Sophismes linguistiques : La troisième voie vers un nouvel arabe classique
مغالطات لغوية: الطريق الثالث إلى فصحى جديدة
Genres
14
يضاف إلى هذا كله أن العامية تختلف داخل الشعب الواحد إلى عاميات بعدد المناطق والطوائف، فالقضاء على الازدواج لا يكون إلا بأن تصطنع كل منطقة لغة كتابة تتفق مع لغة حديثها، «وبذلك يصبح في البلاد العربية آلاف من لغات الكتابة بمقدار ما فيها من مناطق ومدن وقرى، ولا أظن عاقلا ينصح بمثل هذه الفوضى.»
ويرى د. وافي أن حل الازدواجية بالصعود بلهجة الحديث إلى العربية الفصحى هي أمنية غالية ولكنها غير ممكنة التحقيق؛ وذلك لسببين: الأول أن لغة المحادثة لا تفرض فرضا ولا يمكن النكوص بها إلى الوراء لأن من سنتها التطور والتبدل وفقا لنواميس قاهرة لا تخضع لإرادة الأفراد، والسبب الثاني أننا حتى لو افترضنا جدلا أننا نجحنا في تعميم الفصحى وجعلنا كل العرب يتحدثون بالفصحى، فإن هذه اللغة المفترضة لا تلبث بعد تداولها على الألسنة أن تخضع لجميع القوانين التي تخضع لها اللغات الطبيعية، وسرعان ما تختلف هذه اللغة من جماعة إلى أخرى وفقا للظروف الجغرافية والاجتماعية والجينية الخاصة بكل منها، وسرعان ما تختلف من جيل إلى جيل، وسرعان ما تنشعب هذه الفصحى الخيالية إلى لهجات وتتسع الهوة بين هذه اللهجات «ولا بد أن تسير في المراحل نفسها التي سارت فيها العربية الفصحى من القرن السابع الميلادي إلى الوقت الحاضر، وتنتهي إلى النتيجة نفسها التي انتهت إليها. وهكذا لن يمضي زمن قصير أو طويل حتى تنبعث مرة أخرى المشكلة نفسها التي حاولنا القضاء عليها، وحتى نرى الناس يتحدثون بلهجات تبعد بعدا كبيرا عن لغة الكتابة.»
15
تعاني تنظيرات د. وافي من عدم اتساق واضح؛ فقد أسهب في تبيان قوانين التطور وحتميته، وحدد اتجاهه: من لغة كتابة تنشعب عنها عاميات ما تلبث أن تنضج وتنحي الفصحى القديمة وتحل محلها ... ثم يحذر في الوقت نفسه من تبني العامية كلغة كتابة لأن مآلها التطوري معلوم ووخيم! ومن البين أنه بذلك يسد الطرق أمام اللغة، ويتركنا في موقف أشبه بالتوقف اللغوي: فلا نحن نملك إحياء الفصحى وتعميمها، ولا نحن ننصح بتبني العامية وإنضاجها والكتابة بها!
وهناك موقف آخر يبدو متناقضا للوهلة الأولى ولكنه في الحقيقة متسق (مع ذاته على أقل تقدير)، وهو موقف د. رمضان عبد التواب إذ أسهب في كتابيه «التطور اللغوي» و«بحوث في فقه اللغة» في تبيان نواميس التطور وحتميته: «تلك سنة الحياة، وتاريخ اللغات يشهد بهذا، ولا نعرف لغة على ظهر الأرض جمدت على شكل واحد مئات السنين»، ثم يعود ويستثني العربية من هذه السنن لأن لها «ظرفا خاصا لم يتوفر لأية لغة من لغات العالم، وهذا الظرف يجعلنا نرفض ما ينادي به بعض الغافلين، عن حسن نية أو سوء نية أحيانا، من ترك الحبل على الغارب للعربية الفصحى، لكي تتفاعل مع العاميات، تأخذ منها وتعطي، كما يحدث في اللغات كلها ... لأنها ارتبطت بالقرآن منذ أربعة عشر قرنا، ودون بها التراث العربي الضخم ...»
16
ويدعم د. عبد التواب رأيه بقوله: «هذا هو السر الذي يجعلنا لا نقيس العربية الفصحى بما يحدث في اللغات الحية المعاصرة، فإن أقصى عمر هذه اللغات، في شكلها الحاضر، لا يتعدى قرنين من الزمان، فهي دائمة التطور والتغير، وعرضة للتفاعل مع اللغات المجاورة، تأخذ منها وتعطي، ولا تجد حرجا؛ لأنها لم ترتبط في فترة من فترات حياتها بكتاب مقدس، كما هو الحال في العربية.»
17
ويزيد د. عبد التواب موقفه قوة واتساقا (ذاتيا) بقوله: «إن العربية تحمل في طبيعة تكوينها عنصر التجدد والحياة، إن أفاد أهلها من منهجها العظيم في القياس، والاشتقاق، والنحت، والتعريب.»
Page inconnue