طلحة ﵁؛ وبعد صلاة الجمعة صعد أبو الفضل على الكرسي العالي تجاه محراب الحنفية، واجتمع في مجلسه جم غفير، وسرد أحاديث كثيرة عن ظهر قلبه في تحريم الغيبة والنميمة، وفي فضل العلماء وأهل الخير، ثم أظهر العتب على المزلقي، والحال أنه بريء مما أنهى عنه وأظهر أن فخر الدين المذكور من تلامذته، ممن أحسن إليه وأقامه، وأظهر أنه رجل فقير، وذكر أشياء يطول ذكرها؛ ولما نزل ودخل المقصورة فحوم له جماعة ووشوا له.
وفي حال صعود أبي الفضل هذا للكرسي صاح العوام ورفعوا أصواتهم، واجتمعوا على الأمير أزبك نائب الغيبة بسبب الشاب البلاصي، رأس نوبة، الشهير بالقدسي، ليسلمه لهم ليحرقوه، فجاء الأمير أزبك إلى بيت الخطابة ليستشير قاضي القضاة المزلقي في ذلك، وقد تكالب العوام ورفعوا أصواتهم على باب الخطابة، فأرضاهم ووعدهم بقتله، ثم خرج من بيت الخطابة وذهب إلى بيته من باب الزيادة.
وشاع في هذا اليوم بين الناس، أن أبا يزيد بن عثمان أخذ من مملكة سلطاننا بلادًا كثيرة، وأن قصده الزحف على هذه المملكة.
وفي يوم السبت سابع عشرين جمادى الأولى هذه، دخل بهاء الدين الباعوني، الموعود بدخوله دمشق، ومعه من قاضي القضاة ابن الفرفور للقاضي محب الدين ابن قاضي عجلون، أن يتولى أمر الخطابة والعرض والتفويض لجماعة مخصوصة نيابة عنه؛ وأخبر بهاء الدين المذكور أن المزلقي لما عزله السلطان عن القضاء بدمشق عوضه كتابة السر بها، وعزل نجم الدين الخيضري منها، وأن المزلقي يجلس فيها بدار العدل فوق القاضي الحنفي؛ فركب نائب القلعة ابن شاهين ونائب الغيبة أزبك وغيرهما إلى المزلقي وعرضا عليه ذلك، فامتنع من الدخول في ذلك.
وفي يوم الجمعة رابع جمادى الآخرة منها، خطب القاضي محب الدين ابن قاضي عجلون عن قاضي القضاة الشهابي بن الفرفور، ومدح الناس له - وفي بكرة هذا اليوم قام أهل قرية المزة وكبروا على مملوك السلطان دواداره بدمشق، ونزلوا إلى المدينة إلى بيته، ثم كبروا عليه بالجامع قبل الصلاة وبعدها، وأظهروا التظلم منه، فخفض عنهم بعض ذلك - وفي يوم الخميس عاشره وصل من مصر لمملوك السلطان ودواداره بدمشق، واسمه جاني بك الطويل، تشريف باستقراره في الدوادارية المذكورة، وأن يلحق العسكر لقتال علي دولات، والحال أنه لم يكن بقي في دمشق من أرباب الدولة غيره، ونائب القلعة علي بن شاهين المتأهب لأمرة الحاج، ونائب الغيبة أزبك دوادار النائب.
وقد زحفت العربان على البلاد، وعلى نواحي دمشق وأطرافها، فخرج إليهم نائب الغيبة
1 / 61