامن وراء الدعوة إلى التمهيل والتبديل في اللغة العربية، فرجاؤنا أن يشعروا معنا بذلك، وأن يظلوا السور الذي يحمي لغتنا فلا يفتحوا فيه ثغرة جديدة.» (د. عمر فروخ) «... يجب ألا نفتح ثغرة مهما كانت صغيرة ينفذ منها من يريدون القضاء على العربية.» (أ. زكي المهندس) «... فأما حملة د. محمد كامل حسين على اللغة العربية وأنها يجب أن تساير العصر ويتساهل فيها فهذا غير ما بني عليه المجمع من المحافظة على سلامة اللغة العربية، وحملته على الأشموني والألفية فيها تجن كثير، فهذه الكتب حفظت لنا اللغة بدقائقها وتفاصيلها، وإذا كان فيها شيء من الصعوبة فلها من يستسيغها ويفهمها.» (الشيخ محمد علي النجار) «يجب أن تقوم الألسنة المعوجة لتستقيم على منهاجها الواضح المبين، لا أن تعوج هي لتطاوع الألسنة المعوجة بحجة التيسير عليها لتبقي على اعوجاجها.» (أ. عبد الفتاح الصعيدي) «لا أرى أن نتخذ من القواعد ما نقر به المخطئ على خطئه، ومن الخير أن نلتزم اللغة الفصحى، وننبه على أن المستعمل بخلافها في الصحف أو غيرها غير مقبول، وليس من الخير أن نضع خاتم الشرع على أخطاء الكاتب أو المتحدث، ولو أجزنا لكل مخطئ أن يخطئ فسينتهي بنا الأمر إلى تسويد لغة العامة.» (د. عمر فروخ)
تلك أقوال محافظة اجتزأتها اجتزاء وانتقاء لكي تمثل المنطق المحافظ، مع كل الإجلال للقائلين ونياتهم الطيبة. إنهم يتحدثون كأن المعيار هو التراث لا العرف، أو كأن السلطة هي المجمع لا الحياة، ويصدرون الأحكام من غير سدة الحكم! ولقد تركتهم اللغة يحافظون عليها في عالمهم الافتراضي ومضت في سبيلها لا تلوي على شيء.
لقد أتت جهودكم بعكس الذي توسموه، وها هي شواهد احتضار العربية تكاد تفقأ عين أوديب. التطور لا يغالب بل يوجه ويضبط، وقديما قال ماكيافيللي للأمير «إذا أردت أن تتفادى ثورة فاصنعها بنفسك!»، وقريب من ذلك قول د. محمد كامل حسين في مؤتمر المجمع، الدورة 28، 1961: «فيما يتعلق بالثورة على اللغة في لبنان أرى أن الطريقة إلى منع الثورة في كل العالم هو التطور التدريجي، فلو تطور الروس ما قامت الثورة الروسية، والمحافظة الشديدة على تفاصيل اللغة العربية الفصحى على صعوبتها ستؤدي إلى الثورة عليها وانتصار العامية، والطريقة الوحيدة لتلافي ذلك هو التطور بالفصحى، وأؤكد أن التطور يكون إلى التقدم، والتقدم أميل إلى التبسيط» (مجلة المجمع، ج15، ص80).
نعم، التبسيط يماشي سنن التطور ويساير اتجاهاته وميوله، وقد سبق أن قلنا: إن مبدأ «الاقتصاد» من أهم السنن المسيرة للتطور اللغوي، وكذلك مبدأ «القياس» بمعنى الاطراد والتجانس، ينبغي أن نعترف أن الفصحى على حالها الراهن صعبة عسيرة الدراسة والتمثل. وهذا طه حسين، وهو سيد من سادة الفصحى، يقول في «مستقبل الثقافة في مصر»: «معنى ذلك أن تيسيره (أي تعليم العربية) قد أصبح فرضا لا محيد عنه، وضرورة لا خلاص منها، فليس كل الناس قادرا على أن يتعلم اللغة العربية قراءة وكتابة وفهما مع ما تمتاز به قراءتها وكتابتها وعلومها من الصعوبة والتعقيد، وليس كل الناس مستعدا لأن ينفق من حياته الأعوام الطوال ليدرس أبواب النحو والصرف كما يريد هؤلاء السادة أن يحتفظوا بها، حتى إذا أنفق من وقته ما أنفق، وبذل من جهده ما بذل.»
13 ... «وأنا من أجل هذا أدعو إلى أن تتولى الدولة بواسطة العلماء القادرين إصلاح علومها وتيسيرها والملاءمة بينها وبين الحياة الحديثة والعقل الحديث، وأنا نذير للذين يقاومون هذا الإصلاح بخطر منكر ما أرى أنهم يحبونه أو يطيقونه أو يسعون إليه أو يرغبون فيه، وهو أن اللغة العربية الفصحى إذا لم ننل علومها بالإصلاح صائرة، سواء أردنا أم لم نرد، إلى أن تصبح لغة دينية ليس غير، يحسنها أو لا يحسنها رجال الدين وحدهم ويعجز عن فهمها وذوقها فضلا عن اصطناعها واستعمالها غير هؤلاء السادة من الناس ... فاللغة العربية في مصر لغة إن لم تكن أجنبية فهي قريبة من الأجنبية، لا يتكلمها الناس في البيوت، ولا يتكلمها الناس في الشوارع، ولا يتكلمها الناس في الأندية، ولا يتكلمها الناس في المدارس، ولا يتكلمونها في الأزهر نفسه أيضا ... فالخطر الذي أنذر به إذا لم نتدارك اللغة وعلومها بالإصلاح والتيسير؛ إن لم يكن واقعا فهو قريب الوقوع، وتبعة هذا كله إنما تقع على الذين يمانعون في الإصلاح والتيسير ... وينسون أن الذين أنشئوا هذه العلوم (علوم اللغة) إنما أنشئوها لأسباب منها حماية اللغة من أن تفسد أو تضيع، كما أننا نريد أن نصلحها ونيسرها لنحميها من أن تفسد أو تضيع ... أريد كما يقول بهي الدين باشا بركات في هذه الأيام، وكما قال غيره من قبله، أن يقرأ الناس ليفهموا لا أن يفهموا ليقرءوا ... والخير كل الخير أن نقبل على هذا الإصلاح عن رغبة ورضا، لا أن نعرض عنه حتى تفرضه علينا الظروف إن انتصر، أو تموت اللغة العربية إن كتبت لها الهزيمة لا قدر الله.»
14
وها هو الأستاذ محمود تيمور، وهو أديب كبير وعضو مجمع، يقول: «لا خلاف على أن قراءة الكلام غير المضبوط قراءة صحيحة أمر يتعذر على المثقفين عامة، بل إن المختصين في اللغة الواقفين حياتهم على دراستها لا يستطيعون ذلك إلا باطراد اليقظة ومتابعة الملاحظة، وإن أحدا منهم إذا حرص على ألا يخطئ لا يتسنى له ذلك إلا بمزيد من التأني وإرهاف الذاكرة وإجهاد الأعصاب.»
15
Page inconnue