فلمَّا قَضَت نتائِجُ العُقول، وأدلَّةُ الشَّرعِ المَنقُول: أن سَعادَةَ الدَّارَينِ مَنُوطَةٌ بمُتابَعَةِ هذا الرَّسول، وأنَّ المحبةَ الحَقيقِيَّةَ باقتِفاءِ سَبيلِهِ وَاجِبَةُ الحُصُول ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي﴾ [آل عمران: ٣١] انتَهَضَت هِمَمُ أعلامِ العُلَماء، والسَّادَةُ الفُضلاء، إلى البَحثِ عَن آثارِه: أقوالِهِ وأفعالِهِ وإِقرارِه، فحَصَّلُوا ذَلِك ضَبطًا وحِفظًا، وبلَّغُوهُ إلى غَيرِهِم مُشافَهَةً ونَقلًا. ومَيَّزوا صَحيحَهُ مِن سَقيمِه،
ــ
وسعادة الدارين: هي نيلُ مراتبهما ومصالحهما، ونفيُ مفاسدهما.
ومنوطة: معلَّقة، يقال: ناط الشيءَ يَنُوطُهُ: إذا علَّقه؛ والإشارة به إلى نحو قوله تعالى: ﴿قُل إِن كُنتُم تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحبِبكُمُ اللَّهُ﴾ [آل عمران: ٣١] والهداية الحقيقية هي فعلُ الطاعاتِ الشرعيَّة، والحصولُ على ما وعَدَ عليها من الدرجات الأخروية؛ والإشارةُ إلى نحو قوله تعالى: ﴿وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا﴾ [النور: ٥٤]؛ وتجوز بالحقيقَة عن الهداية التي هي مجرَّدُ الإرشادِ والدَّلالَةِ التي هي نحو قولِهِ تعالى: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ﴾ [فصلت: ١٧].
والاقتفاء: التَّتَبُّع؛ من قولهم: اقتفيتُ أثَرَه وقفوتُهُ، وأصله من القَفَا والقافية.
و(قوله: واجبة الحصول) أي: بحسَبِ الوعدِ الصدق والاشتراطِ الحق؛ نحو ما تقدَّم. ولا يجبُ على الله تعالى شيء، لا بالعقلِ ولا بالشرع؛ فإنَّ ذلك كلَّه محالٌ على ما يعُرف في علم الكلام.
والأعلام: المشاهير، جمع عَلَمٍ.
والسَّادة: جمع سيِّد، وهو الذي يَسُودُ غيره، أي: يتقدَّم عليه بما فيه مِن خصال الكمال والشرف. وآثار النبي ﷺ: هي ما يُؤثَرُ عنه وينقل، أي: يُتَحَدَّث بما فيه من حسن خصال الكمال من قولهم: أَثَرتُ الحديثَ أثرة.
و(قوله: وميَّزوا صحيحَه من سقيمِه): اختلفت عباراتُ المحدِّثين في أقسام الحديث، فقال أبو عبد الله محمد بنُ عبد الله الحاكمُ النيسابوريُّ: وهو المعروفُ بابن