قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: لاَ تَقتُلهُ، قَالَ: فَقُلتُ: يَا رسولَ الله، إِنَّهُ قَد قَطَعَ يَدِي، ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ بَعدَ أَن قَطَعَهَا، أَفَأَقتُلُهُ؟ قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: لاَ تَقتُلهُ؛ فَإِن قَتَلتَهُ، فَإِنَّهُ بِمَنزِلَتِكَ قَبلَ أَن تَقتُلَهُ، وَإِنَّكَ بِمَنزِلَتِهِ قَبلَ أَن يَقُولَ كَلِمَتَهُ الَّتِي قَالَ.
ــ
على أَنَّ كلَّ مَن صدَرَ عنه أمرٌ مَّا يدُلُّ على الدخولِ في دينِ (١) الإسلامِ مِن قولٍ أو فعل، حُكِمَ له لذلك بالإسلام، وأنَّ ذلك ليس مقصورًا على النطقِ بكلمتَيِ الشهادة.
وقد حكَمَ النبيُّ ﷺ بإسلامِ بني جَذِيمة الذين قتلهم خالدُ بنُ الوليد، وهم يقولون: صَبَأنَا صَبَأنَا، ولم يُحسِنُوا أن يقولوا: أَسلَمنَا، فلمَّا بلغ ذلك النبيَّ ﷺ، قال: اللَّهُمَّ، إِنِّي أَبرَأُ إِلَيكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ، رافعًا يدَيهِ إلى السماء، ثم وَدَاهُم (٢).
على أنَّ قوله في هذه الرواية: أَسلَمتُ لِلّهِ يَحتملُ أن يكونَ ذلك نقلًا بالمعنى، فيكونُ بعض الرواة عبَّر عن قوله: لا إله إلا الله بأَسلَمتُ؛ كما قد جاء مفسَّرًا في رواية أخرى قال فيها: فَلَمَّا أَهوَيتُ لِأَقتُلَهُ، قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ.
وأَهوَيتُ: مِلتُ لقتله؛ قال الجوهريُّ: أهوَى إليه بيده ليأخذه، وقال الأصمعيُّ: أهوَيتُ بالشيءِ: إذا أومأتُ إليه، ويقال: أهوَيتُ له بالسيف، فأمَّا هَوَى، فمعناه: سقَطَ إلى أسفل، ويقال: انهوى بمعناه، فهو مُنهَوٍ.
و(قوله: إِن قَتَلتَهُ، فَإِنَّهُ بِمَنزِلَتِكَ قَبلَ أَن تَقتُلَهُ) يعني، والله أعلم: أنَّه بمنزلتِكَ في عِصمة الدم؛ إذ قد نطَقَ بما يوجبُ عصمتَهُ من كلمتَيِ الإسلام.
و(قوله: وَإِنَّكَ بِمَنزِلَتِهِ قَبلَ أَن يَقُولَ كَلِمَتَهُ الَّتِي قَالَ) ظاهره: في الكفر، وليس ذلك بصحيح؛ لأنَّه إنَّما قتله متأوِّلًا أنَّه باقٍ على كفره؛ فلا يكونُ قتلُهُ كبيرةً؛
(١) ساقط من (ع).
(٢) رواه أحمد (٢/ ١٥١)، والبخاري (٤٣٣٩)، والنسائي (٨/ ٢٣٧) من حديث ابن عمر ﵄.