وزهرها بثغر باسم ونهرها بقلب صافي، وأدواحها ببسط بساط البسط من ظلها الضافي، وقامت لنا الأشجار على سوقها، وسفرت لنا عرائس الورود عن لثام غبوقها، وأدارت علينا سلاف طلها كؤوس الزهور، قبل أن ترشفه شمس البكور، وحيتنا راحة الراحة والسرور، بأصابع المنثور، وغنت لنا مطوقات شواديها على العيدان، وأعربت وهي عجماء بفنون تمايلت لها قدود الأفنان، حتى لو سمعها ركب العشاق على النوى لنسي الحجاز والعراق وتمنى الدخول لذلك البستان، ورقصت بين أيدينا جواري الماء، وظهرت مع وجود شموسنا وبدورنا نجوم النبات حتى ظنناهم نجوم السماء، ولاح لنا عرض الغيث وشارب الآس فأذكرنا العيش السالف، وطاف النسيم بكعبة صفانا طوف القدوم فما كان ألطف ذلك الطائف.
غير أننا كنا نسمع محاورة، ضمنها منافرة ومفاخرة، فسألنا الرياض عن جلبة الأثر، فقالت سلوا النسيم فقد أصبح عند النسيم الخبر، فوجهنا وجه السؤال الوسيم، إلى قبلة النسيم، فتدلى وتدلل، وما ألطف النسيم إذا تعلل، ثم مر بنا مُقْبلا ومُقَبِّلا، هذا وكلما مرَّحلا، وقال: يا أهل الفراسة والسياسة، والفتوة والمروة والحماسة، إنها منافسة بين الماء والهواء أوجبها حب انفراد كل منهما عن صاحبه بالرياسة،
فهل تنعمون بحضورهما لديكم، ومثولهما بين يديكم، ليعرض كل ماله من حسن الأوصاف، وتحكموا بينهما بالعدل والإنصاف،
1 / 24